الزعيم الشعبوي العراقي ينسحب من البرلمان. و ماذا بعد؟


ترجمة تحليل ريناد منصور وبينيديكت روبن -دكروز المنشور على موقع
الواشنطن بوست

عزّزت الاحتجاجات المناهضة للمنظومة السياسية شوكة مقتدى الصدر في السابق وقد تفعل ذلك الآن.

أمر رجل الدين الشعبوي العراقي مقتدى الصدر كتلتة بالانسحاب من البرلمان الأسبوع الماضي، ثم أعلن أنه “لن يشارك في الانتخابات المقبلة إذا شارك الفاسدون “. وبعد فوزه بانتخابات العام الماضي، بدا الصدر وكأنه في يمسك بدفّة القيادة في السياسة العراقية — وقال إنه بصدد تشكيل حكومة أغلبية وتهميش منافسيه الرئيسيين، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وأجزاء من قوات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران.

أمر رجل الدين الشعبوي العراقي مقتدى الصدر كتلتة بالانسحاب من البرلمان الأسبوع الماضي، ثم أعلن أنه “لن يشارك في الانتخابات المقبلة إذا شارك الفاسدون.” وبعد فوزه بانتخابات العام الماضي، بدا الصدر وكأنه يمِسك بدفّة القيادة في السياسة العراقية، وقال إنه بصدد تشكيل حكومة أغلبية وتهميش منافسيه الرئيسيين، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وأجزاء من قوات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران.

وبعد ثمانية أشهر، يبدو أن الصدر صرَف النظر عن عملية تشكيل الحكومة ليُدخِل السياسة العراقية في متاهة لا يُعرف آخرها.

لكن ما هي نهاية لعبته؟ بالاستناد إلى مقابلات أجريناها مع كبار الشخصيات من التيار الصدري فإن زعيم التيار يركّز الآن على قيادة الاحتجاجات ضد خصومه السياسيين، فمساحة الاحتجاج هي المكان الذي برزت فيه قوة الصدر بكونه زعمياً لإحدى أكبر الحركات الإسلامية في المنطقة وهي حركة تتمحور حول سلطته الشخصية كزعيم ديني يتمتع بالكاريزما.

أما بالنسبة إلى العراق، فإن النتيجة الآن قد تكون مزيداً من عدم الاستقرار السياسي ــ وربما انتخابات مبكرة أخرى. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن الصيف سيفرض ضغوطاً إضافية على الحكومة العراقية في خضم حرارة حارقة وغضب شعبي متزايد إزاء الافتقار إلى فرص العمل والخدمات الأساسية. وعلى سبيل المثال، قد يشهد هذا الصيف تكراراً لانقطاع الكهرباء مثلما جرى في العام الماضي وما تبعه من احتجاجات، ويمكن أن تؤدي حالات انقطاع الكهرباء إلى تفاقم الاحتجاجات الجارية بشأن البطالة والأجور وظروف العمل في القطاع العام.

ويبدو مرجّحاً أن نشهَد تكراراً لحالة التوافق الحسّاس الذي جاء لصالح الصدر بشكل جيد في السابق. ووفقاً للتقارير فإن الصدر سيحاول في الوقت الحالي الإبقاء على نفوذه في أقوى المؤسسات الحكومية بينما يحشد الاحتجاجات المناهضة للمنظومة السياسية في الشوارع، فهل سينجح هذه المرة؟

فشلُ الصدر في تشكيل حكومة أغلبية

فاز ائتلاف الصدر بـ 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021 في العراق بزيادة 19 مقعداً عن الاقتراع السابق، وبهذا أصبحت حركته هي الأكبر في البرلمان. وقال بعض المراقبين إن الصدر مثَّل أفضل فرصة للتغيير السياسي في العراق، إذ كان بإمكانه كسر الجمود السياسي القائم على التوافق.

وفي حين توقّع أنصار الصدر أن يشكل الائتلاف حكومة بسرعة، فإن منافسيه داخل الكتلة الشيعية الإسلامية والمتحالفة مع إيران أعاقوا ذلك مستخدمين العنف السياسي ونفوذهم في السلطة القضائية. وكانت المسؤسسة القضائية أصدرت قرارات حاسمة أوقفت بموجبها التصويت لانتخاب رئيس الجمهورية وبدّدت الزخم الذي راكمه الصدر لتشكيل حكومة. وبالتالي لم يتمكن الصدر ولا منافسيه من تشكيل حكومة أغلبية من مجاميع الأحزاب في البرلمان الجديد.

ما الذي يلي الآن؟ وفقاً لما أطلعَنا عليه كبار الشخصيات في التيار الصدري فإنهم يستبعدون حصول منافسي الصدر الرئيسيين، أي المالكي وأجزاء من قوات الحشد الشعبي، على الدعم الكافي من الفصائل الأخرى لتشكيل حكومة في غياب الصدر. وحتى لو نجح منافسو الصدر، فإن بإمكان الصدريين إطاحة هذه الحكومة من خلال الاحتجاجات، وذلك وفقاً لما ذكرته تلك الشخصيات.

الصدر عالق في المنتصف

أصبح التيار الصدري في السنوات الأخيرة الحزب الحاكم المهيمن في العراق وتولّى أفراده مناصب مؤثرة في جميع مراكز الحكومة العراقية، إلّا أنّ صعود الصدر جاء مع تزايد غضب المواطنين إزاء فشل حكومتهم في توفير الخدمات الأساسية وفرص العمل وعدم رضاهم عن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات ضد جماعات المناصرة والناشطين الذين يضغطون من أجل تغييرات أوسع نطاقاً.

لطالما رأى الصدر حركته على أنها حركة مناهضة للمنظومة السياسية مثلما تنظر إليها قواعده الشعبية أيضاً. ويعكس تجدُّد التركيز على كون الصدر هو القائد البارز لاحتجاجات العراق المناهضةِ للحكومة الأصولَ التاريخية للتيار الصدري بكونه حركة معارضة لكل من النظام البعثي والاحتلال الأميركي. ويمكن القول إن ذروة شعبية الصدر في العراق كانت في عام 2016، عندما أمسكت الحركة بزمامِ الاحتجاجات من خلال انضمامها إلى قوى الاحتجاج مع الناشطين اليساريين والليبراليين والجماعات الأخرى.

لم تعُد للصدر سيطرة على قادة الاحتجاجات

غير أنّ هذا الدور القيادي في الاحتجاجات مثار تنافسٍ أكثر اليوم، فقد أزاحت الاحتجاجات العارمة المناهضة للمنظومة السياسية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 — المعروفة باسم تشرين — الجيلَ الأكبر سناً من اليساريين والمثقفين الذين دعموا العمل مع الصدر لتنسيق الاحتجاجات، وفي نهاية المطاف وجد الصدر الجيل الجديد من نشطاء تشرين يهدّدون قواعد سلطته، وقد دفع انهيار جوهري في العلاقات مع النشطاء الجدد بالصدريينَ إلى قمع مكوّناتٍ من حركات الاحتجاج بعنف في عام 2020، ولا شك أن هذا الافتراق سوف يعقّد جهود الصدر الرامية إلى العودة إلى سياسة الشارع.

كما أن فضاء الاحتجاج في العراق أكثر تمزّقاً اليوم. وقد انكبَّ معارضو الصدر على محاولات منعه من التعبئة الجماعية للشباب والحدّ من استفادة التيار من الاحتجاجات. على سبيل المثال، عندما أُلقي القبض مؤخراً على عمار الزيدي، زعيم أكبر مجموعة احتجاجية مرتبطة بالتوظيف في البصرة، كان معارضو الصدر في البرلمان، وتحديداً عصائب أهل الحق ومنظمة بدر المنضوون تحت مظلة الحشد الشعبي، هم الذين تفاوضوا على إطلاق سراحه. وقد استخدم العديد من النواب “المستقلين” وأولئك الذين ينتمون إلى حركة تشرين، مثل النائب باسم خشان ، البرلمان والمحاكم لمعارضة التحركات السياسية للصدر.

قد يجد الصدريون صعوبة في احتواء الاحتجاجات الحالية ذات الطابع الاقتصادي. وفي الآونة الأخيرة، أجرى التيار محادثات مع ممثلين عن أحد أكبر كتل احتجاجات القطاع العام المتعلقة بالتوظيف في قطاع التعليم. إلاّ أنّ المحادثات انهارت وانتهت إلى حالةٍ من الضغينة. كذلك تتنافس الفصائل الأخرى بقوة من أجل التأثير على هذه الجماعات.

و ماذا بعد؟

بوسع معارضي الصدر أن يحاولوا تشكيل حكومة من دونه، وهي الخطوة التي من شأنها أن تجعلهم في وضع جيد يسمح لهم بتوزيع المكاسب غير المتوقعة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط من أجل زيادة التمادي على فضاء الاحتجاجات.

وقد يكون الصدر راغباً في خوض هذه المجازفة على أمل التغلب على التحدي الأكبر الذي يواجهه والذي يتمثّل في تدهور القاعدة الاجتماعية. لقد أضحى فقدان المصداقية الاحتجاجية قضية كبيرة بالنسبة إلى الصدر الذي فاز ائتلافه بالمزيد من المقاعد ولكنه خسر مئات الآلاف من الأصوات في الانتخابات الأخيرة. وقد عزز هذا الواقع المخاوفَ داخل القيادة الصدرية من أنّ العديد من العراقيين الأصغر سناً قد يفقدون الاهتمام بالحركة. فأغلب هؤلاء الشباب ــ بما في ذلك القاعدة الصدرية ــ لا يعرفون بلادهم إلاّ بعد عام 2003، بما في ذلك العقود الأخيرة التي أصبحت فيها النخبة بالكامل، سواء الصدر أو خصومه، قوية وثريّةً بنحوٍ مذهل على حساب بقية المجتمع.

بالنسبة إلى التيار الصدري فإن الاحتجاجات لا تدور فقط حول كسب النفوذ في وجه المنافسين السياسيين، فقد سبق لاحتجاجات الشوارع في الماضي أن وفّرت للتيار وسيلة لتنشيط أتباعه وزيادة تماسُكه. لكن هذه المرة، لا يميل الناشطون في الشارع بالضرورة إلى السير خلف الصدر، ويبدو أن منافسيه أكثر استعداداً لمواجهته بتكتيكاتهم الاحتجاجية الخاصة. وبالنظر إلى الطابع المتصدّع للمنظومة السياسية، وفي ضوء السياسة المناهضة لها في العراق، قد يستشعر الصدر قريباً أن الوقت غير مناسب للابتعاد عن البرلمان والتوجّه إلى الشوارع.