الدور المتنامي للميليشيات الموالية للنظام في سوريا

  • لينا الخطيب

    Director, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    مديرة برنامج الشرق الأوسط و شمال افريقيا

مع احتدام معارك دير الزور والرقة، يُصعّد النظام السوري خطابه المتعلّق باستعادة سلطة الدولة في تلك المناطق، لكن الديناميات بين الجيش السوري والميليشيات الموالية للنظام تُظهر أن مسألة سلطة الدولة ليست واضحة. فالنظام السوري يعتمد على الميليشيات المدعومة من إيران في ساحة المعركة كوسيلة لتعزيز قدرة الجيش السوري، ولكن هذه الميليشيات ليست دمى في يده. كما تعتري الجيش نفسه مشاكل داخلية تزيد من عرقلة قدرته، ممّا يمهد الطريق لتنامي دور الميليشيات الموالية للنظام.

وحيث لم يعد لدى الجيش السوري سوى خُمس قدراته الأصلية فقط، فإنه يحاول زياردة عدد الجنود في صفوفه، فقد ذكرت التقارير أن الجيش السوري حاول اجتذاب المنشقين السابقين الذين يقاتلون حالياً في صفوف الجماعات الثورية على الحدود السورية العراقية لإعادة انضمامهم الى الجيش. كما زاد النظام من تجنيد الذكور السوريين. ولكن على الرغم من أن التجنيد الإجباري إلزامي بالنسبة لأولئك المؤهلين، فإن العديد من الشباب يحاولون التهرب من التجنيد من خلال التسجيل في الجامعات أو السفر إلى الخارج.

من بين أولئك الذين يخدمون في الجيش كضباط وليس كجنود في مراكز متدنية، هناك من يتجنب الخدمةَ على خطوط المواجهة إذا ما توفّرت له علاقات رفيعة المستوى، وبدلاً من ذلك القيام بالمهام الاعتيادية والوظائف الإدارية أو الانتشار في المناطق التي يكون فيها القتال أقل كثافة. وقد كان من شأن هذا أن يترك الجبهات مفتوحة أمام احتلال  الميليشيات إلى حدّ كبير، سواء السورية، مثل قوات الدفاع الوطني، وغير السورية، مثل حزب الله.

ومع أنّ قيادة تلك الميليشيات تتبع في نهاية المطاف إلى النظام، إلاّ أنَّ الآراء منقسمة حول مدى سيطرة النظام عليها على المدى الطويل. في حين أنّ بعض المراقبين واثقون بأن النظام سيكون قادراً في نهاية المطاف على احتواء الميليشيات على الرغم من دعم إيران لها، يرى آخرون في الميليشيات تحدياً محتملاً لسلطة مؤسسات الدولة في المستقبل. وعلى الرغم من خسائره الكبيرة، إلاّ أنَّ الجيش السوري تمكَّن من الحفاظ على تماسك صفوفه العليا. ويرتبط ذلك جزئياً بالهيكلية غير الرسمية لقيادة الجيش والمبنية على وجود حالة من التناوب بين الضباط العلويين والسنّة في أعلى التسلسل الهرمي بحيث يتبع ضابط علوي إلى ضابط سني يتبع بدوره إلى ضابط علوي آخر. وقد لعب هذا الترتيب الطائفي غير الرسمي دوراً في الإبقاء على جزء من الطائفة السنية السورية موالٍ للنظام. ولكن على امتداد الرتب الأدنى، هناك حالة انعدام ثقة متزايدة بين الجنود السنة وغير السنة، مما يؤثر سلباً على قدرة الجيش في المعارك. وذلك كلّه يزيد من تمكين الميليشيات الموالية للنظام.

تتمتع الميليشيات بهامش من الحرية أكبر مما يحظى به الجيش السوري. ويفضّلُ بعض الشباب السوريين في مناطق النظام الانضمام إلى الميليشيات كوسيلة للهروب من التجنيد الإجباري، لأن الانخراط في الميليشيات لا ينطوي على الالتزامات القانونية التي ينطوي عليها الانضمام إلى الجيش النظامي. كما أن الرواتب المقدمة لأفراد الميليشيات، التي تمولها إيران، هي أيضاً أعلى من الرواتب في الجيش السوري. وتملك الميليشيات أيضاً إمكانية ممارسة قدر أكبر من السلطة دون الكثير من المساءلة. ويهيمن قادة الميليشيات المحليّون على بعض المناطق الواقعة ضمن مناطق سيطرة النظام غربَ سوريا، وفي بعض الحالات يحتاج قادة الجيش السوري إلى إذن من قادة الميليشيات قبل دخول الجيش إلى تلك المناطق.

يعني ذلك كلّه أن النظام السوري قد لا يكون في المستقبل قادراً على السيطرة الكاملة على الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه. ومثلما هو الحال اليوم، فإن تلك الميليشيات تقوم بمهام عسكرية رئيسية عادة ما يتولاها الجيش السوري، ومن ثمّ فإنها -الميليشيات- قد تطالب بمقابلٍ لخدماتها بمجرد التوصل إلى تسوية للنزاع. ومع تضاؤل قدرة الجيش السوري، فمن المحتمل أن يحصل أعضاء الميليشيات على عرضٍ للانضمام إلى الجيش بعد انتهاء الصراع. لكن القيود المفروضة على الحياة العسكرية وانخفاض الرواتب تعني أن سياسة الاحتواء هذه قد لا تكون مجديةً بنحوٍ كامل.

هناك تحدٍّ آخر يتمثَّل في حقيقة أن الجيش السوري نفسه اليوم أصبح أكثر محليةً في طريقة عمله مع تراجع الحافز لدى جزء من جنوده للقتال في المناطق البعيدة عن أماكنهم الأصلية. وهناك أيضاً انقسامات متزايدة داخل المؤسسات العسكرية السورية، مثل الجيش والأجهزة الأمنية، ويرجع ذلك في بعض جوانبه إلى تأثير مختَلف المانحين الأجانب على المكاتب والكيانات العسكرية المحتلفة، مما يجعل من الصعب على تلك المؤسسات أن تثق ببعضها البعض وأن تتقاسم المعلومات والقدرات في المستقبل. ومرة أخرى، يمهّد هذا الطريق للميليشيات للمناورة والاستفادة من هذه الثغرات. قد يطرح الجيش السوري نفسه على أنّه الكيان الذي سيعيد دير الزور من داعش ويستعيد سلطة الدولة في شرق سوريا، لكن التحديات الداخلية التي يواجهها تُظهِر أن الميليشيات الموالية للنظام، وليس الجيش، هي من قد يستفيد أكثر من هذا التحرير.