اندفاعة النظام ضد هيئة تحرير الشام في إدلب قد تنقَلب عليه

  • حايد حايد

    Consulting Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل مشارك استشاري، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تواجه الجماعة المتمردة مقاومة محلية متواصلة، لكن العدو الأول يبقى بشار الأسد وحلفاؤه.

في الآونة الأخيرة، شنت القوات الموالية للنظام، بدعم من الميليشيات المدعومة من إيران وبغطاء جوي روسي، هجوماً يرمي لاستعادة الأراضي في إدلب بذريعة السعي إلى طرد هيئة تحرير الشام منها. ولكن في حين أنه من الصحيح أنّ هيئة تحرير الشام زادت بشكل كبير سيطرتها على الأراضي في المنطقة وأصبحت أقوى جماعات الثوار بعد إلحاقها الهزيمة بحركة أحرار الشام في تموز/يوليو 2017، إلاّ أنها تكافح لتحقيق قدرٍ من الدعم المجتمعي يمثل مكاسبها العسكرية.

وفي الوقت الراهن من المرجح أن تدفع هجمات النظام السكان الذين كانوا يقاومون هيئة تحرير الشام على نحوٍ متزايد إلى العودة للتعاون البراغماتي معها.

واجهت الهيئة عدداً من المظاهرات التي خرجت في الشوارع منددةً بها، ولا سيما في كفرنبل ومعرة النعمان والأتارب. وتماثل استراتيجيات المقاومة اللاعنفية المنتشرة ضد هيئة تحرير الشام تلك التي تستخدم ضد كل من النظام السوري وداعش، وهي تنطوي على مزيج من الفعاليات الشعبية، و "الحرب غير المباشرة" من الرموز والشعارات، وحتى الهجاء، الذي يهدف إلى تقويض الشرعية.

على امتداد سنوات، كان تكتيك هيئة تحرير الشام الأساسي هو استخدام مسألة توفير الخدمات العامة لتوليد الدعم المجتمعي وتجنيد الأعضاء. كما اعتادت الهيئة على حل مؤسسات الحُكم المحلية والاستعاضة عنها بمجالس الإدارة التابعة لها. ولمواجهة هذه الجهود، تركز منظمات المجتمع المدني على زيادة كفاءة وشرعية المؤسسات المحلية بحيث يصبح من الصعب استبدالها.

وبدلاً من السماح للمجتمعات المحلية بمواصلة مقاومة هيئة تحرير الشام، فإنّ الغارات الجوية التي يشنّها النظام بشكل منهجي تستهدف مناطق معروفة بمقاومتها للجماعة. وعلى سبيل المثال، في 13 تشرين الثاني / نوفمبر 2017، استُهدف سوق الأتارب بثلاث غارات جوية أسفرت عن مقتل 69 مدنياً وإلحاق أضرار جسيمة بالعديد من المباني في شارع سوق الأتارب. وقد أشارت بعض محتويات المصادر  المفتوحة إلى أنَّ الهجوم نفَّذتهُ إما القوات الجوية الروسية أو السورية. كما قُصِفت مدن أخرى مثل كفرنبل (في السادس وكذلك في السادس عشر من كانون الثاني/يناير) ومعرة النعمان (في الثاني من الشهر نفسه). ونتيجة لذلك، نزح ما يزيد عن مئة ألف مدني،  كما يواجه أربعمائة ألف شخص آخرين خطر التشرد إذا استمرت الهجمات على المراكز المدنية.

وعلى الرغم مما تكبدته هيئة تحرير الشام من خسائر في الأراضي لصالح النظام، فإن العملية تنطوي على خطر السماح للمجموعة باستعادة بعض الدعم المحلي الذي خسرته. لقد طرحت هيئة تحرير الشام نفسها كقوة مسلحة لا غنى عنها في القتال ضد النظام السوري. وبصورة مماثلة، فقد استخدمت الجماعة انتصاراتها العسكرية لزيادة شعبيتها وشرعيتها. ولطالما حرصت كذلك على شنّ عمليات عسكرية ضد قوات النظام على وجه السرعة لتشتيت الانتباه عن أعمالها ضد جماعات الثوار والحفاظ على مستوى من القبول المحلي وذلك عقب كلّ هجومٍ شّنته على تلك الجماعات.

وفي بيان صوتي صدر مؤخراً، حاول زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني استثمار هجمات النظام لتعبئة السكان المحليين حوله واستعادة العلاقات بين الهيئة والمجموعات الثورية التي كانت تنأى بنفسها عنها. ومن المرجح أن يشجّع التهديد المتزايد الذي تفرضه الحملة التي يقودها النظام بعض هذه المجموعات على قبول العرض.

وعلى الرغم من مقاومة السكان المحليين لهيئة تحرير الشام، إلاّ أنّ النظام السوري ما زال يُعتبر العدو الأول لمعظمهم في إدلب، وكذلك بالنسبة إلى النازحين الذين يعيشون هناك. على هذا النحو، ورغم أنّ السكان لا يكنُّون المودة للهيئة، إلاّ أنَّه من المرجح أن يندفعوا باتجاه التعاون النفعي معها للحيلولة دون أن يحكمهم الأسد من جديد.