ربما تتحرّكُ الولايات المتحدة الأمريكية أخيراً لتهدئة التوتُّرات بين الأكراد والعرب السوريين

  • حايد حايد

    Consulting Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل مشارك استشاري، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

إنَّ قرار الولايات المتحدة الأمريكية إقامةَ شراكةٍ مع القوات التي يقودها الأكراد لمحاربة تنظيم داعش في سوريا، وتسليح هذه القوات–ورُغمَ المخاوف الكبيرة التي يثيرها حول احتمال تأجيج صراعات ثانوية بين العرب السوررين والأكراد– إذا ما دلَّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ تركيز واشنطن كان مُنصبَّاً في القضاء على تنظيم داعش بأسرع وقتٍ ممكن ودونما اكتراث بالعواقب.

إلاَّ أنَّ اتّفاقاً –بادرت به الولايات المتحدة الأمريكية مؤخّراً ورعتهُ بين أحد فصائل الجيش السوري الحر والقوات التي يقودها الأكراد – يدلُّ على أنّ الأمريكيين يحاولون أخيراً التعامل مع تعقيدات سياستهم في مكافحة تنظيم داعش.

واستناداً إلى مصادر سورية مطّلِعة تحدّتثُ معها، فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية بادرت بالمفاوضات للسماح لفصيل الجيش الحر المعروف باسم لواء المعتصم ببسطِ سيطرته سلميّاً على 11 قرية في الشمال السوري خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المنافِسة له، وهي تحالفٌ متعدّد الإثنيات بقيادةٍ كردية ورعايةٍ أمريكية يهدف لمحاربة تنظيم داعش.  وقد أُعلِنَ عن الخطوط العريضة لهذا الاتفاق غير المسبوق في العاشر من شهر أيار/مايو من قِبَلِ لواء المعتصم  الذي أفادَ بأنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أوكل إليه مهمّة إدارة هذه القرى والمسؤولية عنها. ويُعرَف عن لواء المعتصم تحالفه القوي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو السبب الذي دفعها لاختياره ليكون مسؤولاً عن القرى المحدّدة في الاتفاق، لكن من غير الواضح إلى الآن ما الذي ستحصل عليه قسَد في المقابل. ومع ذلك، فإنّ من المحتمل أن قرار واشنطن الأخير بتسليح وحدات حماية الشعب الكردي  (YPG) ضمن قوات سورية الديمقراطية (قسد) بشكل مباشر، إنّما كان بمثابة وسيلة ضغط.

وكانت قسَد قد انتزعَت السيطرة على القرى التي شمِلها الاتفاق من قوات الثوار في شهر شباط/فبراير 2016 في أثناء هجومٍ قاده النظام السوري ضدّ جماعات الثوار شمال سوريا.  ورأى الكثير من السوريين في هجوم قسَد على مناطق سيطرة الثوار إشارةً تدلّ على أنّ القوات المدعومة أمريكياً كانت تعمل بمثابة حليفٍ للنظام السوري، كما فُهِمَ الهجوم على أنّه ذريعة كرديّة لاستغلال الدعم الأمريكي وتوسيع نطاق المناطق التي يسيطر عليها الأكراد لتمتدّ إلى مناطق ذات أغلبية عربية. كذلك فإنّ الجماعات الكردية لا تثق بالثوار السوريين الذين تنظُر إليهم كمصدر تهديد وجودي نظراً لتحالفهم مع تركيا–فيما تعتبر أنقرة القوات الكردية تهديداً أمنياً وتُسلّحُ بعض جماعات الثوار لضبط التوسّع الكردي.

لذا، فإنّ رعاية ا الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الاتفاق جاءت بُغيَة تهدئة التوتر الحاصل بين الأكراد والعرب السوريين، “إن السبب الرئيسي وراء هذا الاتفاق هو تجنُّبُ صراعٍ ثانوي بين العرب والأكراد سيكون كارثيّاً لجميع الأطراف”، “يجب أن يبدأ سلامٌ كهذا بتدابير لبناء الثقة يكون من شأنها السماح للناس بالعودة إلى منازلهم،” ذلك ما أخبرني به مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم.

ويُنتَظَرُ تعليق كلّ من قسَد والولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ علنيّ حول الاتفاق. وبحسب ما أبلغني به سيجري فإنّ “الاتفاق سُرِّبَ بشكل غامض وهو الأمر الذي دفعنا إلى الإعلان عنه قبل أوانه”. “وتعمل أطراف الاتفاق على إتمام تفاصيله التقنية وسوف توقّع عليه في أقرب وقتٍ ممكن.”

وكانت  تسريبات سابقة حول الاتفاق قد أشارت إلى أنّ المفاوضات ابتدأت بحدود منتصف شهر آذار/مارس 2017،  إلاّ أنّها لم تُكلّل بالنجاح نتيجة الخلاف حول بعض التفاصيل المتعلقة بعدد القرى المحددة في الاتفاق وجدول الانسحاب وآلياته، من بين جوانب أخرى. إلّا أنَّ المفاوضات بين الأطراف حققت اختراقاً في الآونة الأخيرة وفقاً لثلاثة شروط رئيسية هي:  ‏‎1) يقتصر وجود السلاح في القرى التي يحدّدها الاتفاق على لواء المعتصم؛ 2) بإمكان المدنيين المحليّين، بمن فيهم عناصر الجيش السوري الحر غير المسلّحين، العودة إلى منازلهم؛ و3) يُمكنُ للمدنيين الأكراد دخول هذه القرى والإقامة فيها. ومن شأن الاتفاقِ أن يسمح بعودة عشرات الآلاف من النازحين السوريين إلى قراهم.

وقد أعرب بعض المحلّلين السوريين عن دعمهم لهذا الاتفاق، غيرَ أنَّ توقعاتهم بشأنه اتّسَمت بالتباين. “جاء الاتفاق متأخراً كثيراً بعض الشيء، إذ أنَّ التوتر بين العرب والأكراد وصل إلى مستوى تبدو فيه المواجهات حتميّة،” وذلك حسبَ ما ذكره الصحفي السوري منهل باريش.  ويعتقد محلّلون سوريون آخرون أنَّ الاتفاق يمكن أن يؤثّر بشكل إيجابي يقتصر على هذه المنطقة. “يمكن لهذا الاتفاق أن يُحدِثَ تأثيراً إيجابياً على العلاقات بين العرب والأكراد، إلاّ أنّ ذلك قد يحدث فقط إذا تمَّ تنفيذ الاتفاق بشكل صحيح. مع ذلك، فإنّ من المرجّح أن يقتصر التأثير الإيجابي للاتفاق على المناطق التي يشملها،” وذلك وفقاً لما يراه أسعد العشّي، الناشطُ في المجتمع المدني والمدير التنفيذي لمؤسسة بيتنا سوريا.

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تُدرِك الآثار الإيجابية المحدودة التي قد يحملها الاتفاق بالنسبة إلى العرب كأكثرية. ولهذا، فإن هنالك محادثات حول احتمال تكرار هذه العملية إذا ما نجَحت وذلك في مناطق أخرى متنازع عليها وتخضع لسيطرة قسَد وهي ذات أغلبية عربية. ووفقاً لما يذهبُ إليه باريش، فقد سبق للولايات المتحدة وأن عرضت إسنادَ مهمة السيطرة على المناطق الأخرى المتنازع عليها إلى لواء المعتصم– مثل مدينة منبج ذات الغالبية العربية والتي كانت قسَد قد انتَزَعَتها من تنظيم داعش في شهر آب/أغسطس من عام 2016.

كذلك فقد أكّد مصطفى سيجري بأنَّ جماعات مختلفة في منبج، بعضها من الفصائل المنضوية في قسَد، قد تواصَلت مع لواء المعتصم لإبداء استعدادها لدعم اتفاقٍ مشابه.  إلاّ أنّه لم يذكُر ما إذا كانت هذه الجماعات قد أقدمت على التواصل من تلقاء نفسها أم أنّ الولايات المتحدة شجَّعتها على القيام بذلك. لكنّ سيجري، مع ذلك، ذَكَر أنّ الأولويّة الآن هي التركيز على وضع اللمسات النهائية للاتفاق الأول وتنفيذه قبل استنساخه في مكانٍ آخر.

وما يزال غير واضح ما إذا كان الاتفاق سيُنَفَّذ، نظراً لأنَّ مسودّته النهائية لم تُوَقَّقع بعد. إلاّ أنّ هذا الاتفاق يدلُّ على اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بعواقب سياستها في مكافحة تنظيم داعش في سوريا. ولكي يحقق هذا الاتفاق أهدافه، ينبغي أن يكون جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف لمعالجة انتهاكات ومظالم كِلا الجماعَتَين، وذلك بُغيةَ النجاح في تخفيف التوتر بين العرب والأكراد في أنحاء سوريا.