كانت عمليتا درع الفرات وغصن الزيتون نجاحاً عسكرياً – لكن هناك أدلة متزايدة على أن أنقرة تخسر السلام.
إن عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون في تركيا – اللَّتين وحدتا عدداً من المجموعات التابعة للجيش السوري الحر لقتال كل من داعش والقوات الكردية التي تسيطر على الأراضي القريبة من الحدود التركية – كانتا بمثابة نجاح عسكري ملحوظ لأنقرة، فقد تم طرد داعش من حوالي 2000 كيلومتر مربع من الأراضي، كما مُنِعَت القوات الكردية من إنشاء كيان خاضع للسيطرة الكردية في عفرين على غرار ما جرى في الرقة والحسكة.
بيدَ أنَّ ما كان انتصاراً عسكرياً تحوّل إلى فشلٍ اجتماعي، إذ تعاني المناطق التي تم الاستيلاء عليها بموجب هاتين العمليتين من انهيار الأمن والمشاكل الاجتماعية المتنامية، مما يشكل تهديداً للمصالح الإستراتيجية لتركيا.
وتزداد المشكلة الأمنية تفاقماً بشكل متزايد في المناطق الخارجة عن القانون – حيث تنتشر الأسلحة والسرقة وعمليات إطلاق النار العشوائية – مع انتهاكات من قِبَل قوات الأمن، التي تقوم في كثير من الأحيان باعتقالات تعسفية بتهم ملفقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وكالات الشرطة غير قادرة على السيطرة على الجماعات المقاتلة التي تسيءاستخدام سلطتها خشية التعرض لهجمات انتقامية. ولا يمكن للقوات النظامية التركية أن تتدخل لأنه من الصعب عليها الانتشار على نطاق واسع، ذلك أن وجودهها يقتصر على الثكنات العسكرية خارج المدن.
ولا يتم الإبلاغ عن كل هذا، فوسائل الإعلام القريبة من المعارضة حذرة من تغطية هذه الأنواع من الانتهاكات خوفاً من أنها قد تعزز رسالة نظام الأسد بأن خصومه فاسدون. علاوةً على ذلك، يوجد العديد من هذه المنابر الإعلامية في تركيا التي تشهد تشديد القيود على وسائل الإعلام والمعارضة السياسية. وفي الأيام الأخيرة، حُكِم على طبيب سوري انتقد الرئيس رجب طيب أردوغان بالسجن لمدة خمس سنوات ودفع غرامة.
كما أن قوات الشرطة في المنطقة سيئة التجهيز حين يتعلق الأمر بالاستجابة إلى العنف، ويفتقر معظمها إلى المعدات اللازمة، كذلك فقد تقلَّد بعض الضباط الرتب في مراكز القيادة دون مؤهلات أكاديمية – وبعضهم لا يحمل حتى شهادة إتمام المرحلة الابتدائية، وإلى جانب الافتقار إلى المؤسسات الرسمية القوية لمحاسبة قوات الشرطة، فإن الثقة بها منخفضة أيضاً.
وفضلاً عن القضايا الأمنية، هناك علامات على زيادة الصراع الاجتماعي. فثمّة تقارير عن هجمات انتقامية بين القبائل والعائلات. كذلك يستشري الفساد في المؤسسات الرسمية إلى جانب تفشّي المحسوبية على نطاق واسع في العمل وانتشار الشهادات المزورة.
ومن المرجح أن يؤدي اتخاذ إجراءات ضد المدنيين الأكراد إلى تفاقم التوترات الاجتماعية. فبعد سيطرة تركيا وفصائل الجيش السوري الحر على منطقة عفرين، صادرت الجماعات المتحالفة مع تركيا الكثير من الممتلكات الكردية ومنعت العديد من السكان من العودة إلى ديارهم بتهمة الانتماء إلى الأحزاب السياسية الكردية. كما صادرت بعض الجماعات بعض الممتلكات التي تعود إلى المدنيين الأكراد.
وقد حاولت تركيا، إلى جانب بعض الجماعات الثورية المنضبطة، استعادة الأمور والضغط على مجموعات الثوار غير الملتزمة لمنع مثل هذه الممارسات. ولكن ما لم يتمكنوا من وضع حد لهذه الظاهرة، فسوف تستمر الانقسامات الاجتماعية والتمييز العرقي بين الأكراد وجيرانهم العرب في التوسّع، مما يخلق بيئة اجتماعية مبنية على الانتقام العرقي الذي يمكن أن يدوم تأثيره لأجيال.
إن فشل الجماعات المتحالفة مع تركيا في إدارة منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات يدفع بتركيا نحو مراجعة اعتمادها على هذه الجماعات، سواء في إدلب أو في أجزاء أخرى من شمال سوريا. ولسوء حظ أنقرة، فإن خياراتها الأخرى محدودة.
فقد تُفضِّل تركيا، بعد توقف القتال، أن يقوم النظام السوري بإدارة المناطق على حدودها بدلاً من جماعات الثوار، لكنها تخشى من أن النظام لا يمكن الوثوق به، كما أنها قد تكون أكثر قلقاً من أن تسليم هذه المناطق إلى سيطرة النظام سيثير غضب المملكة العربية السعودية، التي لديها القدرة على تقوية شوكة الأكراد في أماكن أخرى. إنّ تركيا في موقفٍ صعب على نحو خاص لأنها تعيد تقويم تحالفاتها الأخرى، ولا سيما مع الولايات المتحدة.
لذلك فهي مضطرة إلى الاحتفاظ بورقة الجماعات الثورية بيدها في المستقبل القريب.