النظام يلقي بعبء التعافي المبكر على كاهل السكان

  • حايد حايد

    Consulting Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل مشارك استشاري، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

على الرغم من قدرة النظام على استعادة سيطرته على غالبية الأراضي السورية إلاَّ أنه لا يزال يكافح لاستعادة وظائف الدولة الضرورية في تلك المناطق.

وقد أثّر حجم الدمار المادي والمالي الكبير على قدرة الدولة السورية على تقديم الخدمات. ونظراً لحجم الدمار المادي والمالي، ونقص الموارد المالية، فضلاً عن أسباب أخرى، قررت الدولة إلقاء عبء توفير الخدمات في المناطق المستعادة على كاهل السكان أنفسهم.

وبالتالي، لم يكن لدى السكان من خيار سوى الدفع من أموالهم الخاصة لاستعادة الخدمات، وتتم بعض حملات التمويل الجماعي هذه بمقتضى الحاجة، بينما تبدو بعض الحملات الأخرى أكثر تنظيماً. ومع ذلك، تقتصر هذه المبادرات من ناحية النطاق على المشاريع الصغيرة، كما أنها في متناول المجتمعات القادرة على الدفع. في حين يُطلب النظام من بقية السكان ألاّ يتوقعوا تحسّن أوضاعهم، على الأقل في المدى المنظور.

عندما فرض النظام سيطرته على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقاً، أُجبِرت المنظمات المحلية والدولية التي كانت تقدم الخدمات للسكان هناك على إيقاف عملها. وبالتالي ركزت الدولة معظم جهودها على الإصلاحات السريعة بدلاً من المشاريع الاستراتيجية لإصلاح البنية التحتية. على سبيل المثال، يقتصر توفير الكهرباء الحكومية على بضع ساعات فقط في المناطق التي لا تزال فيها شبكة قابلة للتشغيل أو يمكن إصلاحها بتكلفة زهيدة.

ولكن حتى تلك الحلول القصيرة الأجل والمحدودة العدد تُستخدم كأداة لمعاقبة المجتمعات التي ما زالت تُعتبر معادية للنظام (مثل تلك المناطق التي استُعيدت بعد معارك طويلة) ولمكافأة تلك المناطق التي تُعتبر أكثر تساهلاً (مِثل المناطق التي أبرمت اتفاقات الاستسلام بسرعة). لا بلَ إنّ الوضع أسوأ في المناطق التي لحقت بها أضرار أكبر ولم تُجرَ فيها أي أعمال إصلاح. وأبلغتني مصادر محلية في مختلف المناطق في محافظة درعا أن مسؤولي الدولة أبلغوهم أن الدولة لا تملك أي موارد لتوفير الخدمات الأساسية للسكان. ونتيجة لذلك، أخذ السكان على عاتقهم استعادة الخدمات في مناطقهم بسبب غياب الخيارات الأخرى.

وفي معظم الحالات يدفع السكان من أموالهم الخاصة لاستعادة الخدمات. على سبيل المثال، أخبرني أحد سكان منطقة التل في ريف دمشق أنه يتعيّن عليه الدفع للبلدية مسبقاً لإصلاح أنابيب الصرف الصحي لمنزله، وقد احتُسِبت تكلفة العملية، بما فيها تكلفة المركبات والمواد، من قِبل موظفي البلدية الذين أذنوا بالعملية فقط بعد دفع المبلغ بالكامل.

وفي حالات أخرى، تكاتفت المجتمعات المحلية لتغطية التكلفة المطلوبة، وغالباً ماكان يحدث ذلك إذا كان هناك مجموعة أكبر من السكان تحتاج المشروع، وبالتالي كانت النفقات أعلى.

وعلى سبيل المثال، أخبرني سكان في إنخل في ريف درعا أنه من أجل إصلاح شبكة الكهرباء في منطقتهم، يتعين عليهم دفع ثمن المواد المطلوبة (أسلاك وأعمدة الكهرباء) ورواتب عمال الصيانة. وتحمّلت العائلات المعنية تكلفة توصيل الكهرباء من المصدر الرئيسي إلى الحي، ومع ذلك فقد تحمّلت كل أسرة على حِدة تكلفة ربط المنازل بشبكة الحي.

والجدير بالذكر أن بعض مبادرات جمع الأموال تُنَظَّم من خلال لجان شبه مجتمعية وبالتنسيق مع المسؤولين المحليين.

وفي مثال آخر، شًكِّلت لجنة محلية لشؤون التنمية
في التل بناءً على مرسوم صادر عن محافظ ريف دمشق عام 2019. وتتكون اللجنة من 13 عضواً، خمسة منهم أعضاء في مجلس المدينة والبقية من أعيان المنطقة. وتهدف اللجنة بصورة أساسية إلى مساعدة المجلس على التغلب على القيود المالية عن طريق التمويل الجماعي للمشاريع التي لا يستطيع المجلس تمويلها.

وتفيد التقاريرأن اللجنة تمكنت إلى الآن من جمع 125 مليون ليرة سورية أُنفقت جميعها في ترميم المدارس وجمع رواتب المعلمين وإصلاح شبكات المياه.

وفي حالات نادرة، تمكنت المؤسسات السابقة التابعة للمعارضة أيضاً من تقديم خدمات تكميلية للسكان. وبحسب مصادر محلية في حي درعا البلد في مدينة درعا، لم تتمكن البلدية من إزالة الأنقاض من المنطقة بسبب نقص المركبات والوقود. ورداً على ذلك، قامت لجنة التفاوض التي تقودها المعارضة، والتي تتألف إلى حد كبير من قادة الثوار السابقين والأعيان المحليين، بتأمين الموارد اللازمة لتنظيف الشوارع.

ومع أن نموذج النظام كان ناجحاً جزئياً في استخدام التبرعات من المصادر المتنوعة لاستعادة الخدمات أو صيانتها، إلاّ أنَّ من غير المحتمل أن يكون هذا النموذج مستداماً. وعلاوة على هذه المساهمات، يتحمل السكان عبء شراء السلع الأساسية من ماء وكهرباء ووقود وطعام، وما إلى ذلك، فضلاً عن إعادة بناء منازلهم. بالإضافة إلى ذلك، تجعل تكلفة المعيشة المتزايدة بسبب تدهور قيمة الليرة السورية والاقتصاد والبطالة المتنامية من تَدبُرِ السكان لأمور معيشتهم أمراً شبه مستحيل.

ومثلاً، قال أحد سكان مدينة إنخل إنه تعين عليه دفع 42 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 45 دولاراً، من ماله الخاص لربط منزله بالشبكة الكهربائية في الحي. وبالمقارنة، يتقاضى الرجل أجراً يومياً قدره 2,000 ليرة سورية (2.25$) لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية لأسرته، وعليه، تَوجّب على هذا الرجل طلب المساعدة من أخيه الذي يعيش في لبنان لمساعدته في إقراضه المال. وعلى أية حال، لا يملك الرجل ثمن إصلاح شبكات المياه والصرف الصحي الخاصة بمنزله.

وتزداد مسألة جمع الأموال من أجل الخدمات تعقيداً عندما تتطلب الخدمات دفع تكاليف تشغيل شهرية (مثل الرواتب أو الوقود أو لوازم أخرى)، إذ يصبح الأمر شبهَ مستحيل.