هل يمكن لشبكات الأمان الاجتماعي في مصر تخفيف آثار الإصلاحات التي يدفع بها صندوق النقد الدولي؟

  • سارة سْميرسياك

    Research Fellow, Middle East Initiative, Belfer Center for Science and International Affairs, Harvard University

    زميلة باحثة ، مبادرة الشرق الأوسط ، مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفرد

يجب توسيع شبكات الأمان الاجتماعي في مصر للتعامل مع حدّة الصدمات الاقتصادية الناجمة عن السياسات الاقتصادية التي يدفع بها صندوق النقد الدولي.

كان تعزيز جوانب الحماية الاجتماعية من بين الأهداف الرئيسة لكلّ برنامج من برامج الإصلاح الاقتصادي المشتركة التي طرحتها الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي منذ عام 2016. وقد أُطلِق العديد من المبادرات في السنوات الأخيرة لتلبية هذه الحاجة الملحة، وأبرزها برامج “التكافل والكرامة” للتحويلات النقدية ومبادرة “حياة كريمة” للبنية التحتية والتنمية البشرية. غيرَ أنّ شبكات الأمان الاجتماعي الحالية أخفقت في التعويض بنحوٍ كاف عن آثار الصدمات الاقتصادية التي واجهتها الأسر المصرية خلال الإصلاحات، والناجمة في المقام الأول عن العديد من التخفيضات الحادة في قيمة الجنيه المصري وخفض دعم الطاقة وما نتج عن ذلك من تضخُّم.

وبحسب بيانات السنة المالية 2017-2018، بلغت نسبة من كانوا تحت خطر الفقر الوطني من السكان في مصر 32.5 في المئة، ارتفاعاً عن 27.8 في المئة في السنة التي سبقت إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصاديi. وعند احتساب هذه النسبة بالأرقام فإنها تشير إلى أكثر من 32 مليون مصري يعيشون في حالة فقر. وعلى رغم أنّ أحدث البيانات المتاحة، للفترة 2019-2020، تشير إلى انخفاض مستويات الفقر إلى 29.7 في المئة، إلّا أن هذا الرقم ارتفع بشكل شبه مؤكد منذ ذلك الحين، لا سيّما بعد أن فقد الجنيه المصري أكثر من 50 في المئة من قيمته مقارنة بالدولار الأميركي منذ آذار/مارس 2022، في حين فشلت تدابير الحماية الاجتماعية في مواكبة ارتفاع الأسعار.

وبلغت نسبة التضخم الكلّي 31.93 في المئة على أساس سنوي في شباط/فبراير  2023. وهذه المستويات هي الأعلى التي شهدتها مصر منذ عام 2017 عندما بلغ التضخم ذروته عند ما يقرب من 33 ٪ (على أساس سنوي) – بسبب تخفيض قيمة العملة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 – لتندرج نسبة إضافية بلغت 4.7 ٪ من المصريين (أو حوالي 4.7 مليون شخص) تحت خط الفقر الوطني . ومن المتوقع أن يزداد التضخم في الأشهر المقبلة إذا نفَّذت السلطات المصرية تعهُّدها بالحفاظ على سعر صرف “مرن على نحو دائم”، مما سيؤدي إلى مزيد من التخفيضات في قيمة العملة.

وفي سياق صدمات الأسعار هذه، تكشف شبكات الأمان الاجتماعي القائمة عن عدة أوجه قصور. فأوَّلاً، يَفشل معظم برامج الحماية الاجتماعية المركزية في تغطية ملايين المصريين الذين يعيشون في فقر، فضلاً عن عشرات الملايين الآخرين المعرّضين للفقر. وثانياً، لم تواكِب الزياداتُ الإسمية في الإنفاق على مبادرات شبكة الأمان الاجتماعي التضخمَ، ونتيجة لذلك، تُرجمت إلى انخفاض المساعدة بالقيمة الحقيقية في وقت تشتد فيه حاجة الفئات الضعيفة. وأخيراً فإن عدم كفاية الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة الأساسية، ولا سيما الصحة والتعليم، يُلقي بأعباء مالية كبيرة على الأُسر المعيشية، بينما يُسهم أيضاً في حالة الفقر المتعددة الأبعاد.

وتتزايد حدة الأزمة الاقتصادية في مصر في وقت يتراجع فيه الإنفاق الحكومي على القطاع الاجتماعي باطّراد، فقد انخفضت نفقات القطاع الاجتماعي المشترك، الذي يشمل الصحة والتعليم والإسكان والمرافق العامة والحماية الاجتماعية، من 54 في المئة إلى 34 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي بين عامي 2009 ivو 2020. وحتى مع بدء الإصلاحات الاقتصادية المدعومة من صندوق النقد الدولي في عام 2016، التي دعت إلى تعزيز أوجه الحماية الاجتماعية في مواجهة الصدمات الاقتصادية، انخفض الإنفاق الاجتماعي (بما في ذلك الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية) إلى 5.1 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2019، بانخفاض من 7 في المئة في عام 2014.v

وفي ضوء هذا التوجّه الذي طال أمده الآن، يلزم إجراء زيادات كبيرة في اﻹنفاق اﻻجتماعي لمواجهة التأثيرات الضارة للإصلاحات اﻻقتصادية على التنمية البشرية. وهذا أمر مُلِحٌّ بشكل خاص بالنسبة إلى المواطنين الفقراء والضعفاء، ولكن أيضاً للطبقة الوسطى المتحرّكة.

وتتطلب حِدّة الصدمات الاقتصادية الناجمة عن السياسات الاقتصادية التي يدفع بها صندوق النقد الدولي توسيع نطاق برامج شبكة الأمان الاجتماعي على نطاق واسع لزيادة تغطية المساعدة وجودتها. ولئن كانت المبادرات الحكومية الأخيرة قد بدأت في تلبية هذه الاحتياجات، إلّا أنها غير كافية. ويعتمد تعهُّد مصر لصندوق النقد الدولي بزيادة توسيع الحماية الاجتماعية كجزء من حزمة القروض الأخيرة على قدرتها على “تعبئة الإيرادات” بنجاح – وهو مسعى يزداد صعوبة مع زيادة حصة الميزانية المخصصة لخدمة الديون. وإذا كان صندوق النقد الدولي جاداً في المطالبة بتغطيةٍ كافية، فيتعيّن عليه أن يجعل هذه التغطية شرطاً مسبقاً لتلقّي مدفوعات القروض في المستقبل.

كان من الممكن تجنُّب المدى الذي أُجبِرَ فيه الفقراء والضعفاء على تحمُّل وطأة الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر. في أعقاب إصلاحات عام 2016، تمتعت الحكومة بزيادة كبيرة في الإيرادات من إدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14 في المئة، فضلاً عن توفير مليارات الدولارات من خلال إلغاء دعم الطاقة. لكن القليل فقط من هذه الأموال ذهب نحو توفير الحماية الاجتماعية، وهو ما لا يكفي بأي حال من الأحوال للتعامل مع الصدمات الاقتصادية الناجمة عن فقدان الجنيه المصري نصف قيمته بين عشية وضحاها، وإلغاء دعم الطاقة – وكلاهما تردد صداه في الاقتصاد من خلال ارتفاع التضخم.

وخلافاً لذلك، تكشف طبيعة الإنفاق العام للنظام عن أولوية واضحة للبنية التحتية والمشاريع الضخمة على التنمية البشرية. وبينما أقرّ الرئيس السيسي بعدم كفاية إنفاق الحكومة على الصحة والتعليم، إلا أنه وضع القضية في إطار عدم كفاية الأموال. غير أنه في الوقت نفسه أتاح عشرات المليارات من الدولارات للبناء المتزامن لعشرات المدن والمشاريع الجديدة المشكوك في ما تقدّمه من قيمة.

وللمضي قدماً، يجب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام بحيث تُركّز على التنمية البشرية، بما في ذلك الالتزام الحقيقي بالحد الأدنى من الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي والصحة والتعليم في مصر بما يواكب التضخم أيضاً. كما يجب اتخاذ تدابير لمنع العسكريين من الاستيلاء على مليارات الدولارات المخصصة سنوياً لبرامج الحماية الاجتماعية.

وللتخفيف من حدة الأزمة الحالية، ينبغي على الحكومة زيادة المبلغ المخصص للحصص الغذائية لمواكبة التضخم، لا سيما بالنسبة لشريحة الخُمسِ الأدنى في مصر؛ وتوسيع نطاق تغطية برامج التحويلات النقدية ورفع قيمة المساعدة؛ وتحسين الشفافية في برامج “حياة كريمة” والإسكان الاجتماعي – مع تفصيل كيفية إنفاق الأموال، وكيفية اختيار المشاريع، وكيفية تخصيص العطاءات لشركات البناء المعنية – وتحسين الجودة الغذائية لبرنامج التغذية المدرسية، مع تخصيص العقود عن طريق المناقصات التنافسية، بدلاً من السماح للجيش باحتكارها.

وإلى جانب السعي إلى زيادة الإدماج والمساعدة من شبكات الأمان الاجتماعي، يجب على السلطات أيضاً إيلاءُ الأولوية للإنفاق العام على الصحة والتعليم. ونظراً لافتقار الحكومة المصرية إلى القدرة المؤسسية على تحديد جميع الفقراء والضعفاء في البلاد، فإنّ الأمر سيستغرق سنوات لتوسيع نطاق تغطية السجل الاجتماعي بشكل كافٍ لضمان وصول المساعدة إلى كل من يحتاجها. وسوف تؤدي زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم إلى تخفيف الأعباء المالية عن كاهل الأسر المعيشية المتعثرة، مع تعزيز رأس المال البشري للأجيال المقبلة.

وبدون معالجة قضايا الإنفاق العام الأوسع واستيلاء الجيش على الحماية الاجتماعية، فإنّ مبادرات شبكة الأمان الاجتماعي في مصر لن تكون أكثر من ورقة توت لإخفاء العواقب المدمرة للإصلاحات التي يقودها صندوق النقد الدولي على الفقراء والضعفاء في مصر، مع تسهيل توسيع السيطرة السياسية والاقتصادية للجيش.

———————————-

[i] تمتد السنة المالية لمصر من 1 تموز/ يوليو إلى 30 حزيران/ يونيو.

[ii] البنك المركزي المصري 2023ب.

[iii] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2021، ص. 94

[iv] البنك الدولي 2022 أ، ص. 9.

[v] عثمان وآخرون 2021، ص. 10.