ما الذي يدفع انشقاق المقاتلين الثوار إلى النظام – وماذا يعني ذلك بالنسبة للصراع والمشاركين فيه؟

تتزايد الروايات المتكررة حول انتقال القادة من المقاتلين الثوار في سوريا إلى القتال في صفوف نظام بشار الأسد. ما هي أسباب هذه الظاهرة؟ ما هو تأثير ذلك على الثورة بالنظر إلى الشبكة المعقدة من التحالفات والعلاقات المتجلية بالفعل في ديناميات الصراع؟ وما هو المصير الذي يمكن أن يتوقعه المنشقون أنفسهم في ضوء المعلومات الاستخباراتية القيمة التي يحملونها معهم حول الفصائل المعارضة؟ من المؤكد أن لدى النظام مصلحة في التعاون مع قادة الثوار السابقين لضمان الحصول على فوائد تكتيكية، لكن سجله من الانتهاكات ضد المعارضين لا يبعث على ثقة كبيرة بأن مثل هذه التحولات في الولاءات ستكافَأ على المدى الطويل.

الأسباب

تُعتَبر الانتهازية أحد أسباب زيادة الانشقاقات. كان هذا هو الحال مع عبد الباسط حميدة، القائد السابق لكتائب أحفاد عائشة التابعة للجيش السوري الحر، الذي أصبح في عام 2014 قائداً لميليشيا جيش العشائر الموالية للأسد. زعم حميدة أن تبديل الولاء هو الطريقة الوحيدة للانتقام من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بعد أن نفَّذت قوات داعش مذابح ضد عشيرة الشعيطات في دير الزور. ويُحمِّلُ البعض حميدة وآخرين المسؤولية جزئياً عن المذابح زاعمين أنه دخل في معركة غير متكافئة مع داعش من أجل حماية آبار النفط وليس من أجل تعزيز الثورة.

ومن بين المنشقين البارزين الآخرين محمد خير الشلاش، القائد السابق لـ “أبابيل الحق”. وأبو علي رسلان، القائد السابق لكتائب آل رسلان. وكلاهما من منبج، وهي مدينة تبعد 90 كم شمال شرق حلب. وقد انضم كلاهما لاحقاً إلى ميليشيا سهيل الحسن الموالية للنظام، والمعروفة باسم “قوات النمر”. دافع رسلان عن قرارهما زاعماً بأن العودة إلى النظام أفضل من الاعتماد على القوات التركية.

كما تُحفِّز الطموحات المادية واحتمالات الكسب المالي قادة الثوار على تبديل الولاء. لقد راكم الكثيرون بالفعل ثروات كبيرة من اقتصاد الحرب، ودخلوا في شراكات غامضة مع ضباط النظام. على سبيل المثال، قام بعض القادة الثوريين في حلب بتهريب البضائع والوقود إلى النظام بينما كانت المدينة محاصرة.

إن ظروف الصراع على الأرض – مثل تصاعد القصف واعتماد روسيا سياسة الأرض المحروقة ضد فصائل المعارضة المنهكة بالحصار – جعلت تغيير الولاءات يبدو خياراً مناسباً للبعض. في المناطق الريفية المحيطة بدمشق، وعلى الأخص في المعضمية ومنطقة الغوطة الغربية، يزعم بعض القادة أن المصالحة مع النظام بعد حصاره لمدن المنطقة وفَّرت لمقاتليهم الحصانة وحماية المناطق المدنية المأهولة من الدمار والقصف الجوي. في برزة على أطراف دمشق، حيث توصل أبو الطيب وليد رفاعي إلى أول هدنة مع القوات الحكومية في أواخر عام 2013، تمت مكافأة قادة ميليشيا “الكتيبة الأولى” التابعة له في احتفال رسمي جرى في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.

وفي الوقت نفسه، ساهم الضغط السياسي والدولي في تقسيم الفصائل الثورية إلى فصائل تعتمد على الكيانات الأجنبية للحصول على الدعم المالي والعسكري. مما تسبب بانعدام فاعلية تلك الفصائل. وفي هذا العام، كانت معظم الفصائل في درعا، على سبيل المثال، تُعوِّلُ على تدخل الولايات المتحدة لحمايتها من هجمات النظام وروسيا في أعقاب إعلان النظام عن رغبته في استعادة هذه المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون. إلاَّ أنَّ الولايات المتحدة تخلت عن هذه المجموعات مع بدء الهجوم، تاركة هذه القوات تحت رحمة القوات الروسية وقابلية الضغط من الدول الإقليمية التي أعطت الأولوية للهدوء النسبي في الجنوب السوري من أجل حماية استقرارها. ونتيجة لذلك، انضم بعض قادة الفصائل – مثل أحمد العودة، زعيم حركة شباب السنة في بصرى الشام – إلى الفيلق الخامس للنظام. وقد قُتل إخوة العودة الثلاثة خلال اشتباكات مع القوات الحكومية بين عامي 2012 و2014، لكنه سلم في وقت لاحق الأسلحة والدبابات وأكثر من 200 صاروخ مضاد للدبابات إلى النظام.

ويبدو أن الرغبة في البقاء على الجانب الفائز في الصراع قد شجعت على الانشقاق. قد يشمل القادة الذين ينتمون إلى هذه الفئة بسام ضفدع، إمام مسجد كفربطنا وشرعيّ جماعة فيلق الرحمن المسلحة، الذي التحق بصفوف الثورة في منتصف عام 2011. انضم ضفدع إلى صفوف النظام بعد اقتحام الغوطة. وخاطب الأسد في كلمةٍ قائلاً: “كنا نعلم أنك كنت على حق”. الشيخ عمر رحمون – الذي أسس حركة أحرار الصوفية وكان عضواً في قوات سورية الديمقراطية – أصبح فيما بعد وسيطاً في المفاوضات بين الثوار والنظام، وعلى الأخص خلال الأيام الأخيرة من سيطرة الثوار في حلب.

يُمثِّل القادة المنشقّون خلفيات متنوعة. وبعضهم ببساطة مواطنون عاديون حققوا مكانة بارزة بشكل غير متوقع كقادة ثوريين -ويندرج في عدادهم حميدة وأبو بحر (معاوية البقاعي) والمنشار (سمير شحرور) من برزة. فيما يأتي آخرون – مثل ضفدع وعمر رحمون – من خلفيات دينية. هناك أيضاً بعض الذين لديهم خلفية استخباراتية. وتتَّضِحُ حقيقة أن الفساد يتخلل جميع مستويات المجتمع السوري من خلال حدوث انشقاقات في العديد من المحافظات: لم تقتصر الانشقاقات على منطقة جغرافية محددة، على الرغم من أن الظروف على أرض الواقع تجعل القادة في بعض المناطق أكثر قابلية لتبديل الولاء بين الجانبين أكثر من مناطق أخرى.

الآثار

تُلحِق الانشقاقات الضرر بالثورة السورية. فقد أربكت الصفوف الداخلية لقوات المتمردين، ومنعت تشكيل هيكل عسكري موحد وساهمت في تعزيز اغتيال القادة الموالين للثورة. على سبيل المثال، اغتيل فهد المغربي أبو حمزة صريفة بعد اعتراضه على الممارسات غير الأخلاقية لقادة اللواء الأول.

وعلى نطاق أوسع، استمر الفساد في صفوف الجماعات الثورية في إثارة غضب الناس وقوَّض الدعم الشعبي للثورة. وقد اتُهم العديد من زعماء الثوار (الذين انشق العديد منهم في وقت لاحق وانضمّوا إلى النظام) بسرقة الأسلحة والذخائر والنهب والسعي إلى السيطرة على آبار النفط من أجل الإثراء الشخصي وتهريب الوقود والأسلحة.

كما أضعفت الانشقاقات إلى قوات النظام المعارضةَ المسلحة في المعارك ضد النظام. وبالفعل، شارك بعض القادة بشكل مباشر في الهجمات التي يشنُّها النظام على المناطق التي يسيطر عليها الثوار. وقف أبو بحر والمنشار وغيره من قادة الكتائب الأولى إلى جانب النظام في المعركة من أجل دمشق في آذار/مارس 2017، على الرغم من أن أكثر من 70 في المائة من جنود الكتائب ظلوا موالين للثوار. وشكَّل ضفدع ميليشيا تعمل في القطاع المركزي من الغوطة وساعدت في الهجوم على المنطقة في وقت سابق من هذا العام. كما شاركت قوات الضفدع في هجوم النظام على عين ترما.

الآثار المستقبلية

تنقَّل العديد من القادة المذكورين أعلاه بين فصائل وتشكيلات مختلفة من الثوار في عملية جمع المعلومات الحساسة حول أعداد المعارضة والوصول إلى الدعم. على سبيل المثال، قبل أن ينتهي به الأمر في قسم السلطان مراد، خدم الشلاش في كتائب الصفوة وكتائب أحفاد الرسول. وبالمثل، خدم رسلان في لواء جند الحرمين والفرقة الأولى في حلب. وقد جعلهم هذا مصدَرَين قيِّمَين للمعلومات عن قوات المعارضة.

على الرغم من تغييرهم للولاء وما يقدّموه من منفعةٍ واعدةٍ للنظام، فإن من غير المرجّح أن يحظى قادة المتمردين الذين انشقوا بالترحيب على المدى الطويل من قبل قوات الأسد. وتُبيِّن التجربة أن النظام قد يستغل المنشقين في البداية، لكن قادة الثوار السابقين سوف يُعدمون أو يُعتقلون أو يُرسَلون للموت على الخطوط الأمامية في نهاية المطاف. وقد لقي العديد من هؤلاء مثل هذا المصير: فقد قُتِل حميدة بانفجار لغمٍ أرضي بالقرب من مطار دير الزور. ولقي معتز البردان وأبو تركي الشانور حتفهُما في معارك في حوض اليرموك. كذلك اغتيل ياسر الطوريش، أول من وقع على اتفاقات المصالحة، على أيدي مجهولين يُعتقد أنهم على صلة بالنظام. كما تم اعتقال عدد من المنشقين الآخرين من قبل النظام. وبينما قد يكون الانشقاق إلى جانب النظام تدبيراً قصير الأجل من أجل الأمن والسلطة بالنسبة لمقاتلي المعارضة السابقين، فإن هذه المنافع ليست مضمونة على المدى الطويل.