عاد الكثير منهم بهدوء إلى حياته السابقة، ومن غير الواضح كم منهم ما زالوا يؤيدون التنظيم وأفكاره.
مع القضاء على آخر جيوب داعش في ريف مدينة البوكمال، أصبح مصير آلاف المقاتلين الذين سيطروا ذات يوم على مساحات شاسعة من العراق وسوريا قضية مهمة. فممَّا لا شك فيه، وعلى الرغم من أن العديد قد قضوا في العمليات العسكرية، أن الآلاف الآخرين تمكنوا من الفرار، وهو ما من شأنه أن يثير السؤال عن كيفية اختفائهم وأين ذهبوا.
عند النظر في عدد مقاتلي تنظيم داعش السابقين، قد يكون من المهم أن نتذكر أن أعضاء التنظيم يقاتلون في مجموعات صغيرة يمكنها الهرب بسهولة أكبر أثناء القصف الجوي، وأن العديد منهم أيضاً غادروا مناطقهم خلال عمليات الانسحاب العسكرية أو في إطار الاتفاقات.
خلال معركة منبج في آب/أغسطس 2017، على سبيل المثال، غادر مئات من أعضاء داعش المدينة متّجهين إلى جرابلس. كذلك فقد تم نقل أعضاء تنظيم داعش من منطقة القلمون الحدودية إلى شرق سوريا بموازاة العمل على سحب مقاتلي التنظيم من الحدود اللبنانية إلى مناطق واقعة تحت سيطرته في سوريا، وخاصةً البوكمال، في إطار صفقة مع جماعة حزب الله اللبنانية. وقد غادر المئات، وربما أكثر، مدينة الرقة في صفقة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) و تنظيم داعش، وما تزال هذه الصفقة محاطة بقدر كبير من السرية. بعد ذلك غادر أفراد داعش مخيم اليرموك باتجاه البادية السورية.
ومن الجدير بالملاحظة أن عمليات الانتقال في هذه الحالات الأربع جرت في اللحظات الأخيرة، ما يعني أن العديد من أفراد التنظيم قد فرّوا قبل فرض الحصار. يضاف إلى هذا أعضاء تنظيم داعش في العراق الذين فرّوا بعد هزائمهم المتتالية هناك.
لقد اختفى أعضاء داعش لأن الأغلبية الساحقة منهم فهموا أن "خلافتهم" كانت تتلاشى بعد سلسلة من الهزائم، وبالتالي سيكون من العبث البقاء والتضحية بأنفسهم من أجل هدف لا يمكن تحقيقه. في بداية تشكيل التنظيم، لم يُعرَف عن أعضائه استسلامهم، بل لطالما كانوا يفضّلون الموت. لكن الأدلة الواضحة تشير إلى أن عقلية مقاتلي الجماعة قد تغيرت، وأنهم بدأوا يبحثون عن طرق للعيش.
تشير الحقائق على الأرض إلى أن معظم أفراد داعش عادوا إلى حياتهم الطبيعية، ولا سيما أولئك الذين يعملون في المجالات غير العسكرية، الذين اضطُّروا على الأرجح للالتحاق بداعش حينما تم الاستيلاء على منطقتهم أكثر من كونهم يؤمنون حقاً بعقيدة التنظيم. كما أن نسبة كبيرة من الذين انضموا إلى داعش أملاً في الحصول على السلطة والمكاسب المادية عادوا إلى حياتهم الطبيعية.
خلَع بعض الأعضاء زيَّهم العسكري بسرعة والتحقوا بصفوف قسد، التي كانوا يتهمونها منذ فترة قصيرة بالإلحاد والكفر. ولا تتوفّر أرقام دقيقة حول عدد أعضاء داعش الذين انضموا إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية؛ إلا أنّ المراقبين يعتقدون أن عددهم يزيد عن ألف، فيما يقول المسؤولون في قسد إن هذه مبالغة إعلامية.
كذلك اتُّهِم أفراد قسد والجيش السوري الحر بتسهيل هروب أعضاء داعش مقابل مبالغ مالية تتناسب مع وضع العضو في التنظيم، بالإضافة إلى ذلك، لعبت الاعتبارات الاجتماعية والقبلية دورها أيضاً إذْ كانت هناك أيضاً عشرات الحالات التي وثَّقها ناشطون حول أعضاء في التنظيم سلّموا أنفسهم للنظام السوري مقابل مبالغ مالية كبيرة.
في الآونة الأخيرة تبنَّت داعش استراتيجية جديدة تسمح لأعضائها بالنجاة. وبعد رفضها تبادل الأسرى في السابق، بدأت مؤخراً في تنفيذ العديد من هذه العمليات، بما في ذلك مبادلة تم ترتيبها سراً بين داعش وقوات سوريا الديمقراطية في قرية حسّو بريف الحسكة الجنوبي، وتمَّ من خلالها إطلاق سراح 11 عضواً من داعش مقابل الإفراج عن 18 من أفراد قسد.
ويتحدث السكان أيضاً عن شبكات تهريب "مافيا" موالية للمال فقط قام أفرادها بتهريب أعضاء داعش إلى مناطق قسد، ثم إلى مناطق درع الفرات وتركيا، ومن ثُمَّ إلى بلادهم. وتشير التقارير الصحفية إلى عودة 550 من أعضاء داعش إلى أوروبا.
المشكلة الرئيسية مع هؤلاء الأعضاء الهاربين هي أنّ أحداً لا يعرف أرقامهم الدقيقة أو مدى ولائهم لأفكار التنظيم. لقد وقع أكثر من 100 تفجير نُسبت إلى داعش في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وفي بعض الأحيان كان هنالك أكثر من تفجير واحد في اليوم، كما تبنَّت الجماعة عشرات الاغتيالات.
ودفعت مخاوف المعارضة السورية من الخلايا النائمة للمجموعة إلى القيام بعمليات أمنية أدت إلى اعتقال العشرات، بما في ذلك مسؤولين أمنيين بارزين في تنظيم الدولة الإسلامية. وقد قامت قوات سوريا الديمقراطية بالأمر نفسه مؤخراً.
إلاَّ أنه من الصعب تحديد كم من حلم "دولة الخلافة" لا يزال يعيش في أذهان الأعضاء السابقين، وما هي المسارات التي سيسلكونها الآن.