الانقسام يرسم خطوط قبائل سوريا وعشائرها

على الرغم من أن جميع أطراف النزاع حاولت الاستفادة من الهويات القبلية، فإن تحويل الولاءات والتغييرات الاجتماعية يعني في كثير من الأحيان محاربة الأقرباء القبليين لبعضهم البعض.

ومع أنِّ بين 60 و 70 في المائة من السكان السوريين ينتمون إلى عشيرة أو قبيلة، وفقاً لتقديرات ما قبل عام 2011، فإن التحولات الهائلة التي شهدها المجتمع السوري في السنوات السبع الماضية قد حدَّت من تأثير العشائر والثقافة العشائرية على الحياة الخاصة والعامة.

ومع اشتداد الصراع، وجدت جميع الأطراف فرصة لإحياء هذه الهويات، على أمل الحصول على الدعم من المناطق التي تحتضن القدر الأكبر من الوجود العشائري.

تحتوي جزيرة الفرات (شمال شرق سوريا) على وجودٍ قبلي كبير. أكبر قبيلة في المنطقة هي الجْبور، تليها طيّ، والبگارة، وعْنْزة، وشَمَّر وغيرها. ومنذ بداية الثورة، انقسمت هذه القبائل بين موالٍ للنظام ومعارضٍ له، بما في ذلك الإدارة الذاتية التي أعلنها الأكراد. وكانت أبرز القبائل العربية في المنطقة التي انضمت إلى الأكراد هي قوات الصناديد التي يقودها شيخ قبيلة شمّر.

ولكن في الجنوب السوري، فشلت جميع محاولات بناء قوة مماثلة أخرى (باستثناء مبادرة جيش القبائل الحرة الذي تدعمه المملكة العربية السعودية والأردن، والذي تنشط في منطقة اللجاة، حيث لا تزال الهوية البدوية محفوظةً إلى حد كبير، على عكس حوران المجاورة والجولان). والواقع أن الهوية العشائرية والقبلية في هذه المناطق قد تلاشت بمعظمها، على الرغم من أن المركز الرئيسي لقبيلة النعيم، وهي إحدى أكبر القبائل السورية، يقع في الجنوب. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى توسّع هذه القبيلة. وقد أدى هذا الضعف القبلي إلى زيادة بروز الأسر الكبرى، وفقاً لتحليل الصحفي مؤيد أبو زيد من محافظة درعا.

أما في البادية السورية، فالقبائل المهيمنة هي الموالي والحديديين، بالإضافة إلى عشائر بني خالد والسخانة، التي انقسمت قياداتها في ولائهم منذ عام 2011. وقد حدثت الانقسامات تبعاً للعلاقات السابقة مع النظام. وفي الوقت نفسه، ظلت غالبية الجمهور محايدة، بسبب عدم وجود أي مشاركة حقيقية من جانب هؤلاء القادة منذ بداية الصراع العسكري في المنطقة.

كذلك تبدّلت ولاءات منطقة الجزيرة بين النظام والمعارضة وداعش، فمن الطبيعي أن يُظهِر أبناء العشائر في المنطقة الولاء للجانب الذي يسيطر على أراضيهم. وهكذا فإن ولاء العشائر قد تغيَّر مراراً وتكراراً من طرفٍ إلى آخر، كما أن المعارك قد نشبت بين أفراد العشيرة نفسها، وهو ما كان يعصب تصوُّر حدوثه في السابق.

تُعدّ هذه الميوعة في الولاءات سمة أخرى يعتبرها العديد من الأبحاث جزءا من ثقافة العشائر. ويمكن العثور على أمثلة كثيرة تدعم هذا المنظور في منطقة الفرات (‘ دير الزور والرقة وريف حلب الجنوبي الشرقي)، حيث القبائل الأكثر شهرة هي العگيدات وقيس والبگاَّرة، والعشائر الأكثر أهمية هي البودليم، الشعيطات،البوسرايا، البوخابور، النامس، والبوبطُّوش والعساسنة.

في بداية الثورة، هبَّ معظم أفراد العشائر في منطقة الفرات ضد النظام، باستثناء محافظة الرقة، حيث اندلعت احتجاجات ضخمة في دير الزور وريف حلب الشرقي، قبل أن ينضمّ العديد من الشباب والرجال في المنطقة إلى الجيش السوري الحر. ومع ذلك، وكما كان متوقعاً، فإن معظم شيوخ العشائر في المنطقة وقفوا مع النظام بسبب الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها من قبل.

وفي وقت لاحق، عندما سيطر تنظيم داعش على المنطقة، انضم العديد من المقاتلين وكبار السنّ والعشائر الذين لم يغادروا إلى التنظيم. وكان ذلك قبل انضمام بعضهم إلى الإدارة الذاتية الكردية – مثل مجلس دير الزور العسكري وقبله جبهة ثوار الرقة – في حين عاد آخرون إلى صفوف النظام، وأبرز الشخصيات هو شيخ عشيرة البگَّارة، والمقاتل السابق في المعارضة نواف البشير.

من جانبها، واصلت مجموعات العشائر المؤيدة للمعارضة والتي طُرِدت من دير الزور والرقة، مثل جيش مغاوير الثورة وثوار الشرقية، نشاطها في المناطق المجاورة، مثل البادية السورية ومنطقة الفرات في شمال شرق مدينة حلب. بينما أبقى آخرون على ولائهم لجبهة النصرة وحركة أحرار الشام.

لقد تسببت الثورة منذ سبع سنوات بعاصفة مزّقت مجتمع العشائر العربية التي تتبع في غالبيتها المذهب الإسلامي السني. وفي الوقت نفسه، مثَّلت الثورة فرصة لعشائر الأقليات والديانات الأخرى، مثل العشائر الكردية والتركمانية والعلوية والدرزية والمسيحية، لإعادة حضورهم في المجال العام.

وبسبب التهديدات الشائعة أو مصادر الدعم الجديدة، عادت هذه العشائر إلى الوجود مرة أخرى، وذلك مع تلقي الأكراد الدعم من حزب الاتحاد الديمقراطي، أو حزب الاتحاد الديمقراطي، وكذلك حصول التركمان على دعم تركيا. وتعمل أنقرة اليوم على تجميع كتلة كبيرة من العشائر المؤيدة للمعارضة في مجموعة موحدة يمكن الاعتماد عليها كحليف فاعل.

وفي ظل هذه الخلفية، عُقِد المؤتمر العام للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية في إسطنبول يومي 10 و 12 كانون الثاني/ديسمبر 2017، تلاه مؤتمران لممثلي عشائر المعارضة الداخلية في ريف حلب وإدلب بعد بضعة أيام.

ولا يبدي الكثيرون تفاؤلهم باحتمال حصول تركيا على غلّةٍ وفيرةٍ من هذه الجهود، إلا إذا نجحت في إيجاد حلول للمنافسة والحساسيات التقليدية التي تحكم العلاقات بين هذه العشائر – وحتى داخلها. وُسط هذه المبادرة المدعومة من تركيا، واصل مقاتلو القبائل خوض المعارك الجارية في ريف حماة الشرقي. وخلال هذه المعارك، واجه مقاتلون من قبيلة الموالي وعشيرة الهيب، اللتان تُشكّلان العمود الفقري لقوات العشائر التي تقاتل في صفِّ النظام في المنطقة، مقاتلي المعارضة، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى نفس القبيلة أو العشيرة.