لماذا منعت تركيا النازحين السوريين من دخول مدينة الباب؟

  • حايد حايد

    Consulting Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل مشارك استشاري، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

في خطوة غير مسبوقة، منعت السلطات التركية مؤخراً ثلاث قوافل من السوريين المُهجَّرين قسراً من دخول مدينة الباب الواقعة في الشمال السوري. وتُرك المئات من الأشخاص في القوافل، وغالبيتهم من النساء والأطفال، دون أي مساعدة وسط ظروف الشتاء القاسية. لا تقتصر دلالة هذا الحادث على قرار تركيا- لأول مرة – في منع السوريين من الدخول إلى أجزاء أخرى من بلادهم، إذ أنها تعكس فكرةً معمَّقةً داخل الصندوق الأسود لديناميات إدارة تركيا داخل مناطق نفوذها في سوريا ومدى تدخُّلها.

لقد أصبحت المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا في شمال شرق سوريا – وهي جرابلس والباب وعفرين- في الآونة الأخيرة بمثابة خيار الأمر الواقع للأشخاص الذين أجبرهم النظام على مغادرة مناطقهم والذين لا يريدغبون في الذهاب إلى إدلب. وبالتالي، جرى نقل الآلاف من السوريين إلى تلك المناطق خلال العام الماضي. ولكن على عكس القوافل السابقة التي سُمح لها بالوصول إلى وجهاتها، مُنِعت قافلتين من دمشق وقافلة من حمص من دخول مناطق نفوذ تركيا عبر مدينة الباب.

وقد تذرّعت السلطات التركية بأسباب مختلفة لتبرير قرارها. وكان أكثر الأسباب ذِكراً هو عدم قدرة العناصر المدعومة من تركيا على استيعاب الوافدين الجدد نتيجة لعدم إبلاغهم مسبقاً عن قوافل النازحين. كما ذُكِرت المخاوف الأمنية بشأن احتمال وجود مقاتلين من داعش داخل القوافل. لكن العديد من السكان المحليين أعربوا عن شكوكهم في أن تركيا كانت على علم مسبق بالقوافل، إذ حَظِيت مفاوضات التهجير القسري بتغطيةٍ واسعة النطاق لعدة أيام. وعليه فإنهم يعتقدون أن تركيا كان لديها ما يكفي من الوقت للقيام بالترتيبات اللازمة إما مباشرة أو من خلال التواصل مع المجموعات الإنسانية الدولية.

وعلاوة على ذلك، فإن عدم قدرة تركيا في الماضي على استيعاب النازحين لم تكن سبباً لمنعهم من دخول وجهتهم. لا يزال غالبية النازحين من القوافل السابقة يقيمون في خيام مؤقتة أُنشئت بعد وصولهم. ناهيك عن ذلك، فحتى لو كان في القوافل مقاتلين منتسبين إلى داعش، كان بمقدور تركيا أن تفرض الحظر على هؤلاء الأفراد دون غيرهم، وهو ما كان بوسعها معرفته من خلال حلفائها المحليين.

إلا أن آراء السكان المحليين، فضلاً عن آراء المراقبين، ترى دوافع خفية أخرى وراء الحظر التركي- فإما أن تركيا تستخدمه كوسيلة للضغط على الجماعات الإنسانية الدولية للتبرع بالمزيد من الأموال لتمويل جهودها الإنسانية داخل سوريا، أو أنها توجّه رسالة سياسية لروسيا، التي يُزعم أنها توسطت في هذه الصفقات دون التنسيق مع تركيا.

وبصرف النظر عن السبب الحقيقي، فإن وصول الآلاف من الأشخاص، منذ المعركة الأخيرة في الغوطة، قد أدى بالتأكيد إلى تضخيم تحديات الإدارة المحلية في المناطق المعنية. وعلى غرار ذلك، فإن وصول الآلاف من المقاتلين المهجّرين (الذين تُقدَّر أعدادهم بحوالي 11,000 مقاتل) يُعرِّضُ مشروع تركيا في إضفاء الطابع المهني على حلفائها من الثوار إلى خطر وجودي، لا سيما وأن المشروع ما يزال في حالةٍ هشّة. لقد تحقّقَ هذا الهدف بصورةٍ جزئية. فقد وافقت القافلة القادمة من حمص الشرقية على الانتقال إلى ريف إدلب. لكن قوافل جنوب دمشق، التي تنظر إلى هيئة تحرير الشام كقوة معادية، رفضت تغيير وجهتها.

وأثارت صور الأشخاص النازحين الممنوعين من الدخول، الذين ترُكوا في ظروف قاسية، انتقادات وتظاهرات واسعة النطاق في الباب للضغط على تركيا للسماح للسوريين بدخول المدن السورية. وفي نهاية المطاف، أدى الضغط المحلي الهائل والتغطية الإعلامية السلبية ورفض القوافل تغيير وجهتها إلى إجبار تركيا على السماح بدخول القوافل.

وقد بيَّنَ هذا الحظر بشكل واضح ديناميات السلطة غير المتوازنة داخل مناطق هيمنة تركيا داخل سوريا. وبالتالي، أثار الاستياء الشديد إزاء الهياكل الحاكمة المدعومة من تركيا وأثرَّ سلباً على شرعيتها. وإن إصلاح مثل هذه الأضرار لا يمكن سوى من خلال الحد من تدخل تركيا في سوريا بغيةَ دعم جهود الجهات الفاعلة المحلية لتنظيم مناطقها بدلاً من القيام بذلك نيابة عنها.