دور المجتمع الدولي في الانتقال من حرب غزة إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتحقيق الاستقرار الإقليمي

تُقدّم الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية الواقعية للإسرائيليين والفلسطينيين مخرجاً من الهاوية التي سقطوا فيها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023: عملية سياسية تشمل تنفيذ حل الدولتين إلى جانب تعزيز التحالف الإقليمي لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران. كما أنها توفر فرصاً أفضل للمساعي الإقليمية والدولية المنسَّقة لتحقيق الاستقرار ووقف الأعمال العدائية المتصاعدة بسرعة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، ومنعِ احتمال اتساع رقعة الصراع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. بل إن هذه الدول مستعدة للمساهمة بقدراتها لتحقيق هذه الفكرة. غير أن هذا المسار الذي يبدو أنه يصبّ في المصلحة الواضحة والأساسية لشعوب المنطقة ويشكل حلاً منطقياً للعالم، يُقابَل برفض حكومة إسرائيل وحماس رفضاً قاطعاً وإصرارهما على خوضِ حرب أبدية بدوافع مغرضة ومدمّرة.

ولأسباب مختلفة، بما في ذلك الاعتبارات السياسية، هناك قيود، في هذه اللحظة، على الكيفية التي يمكن للمجتمع الدولي أن يدفع بها الإسرائيليين والفلسطينيين إلى تبنّي مخطط بايدن الكبير وتنفيذه بالكامل. لكن يجب ألا يستسلم. لا يزال بإمكان هذه المجموعة من الدول – المؤلفة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول غربية وأوروبية أخرى ودول عربية وإسلامية مثل مصر وإندونيسيا والأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – أن تضطلع بدور حاسم في تعزيز هذا الحل. وينبغي لهذه الدول أن تساعد القوى المحلية التي تستثمر في دفع عجلة السلام بطريقتين رئيسيتين: من خلال مواجهة جهود الضم الإسرائيلية المتقدمة في الضفة الغربية، وتعزيز الإجراءات التغييرية على الأرض لدعم تنفيذ حل الدولتين في المستقبل.

تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات نحو ضم الضفة الغربية وتوسيع سيادة إسرائيل ومحو الخط الأخضر الذي يفصلها عن الأراضي المحتلة. وهي تدعم الأعمال الاستيطانية العنيفة لطرد السكان الفلسطينيين من أراضيهم، وتشجّع بناء المستوطنات، وتخصص الأموال لتطويرها، ونقلت إدارة الأراضي المحتلة من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية داخل وزارة الدفاع التي يسيطر عليها اليمين المتطرف. وتهدف الحكومة إلى إزالة أيّ ملامح تميّز بين إسرائيل والمستوطنات، مما يحول دون التسوية الإقليمية المستقبلية وحل الدولتين. وفي المعركة الدفاعية لمواجهة هذه المساعي، تمتلك الدول المذكورة أعلاه أدوات فعّالة محتملة تحت تصرّفها يمكن أن تمنع المزيد من التدهور في الأوضاع في الضفة الغربية.

على مدى سنوات، حاولت الدول الغربية والعربية التأثير على الحكومة الإسرائيلية من خلال ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي عليها. وفي بعض الأحيان، اشترطت هذه الدول التعاون أو أشكالاً أخرى من الدعم بوقف الإجراءات التي تُعمّق الاحتلال والضم. كان هذا هو الحال مع مطالب الولايات المتحدة بوقف بناء المستوطنات وإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، ومع الربط بين اتفاقات إبراهيم مع الإمارات العربية المتحدة ووقف خطط الضم التي تقوم بها الحكومة. ومن المؤسف أنّ إجراءات المجتمع الدولي لم تكن أكثر من مجرد كلام سياسي وأخلاقي. ومن الأمثلة على ذلك قرار الاتحاد الأوروبي في عام 2016 بوضع علامات على منتجات المستوطنات بعد سنوات من المناقشات، الذي ظلّ رمزياً إلى حد كبير، والمبادرات التي رُوِّج لها في الأمم المتحدة لإنشاء قائمة سوداء للشركات الداعمة للاحتلال، والتي لم تؤدِ إلى اتخاذ إجراءات منسقة. والواقع أنّ المجتمع الدولي تبنّى نهج إسرائيل في إدارة الصراع (بدلاً من محاولة حل الصراع)، ولم يمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل لإنهاء الاحتلال أو محاسبتها عليه طالما بقيت المنطقة هادئة نسبياً. وهكذا، وعلى الرغم من هذه الجهود، استمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في توسيع المشروع الاستيطاني.

في أوائل عام 2024، أدخلت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أداة جديدة: فرض عقوبات على المستوطنين العنيفين والمنظمات الاستيطانية التي تروج للضم. وقد أثَّر ذلك حتى الآن على عدد قليل من المستوطنين العنيفين الذين اختار النظام السياسي والقانوني الإسرائيلي عدم مواجهتهم. من السابق لأوانه تقييم فعالية هذه الأداة، ولكن في مواجهة حكومة غير مبالية بمكانتها الدولية والقيم الديمقراطية الليبرالية، عندما يبدو الضغط السياسي والدبلوماسي غير فعال، يمكن أن تكون العقوبات أداة رئيسية. وهي تؤثّر بشكل فوري وكبير على عمل هؤلاء الأفراد والمنظمات، وتمارس ضغطاً إضافياً على الحكومة الإسرائيلية الملتزمة تجاه المستوطنين والمطلوب منها إيجاد حلول لهم. وبالتالي، فإن دعم الحكومة للمستوطنين يأتي على حساب جميع المواطنين الإسرائيليين – من خلال سحب القدرات من التخطيط الحكومي في القطاعات الأخرى وإنفاق الأموال من الخزينة العامة. وبالتالي، في مواجهة محاولات الحكومة والمستوطنين لمحو الخط الأخضر، فإن هذه العقوبات تُبرِزه وتضع المواطنين الإسرائيليين أمام خيار واضح – إما المستوطنات أو إسرائيل. يمكن أن تصبح العقوبات أكثر أهمية وتأثيراً من خلال توسيع نطاقها لتشمل المزيد من الشخصيات والمنظمات المركزية في حركة الاستيطان، ومن خلال زيادة التنسيق بشأنها بين أوروبا والولايات المتحدة والدول العربية.

لا يقتصر دور المجتمع الدولي على إبقاء حلّ الدولتين على قيد الحياة فحسب، بل يتمثل دور المجتمع الدولي في إرساء الحقائق على الأرض لتعزيزه. ومثلما اتخذ المستوطنون على مدى سنوات خطوات لعرقلة السلام، يجب على المجتمع الدولي الآن أن يعمل بنشاط على تعزيز “السلام التطوّري”. وينبغي أن يشمل ذلك تدابير عملية لتعزيز حل الدولتين في مختلف المناطق. إن مثل هذه الجهود ضرورية لتجنُّب العودة إلى نهج إدارة الصراع الذي كان سائداً قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول ودعم إقامة دولة فلسطينية مستقرة وفعالة ومعتدلة يمكنها التعايش بسلام وأمان مع إسرائيل معتدلة.

على سبيل المثال، وكجزء من تعزيز الحركة الوطنية الفلسطينية، ينبغي للمجتمع الدولي، في الوقت المناسب الذي يتم تحديده مع منظمة التحرير الفلسطينية، الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود يُتَّفَق على تحديدها في المفاوضات المستقبلية مع إسرائيل. ومن شأن ذلك أن يساعد في تغيير الوضع القانوني للأراضي المحتلة، ويدعم الفلسطينيين المعتدلين والإسرائيليين الذين يدعمون التسوية، ويعزز عملية تفاوض أكثر إنصافاً عندما يحين الوقت. كما يجب على المجتمع الدولي أن يكون مستعداً لدعم السلطة الفلسطينية ومنع انهيارها في مواجهة الإجراءات الانتقامية الإسرائيلية بعد هذا الاعتراف.

إلّا أن الاعتراف وحده لن يكون كافياً، فالتغييرات على أرض الواقع ستكون ضرورية. تمتلك الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة الأدوات والخبرات اللازمة لدعم هذه التغييرات. ثمة حاجة لبناء مؤسسات وبنية تحتية للدولة الفلسطينية المستقبلية، ولتعزيز العلاقات السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولإرساء نهج معتدل، ولخلق ترابط متبادل يضبط بعضه بعضاً، ولتعزيز القوى المعتدلة في كلا المجتمعين التي ستدعم قيادة سياسية تتماشى مع هذه الأهداف. يجب متابعة كل هذه الجهود من خلال التعاون، حتى في بيئة تحاول فيها الحكومة الإسرائيلية والمنظمات الإرهابية تقويضها.

يجب أن يكون أحد هذه الجهود هو ضمان دمج السلطة الفلسطينية في المشاريع الإقليمية الرئيسية التي لن ترفضها الحكومة الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، يمكن للإمارات العربية المتحدة أن تُصرّ على إشراك السلطة الفلسطينية في مشروع تبادل المياه مقابل الطاقة بين إسرائيل والأردن الذي تدعمه، أو يمكن للاتحاد الأوروبي أن يشترط بالمثل ربط إسرائيل بشبكة الكهرباء الأوروبية من خلال مشروع الربط الكهربائي الأوروبي الآسيوي. وعلى المدى الطويل، سيكون من المهم ضمان أن يشمل الممر الاقتصادي المخطط له بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا السلطة الفلسطينية أو الدولة الفلسطينية.

يجب الدفع بالإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، مع رصدٍ أدقّ لكيفية ترجمة الموارد إلى بناء مؤسسات فعالة وتحسين الخدمات المقدمة للفلسطينيين. ومن الضروري الاستثمار في الحكم المحلي، مصحوباً بتطوير البنية التحتية المادية والمؤسسية المحلية التي ستشكل الأساس للدولة الفلسطينية. لقد بُنيت إسرائيل بطريقة مماثلة – من خلال ربط المراكز الفرعية التي أُنشِئت وتطورت في ظل الانتداب البريطاني. ولتحقيق هذه الغاية، على سبيل المثال، يمكن توسيع نطاق برنامجِ التوأمة وبرنامج تقديم الدعم التقني والمساعدة “تايكس”، التابِعَين للاتحاد الأوروبي وتكييفهما مع الحكم المحلي الفلسطيني.

يجب أن يكون هناك دعم لمنظمات المجتمع المدني في إسرائيل وفلسطين يشجع المشاريع المشتركة ويعزز الخطاب والمنظمات التي تعزز السلام والمساواة. ويمكن أن يكون توسيع وتنفيذ قانون نيتا م. لوي للشراكة الشرق أوسطية من أجل السلام، الذي اعتمده الكونغرس الأمريكي في عام 2020 بمثابة منطلق لذلك. وفي إطار مكافحة الإسلام الأصولي، يمكن الاستفادة من منظمات المجتمع المدني الإندونيسية، مثل جمعية نهضة العلماء، التي تروّج للإسلام المعتدل في جميع أنحاء العالم، وتجربة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز التسامح الديني، في إحداث تغييرات عميقة داخل المجتمع الفلسطيني. ويجب على يهود الشتات في الولايات المتحدة أن يفعلوا الشيء نفسه مع المجتمع الإسرائيلي.

ينبغي بذلُ الجهود لتعزيز الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني من خلال ربطه بالعالم العربي وتطوير مصادر دخل محلية، إلى جانب الحلول المحلية لأمن الطاقة والأمن الغذائي القائم على الممارسات المستدامة. وهناك حاجة إلى مسعى تخطيطي طويل الأمد لإرساء الأساس لبناء الدولة الفلسطينية. ومن الضروري إعادة بناء قوات الأمن والشرطة الفلسطينية، وغير ذلك الكثير. وباختصار، هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به، ويجب أن يبدأ.

ولبلدان الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة مصلحة راسخة في تعزيز السلام والاستقرار في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية. وليس من المجدي لها أن تنتظر مكتوفة الأيدي حتى يختار القادة السياسيون الإسرائيليون والفلسطينيون السلام. يجب على المجتمع الدولي أن يعمل بِجدٍّ على إرساء الحقائق على الأرض لتعزيز السلام وحماية إمكانية حل الدولتين وتهيئة الظروف المواتية لرعاية قيادة داعمة للسلام وتنفيذ عملية سياسية عندما يحين الوقت المناسب. هذا هو جوهر “السلام التطوّري”، ويحتاج الإسرائيليون والفلسطينيون إلى دعم المجتمع الدولي للتغلُّب على قيادَتيَهِما المتطرفتين.