أصبحت إعادة النظر في الضمان الاجتماعي وإصلاحه قضية مركزية في أعقاب الصدمات العالمية التي تسبّبت بها جائحة كوفيد-١٩ وما أحدثه غزو أوكرانيا من أثر على أسعار الغذاء والطاقة.
ويُعدّ البحث عن سياسات جديدة ومبتكرة لوضع نُظُمٍ مناسبة للضمان الاجتماعي أمراً ضرورياً أكثر من أي وقت مضى، لا سيما وأن الإنفاق على الضمان الاجتماعي يزداد مع مرور الوقت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي نظراً لنموُّ النُظُّم واتساع نطاقها.
وقد يرتفع الإنفاق أيضاً إذا لم يرتفع معدل مشاركة النساء والشباب والعاملين الأكبر سناً في الاقتصاد، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار نسبة الإعالة بين الأشخاص النشطين والمتقاعدين.
ويترتّب عن الدور الحاسم للدولة كضامن لرفاه سكانها الكثير من التكاليف غير المباشرة والمباشرة كضامن مالي أو "كجهة تأمينٍ من نوع الملاذ الأخير" إما في خطط الضمان الاجتماعي أو في الأنظمة التي تديرها الهيئات الخاصة.
إصلاحات الضمان الاجتماعي في الجزائر
أُدخِلت عدة إصلاحات على نظام الضمان الاجتماعي في الجزائر منذ إنشائه، كان أهمها في عام 1983 عندما صدرت خمسة قوانين1 لتوحيد النظم والمنافع.
وتتكون منظومة الضمان الاجتماعي في البلاد من سياستين رئيسيتين هما سياسة الضمان الاجتماعي المتمثلة في نظام الاشتراكات ونظام التأمين، وسياسة المعونة الاجتماعية التي هي نظام إعانة غير قائم على الاشتراكات.
وتحت إشراف وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، تشمل مجموعة الخدمات إجمالاً "الصناديق الخاصة" و"الصناديق الاجتماعية المشتركة" للموظفين، وهي:
• الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأُجراء (CNAS)
• الصندوق الوطني للتقاعد (CNR)
• الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغير الأُجراء (CASNOS)
• الصندوق الوطني للعطل المدفوعة الأجر والبطالة الناجمة عن سوء الأحوال الجوية لقطاعات البناء والأشغال العمومية والري (CACOBATPH)
• الصندوق الوطني لتحصيل اشتراكات الضمان الاجتماعي (CNRSS)
• الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة (CNAC)
وتكافح ثلاثة صناديق من بين هذه الصناديق الرئيسية الستة هي الصندوق الوطني للعطل المدفوعة الأجر والبطالة الناجمة عن سوء الأحوال الجوية لقطاعات البناء والأشغال العمومية والري، والصندوق الوطني للتقاعد، و الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغير الأُجراء في تلبية التزاماتها من النفقات.
وفي عام 2019 قُدّر عدد السكان العاملين بـ 11,281,000 شخص، تبلغ نسبة النساء بينهم 18.3 في المئة. ولكن نظام الضمان الاجتماعي لا يغطي سوى 58.1 في المئة من السكان العاملين.2
ويشكّل نمو الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر، الذي قُدِّرت نسبته في عام ٢٠١٧ بنحو 22.40 ٪ في عام2017، عاملاً رئيسياً وراء انخفاض الطلب على التأمين من السكان العاملين3، إذ لا يدفع العمال غير الرسميين مساهمات في الضمان الاجتماعي ومع ذلك يظلون قادرين على الاستفادة من الرعاية الصحية الحكومية وتوفير التعليم.
ووفقاً لإحصاءات وزارة التجارة لعام 2011، يُقدَّر أن السوق غير الرسمية في الجزائر تضمّ 61,500 من المتعاملين غير القانونيين ينشطون في 761 سوقاً غير رسمية. ويؤدي هذا الاقتصاد غير الرسمي إلى تفاقم الفساد الإداري في النظام المصرفي ويُكبّد الدولة خسائر مالية بسبب التهرّب الضريبي واختلال التوازن في العرض والطلب (شيوع المضاربة) وعدم انتظام ميزان المدفوعات.
كذلك تدعم الدولة أسعار العديد من المنتجات ولا سيّما المواد الغذائية الأساسية ومنتجات الطاقة. و تُعدّ سياسات الإسكان التي تركّز على فئات معينة من السكان شكلاً من أشكال الضمان الاجتماعي.
ويمكن للعاطلين عن العمل والمستفيدين من الأجر الوطني الأدنى االمضمون الحصول على سكن مجاني، كما أن العاملين مؤهلون للاستفادة من برنامج الإيجار المنتهي بالتمليك في الجزائر، والإسكان الترقوي المدعوم والإسكان الترقوي العمومي. السكن العمومي الإيجاري المعروف باسم السكن الاجتماعي (LPL) وهو مخصص في المقام الأول للمواطنين الذين ليس لديهم منزل أو الذين يعيشون في ظروف غير مستقرة.
ومن المعروف أن بعض أرباب العمل يحرمون موظفيهم من الحقوق الأساسية للعمال بعدم التصريح عنهم لهيئات الضمان الاجتماعي. ويؤثّر ذلك على الصورة الحقيقية لدخل الضمان الاجتماعي من خلال التهرب الضريبي وخفض معدلات الاشتراك، مما يجعل الموارد المالية للضمان الاجتماعي عاجزة عن التمويل المناسب لمختلف الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة.
فئة العمال "المؤمَّن عليهم اجتماعياً"
يرجع انخفاض الطلب على التأمين أيضاً إلى ضعف الثقة في المؤسسات، لكون الانتساب إلى نظام الضمان إلزامي في الجزائر. وعادة ما يكون العمال الذين يشار إلى وظائفهم بمرسوم "المؤمن عليهم اجتماعياً" مؤهلين للحصول على تغطية الحماية الاجتماعية.
ويشمل ذلك العاملين الأُجراء والعاملين لحسابهم الخاص، أو العاملين من فئات محددة، وكذلك المستفيدين من برامج مثل برنامج الإدماج المهني (DAIP) والتدخّل من أجل الإدماج الاجتماعي (DAIS).
وتدير الوكالة الوطنية للتشغيل برنامج الإدماج المهني تحت إشراف وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، وهو يركز على الشباب العاطلين عن العمل الباحثين عن وظائف لأول مرة لتمكينهم من الحصول على عمل في القطاع العام أو الخاص مقابل أجور تدعمها الدولة.
ويمثل البرنامج فرصة حقيقية للشباب العاطلين عن العمل للاندماج في سوق العمل. في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جعلت الزيادة في أسعار النفط الحكومةَ الجزائرية في وضع مواتٍ لإطلاق العديد من برامج التوظيف التي تستهدف الشباب العاطلين عن العمل وخلق وظائف مؤقتة ودعم الأفراد العاملين لحسابهم الخاص من خلال توفير القروض الصغيرة.
وتدير وكالة التنمية الاجتماعية أيضاً برامج لتحسين خيارات العمالة المتاحة للسكان المحرومين، على غرار ما تقوم به الوكالة الوطنية للتشغيل، ولكن هذه البرامج فشلت إجمالاً في تحقيق أهدافها.
وما فتئت العمالة تتناقص بنحوٍ ملحوظ منذ النصف الثاني من عام 2014 بسبب الأزمات الاقتصادية في الجزائر وتزايد عدد طلاب الدراسات العليا الذين يدخلون سوق العمل بمهارات ومؤهلات غير كافية.
كما أدى انخفاض أسعار النفط في عام 2014 إلى انخفاض كبير في عدد المشاريع الممولة بحلول عام 2019، ولكن معظم هذه البرامج قد انتهى واستُعيضَ عنه بمنحة مقدَّمة للعاطلين عن العمل وأولئك الباحثين عن عمل المسجلين لأول مرة لدى الوكالة الوطنية للتشغيل.
ومن المرجح أن يؤدي هذا الانخفاض في العمالة إلى انخفاض في قيمة الدينار، ما يخلق مشاكل اقتصادية مثل زيادة الأسعار وتدهور القوة الشرائية للمواطنين. كذلك عانت تلك البرامج التي تشجع الشركات الجديدة بسبب الإخفاقات في إجراءات الرقابة وعدم تفاعل المستفيدين من هذه البرامج.
النُّهُج الحالية لا تجدي نفعاً
على الرغم من أن إنشاء سوق للتأمين يمكن أن يكون حلاً لتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي ليشمل العمالة غير الرسمية فإن جميع هذه التدابير لا تزال غير مكتملة ولم تعد كافية في سياق الاختلال الاقتصادي والتغيرات في النمو الديمغرافي.
ويجب على الحكومة أن تراجع الدعم الاجتماعي وأن تضع استراتيجيات لتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي ليشمل العمال غير الرسميين الذين يمثّلون مساهمين محتملين ويمكن أن يكونوا مصدراً إضافيا لإيرادات صناديق المعاشات التقاعدية والضمان الاجتماعي.
ويجب أن يكون الهدف هو الانتقال من نهج الدعم العام إلى تقديم الدعم الموجه إلى من يستحقه، إذ يستند الضمان الاجتماعي أساسا إلى مبدأ تجميع المخاطر، وبوجه عام، كلما زاد عدد المشاركين، ازدادت موثوقية نظام الضمان.
تظل الدولة الملاذ الأخير الضامن لنظم الضمان الاجتماعي الوطنية ويجب أن تمارس وظائفها الرقابية، ويجب أن تأتي حلول مشكلة العجز في صناديق الضمان الاجتماعي من سوق العمل، وهي تشمل حلولاً مثل الاستثمار في التنويع الاقتصادي وتنمية القطاعات القائمة على كثافة اليد العاملة.
وإجمالاً، يجب أن يتناسب الطلب على اليد العاملة مع العرض، ما يعني معالجة مشكلة عدم تطابق المهارات. وبغية التصدي لهذه المشكلة ثمّة حاجة إلى شراكة استراتيجية بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والوزارات الأخرى المختارة، وتحديداً وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي.
_________________
[1]
• القانون رقم 83-11 المؤرخ 2 يوليو/تموز1983 المتعلق بالضمان الاجتماعي؛
• القانون رقم 83-12 المؤرخ 2 يوليو/تموز 1983 المتعلق بالتقاعد؛
• القانون رقم 83-13 المؤرخ 2 يوليو/تموز 1983 المتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية؛
• القانون رقم 83-14 المؤرخ 2 يوليو/تموز 1983 المتعلق بالتزامات الأشخاص الخاضعين للضريبة في مجال الضمان الاجتماعي؛
• القانون رقم 83-15 المؤرخ 2 يوليو/تموز 1983 المتعلق بالمنازعات في مجال الضمان الاجتماعي.
[2] الديوان الوطني للإحصائيات، النشاط وتقارير التوظيف والبطالة، رقم879، 2019
[3] رضماني، م. زايد، "تقدير حجم الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر خلال الفترة 1990-2017، استعراض الاستراتيجية والتنمية، المجلد:09/ رقم 16(2019)، ص 181-200.