تأمل الميليشيات والمؤسسات الحاكمة الكردية في أن يساهم التسامح مع المقاتلين المحليين في تهدئة العلاقات مع السكان العرب المحليين. ولكن هل تُراكم هذه السياسة المتاعب؟
ما هو مصير العدد الهائل من مقاتلي داعش المحليين وأولئك الذين أتوا من الخارج بعد أن فقد التنظيم كامل أراضيه في سوريا؟
في الوقت الحالي تُكابد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد مع هذا السؤال بعد أسرها آلاف المقاتلين في أعقاب المعارك الأخيرة، ويقول مصطفى بالي، الناطق الإعلامي باسم قوات سوريا الديمقراطية، إن “تدفق الآلاف من المقاتلين والمدنيين أصبح عبئاً على قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا” لأسباب مادية وأمنية.
وأضاف بالي إن قوات سوريا الديمقراطية تعاملت معاملة خاصة مع المقاتلين المحليين ووضعتهم في أماكن معزولة عن المقاتلين القادمين من الخارج (باستثناء حالات معينة). وقال إن عددهم يتراوح بين 17,000 و 20,000 مسلح ومدني، على الرغم من أن قسد لم تعلن عن رقم دقيق.
وقال بالي إن قوات سوريا الديمقراطية تعاملت مع هذه المجموعة بشكل منفصل لأن مسارها مختلف عن مسار المقاتلين الأجانب سواء من حيث عملية التحقيق أو لجهة مصيرهم.
ينقسم المقاتلون إلى ثلاث فئات أساسية، أولاً، هناك مقاتلون متورطون في مهام قتالية وجرائم مثبتة سيتم احتجازهم لفترة غير محددة من الزمن. وتضم المجموعة الثانية الأفراد الذين عملوا مع داعش بصفة غير قتالية، بينما تضم المجموعة الثالثة أشخاصاً لديهم صلات مزعومة مع داعش فقط، وتخضع هذه الفئة الأخيرة لأكثر العقوبات تخفيفاً، أما المجموعة الثانية التي شاركت في العمليات غير القتالية فتُحتجز لمدة لا تتجاوز ستة أشهر.
في السابق تعاملت قوات سوريا الديمقراطية بحرص مع المقاتلين المحليين وقصرت فترة بقائهم في السجن على أقل من عام بهدف تجنب إثارة التوترات بين الأكراد والعرب في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وعلى النقيض من ذلك، رفضت قوات سوريا الديمقراطية إطلاق سراح مسلحين أجانب إلى أن تتم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
وأكد بالي أن “الحديث عن المحاكمات في هذه المرحلة أمر سابق لأوانه”، بالنظر إلى الأعداد الكبيرة وهذا سيتطلب فترة من الوقت للإدارة الإقليمية للأكراد للتشاور مع القبائل العربية ومجلس سوريا الديمقراطي – وهو الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (التي يشكل العرب أغلبية فيها) – للنظر في مواقف كلٍّ منهم.
ومع ذلك سيكون من الصعب للغاية على الإدارة المعروفة باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إخضاع المعتقلين لدورة قانونية بالنظر إلى أنها الكيان الوحيد الذي يتعامل مع هؤلاء المعتقلين المحليين والأجانب. وقد وجّهت الإدارة العديد من النداءات إلى المنظمات الدولية للمساعدة في النفقات لكنها لم تتلق أي دعم مباشر.
ثمّةَ اتفاق واسع بين مؤسسات الحكم الكردية والقبائل العربية حول كيفية التعامل مع مقاتلي داعش المحليين، بيد أن هناك المزيد من التعقيد حول التعامل مع الأشخاص الذين أُجبروا على العمل مع داعش على الرغم من أنهم كانوا غير مقاتلين.
وقد توسط شيوخ القبائل العرب في دير الزور في طلبات من العائلات للإفراج عن بعض ممن عملوا مع داعش بصفة غير قتالية. وقبِلت قوات سوريا الديمقراطية عموماً هذه الطلبات في الحالات التي حُكِمَ فيها على الأفراد بأنهم لا يشكلون خطراً حقيقياً وكان الشيوخ على استعداد لتقديم ضمانات بأن هؤلاء الأفراد لن يعودوا للتورط مع داعش. كما كان شيوخ القبائل مسؤولين عن سلوك الأفراد الذين تم إطلاق سراحهم إذا ارتكبوا جريمة أو تواصلوا مع خلايا داعش النائمة.
على الرغم من ذلك، واجهت قوات سوريا الديمقراطية بعض الانتقادات المحلية نتيجة تساهلها مع العناصر المحليين، وسط مخاوف من استعادة هؤلاء المسلحين لنشاطهم وتحولهم إلى خلايا نائمة لداعش على غرار ما حدث في العراق عام 2013.
ويأمل الأكراد من خلال إظهار التسامح مع المقاتلين المحليين أن يتمكنوا من تهدئة العلاقات المجتمعية ومنع ظهور عناصر متطرفة جديدة.
ومع ذلك فإن شبح تنظيم داعش يلوح في الأفق. لقد تلاشت بنية تنظيم داعش إلاَّ أن التنظيم يأبى الزوال؛ فلا أحد يعرف أين أو متى قد يظهر من جديد. ويبقى السؤال قائماً عما إذا كان إطلاق سراح المقاتلين المحليين سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى منحهم حياة جديدة في مناطق شرق الفرات.