إحياء الزعامة التقليدية يثير النقاش حول الحكم الذاتي بين الدروز

  • مازن عزّي

    Syrian researcher, Syria Initiative EUI and Editor of the HLP section of The Syria Report

    باحث سوري في مبادرة سوريا ضمن معهد الجامعة الأوروبية ومحرر قسم المساكن والأراضي والمِلكية في موقع سيريا ريبورت.

لا تلقى عودة الزعامة التقليدية إلى الظهور ترحيباً من الجميع في السويداء.

خلال شهر أيار/ مايو، في محافظة السويداء الجنوبية، وبعد عملية اختطاف محلية، دعمت المخابرات العسكرية السورية وفرع حزب البعث في السويداء إعادة العمل بوثيقة درزية تعود إلى القرن الثامن عشر وتُعرف باسم “طرش الدم”. وتسمح الوثيقة للعائلات الدرزية الكبرى الانتقام بالدم في الحالات التي يرتكب فيها دورزٌ جريمة ضد دروزٍ آخرين.

وإذا ما جرى تنفيذه، فإن “طرش الدم” سوف يوسّع  من سلطة زعماء الأسر الدرزية الكبرى، إلاّ أنه سيشكّل انتهاكاً للسلطات القضائية للدولة. فإحياء هذه الوثيقة لا يعكس فقط محاولة النظام لإحكام سيطرته على المستوى المحلي، بل أيضاً علاقة الوكيل-العميل بين النظام والزعماء التقليديين.

ليست هذه الطريقة في ممارسة السلطة بالجديدة بالنسبة للنظام، ولكن مداها شهد تزايداً منذ عام 2011، ففي آب/أغسطس 2011، ومع اندلاع النزاع السوري، أصدر النظام المرسوم التشريعي 107 كوسيلة لزيادة سلطته على المستوى المحلي من خلال استخدام رموز السلطة المحلية وهياكلها كأدوات للسيطرة. ويتضمن المرسوم قانوناً بشأن الإدارة المحلية يهدف إلى “إضفاء الطابع اللامركزي على السلطات والمسؤوليات وتركيزها في أيدي عناصر مختلفة من الشعب”.

لكن هذا المرسوم، وكذلك المكرُمة اللاحقة وهي “طرش الدم” إنما يمثّلان جانباً من جوانب العودة إلى هياكل القيادة التقليدية التي يدفعها النظام، والتي ترى في المجتمع السوري مجموعة من الطوائف والجماعات المذهبية والقبائل التي يمكن أن يحكمهما الزعماء التقليديون والدينيون، بدلاً من المواطنة والدولة التي يسود فيها القانون.

يمكن النظر إلى تجاهل النظام التام للحركة المدنية في السويداء، بما في ذلك الاحتجاجات واسعة النطاق التي رافقها العديد من المطالب بما في ذلك مطالب نقابة المحامين النافذة، وذلك حول تعزيز سيادة القانون، على أنه تتويج لهذا المسعى الذي يرمي إلى إضفاء الطابع المذهبي والقبليّ على المجتمع السوري.

الجدل الدئر حول الحكم الذاتي

إن “تمكين” النظام الواضح “للزعماء التقليديين”، والذي هو في حقيقته توطيدٌ لسلطة النظام، يبني على فكرة التهميش التاريخي للمجتمع الدرزي من قِبَل الدولة التي قامت منذ الانقلاب الذي أتى بالرئيس الراحل حافظ الأسد إلى السلطة سنة 1970، وأدى إلى انقسام المجتمع الدرزي بين أولئك الذين يدعون إلى الحكم الذاتي كوسيلة للتغلب على التهميش ومن يعارضونه.

تجد الزعامة التقليدية ما يناسبها في دعم النظام لزيادة سلطة زعماء العائلات في المجتمع الدرزي السوري الذي تم تهميشه منذ تولي حزب البعث للسلطة في عام 1963. فعندما بدأت الثورة السورية في عام 2011، استعاد النظام قدراً معيّناً من النفوذ للزعماء التقليديين المحليين ممن اعتبرهم موالين، مما أعطى زخماً قوياً لحضور مشايخ العقل كوسطاء بين السلطات والمجتمع الدرزي. وكان ذلك نتيجة اتفاق ضمني بين الجانبين سمح للشباب الدروز بتجنّب “الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية” في قوات النظام، بشرط أن يظلّوا في مناطقهم أو يتطوعون في الميليشيات المحلية.

أما اليوم، وبعد العزلة الذاتية   لشيخ العقل الأول الحالي الشيخ الهجري، الذي يعتبر أقوى مؤيدي للنظام، فإن  شيخا العقل الآخران يحاولان تشكيل تحالف مع كبيرعائلة الأطرش في بلدة عرى. ويبد أنّ المصالحة الأخيرة بين شيخي العقل الآخرين وبين مشايخ الكرامة، وهي ميليشيا شكَّلها الشباب المتدينون من الدروز الذين عارضوا النظام بعد اندلاع الانتفاضة السورية قد منحت لهذه الزعامة التقليدية ثقلاً.

على الجانب الآخر من الجدل الدائر، هناك مجموعة كبيرة من سكان السويداء الذين يعارضون الحكم الذاتي. ويستند هؤلاء  إلى سردية القومية السورية، والدور الذي لعبه الدروز في تحقيق الاستقلال السوري  عام 1946 ودورهم القيادي في الثورة السورية عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي. بالنسبة لهذه الفئة، فإن أي حديث عن الحكم الذاتي أو الإدارة اللامركزية هو بمثابة انفصال عن سوريا، وسيكون وصمة عار وطني. وإن بعض من يحملون هذا الرأي هم من الذين يستفيدون من الوضع الراهن.

من ناحية أخرى، برز قادة الميليشيات الدرزية المختلفة كنُخَب جديدة. وقد كانوا أكثر هدوءاً وأكثر حذراً في التعامل مع قضية الحكم الذاتي، وذلك لأسباب تتعلق بكيفية ظهورهم والدعم الذي تقدمه لهم الأجهزة الأمنية للنظام، فضلاً عن كون بعضهم يعتمد على إيران من أجل التمويل والتدريب والأسلحة. ولم يتمكن زعماء الميليشيات الدروز من تحويل نفوذهم العسكري إلى نفوذ سياسي، لكنهم ظلوا رهائن لمصالحهم المالية، التي بدورها تتحدد عبر انخراطهم في اقتصاد الحرب من خلال التهريب والاختطاف والقتل. وقد انصبَّ جام الغضب الشعبي إزاء انعدام الأمن على هذه الميليشيات التي واجهت أزمة مالية معطِّلة نتيجة إغلاق طرق التهريب داخل وخارج الأراضي التي تسيطر عليها داعش في شرق المحافظة. وتحاول الميليشيات الآن التغلب على هذه الأزمة عن طريق التوسط في الصفقات مع الزعماء التقليديين. ومن خلال هذه الصفقات بين الزعامة التقليدية ونُخَب الميليشيات التي يرعاها النظام، سوف يتحدد شكل آليات الحكم المحلي في السويداء والتي قد تدخل حيّز النفاذ في المستقبل.