بعيداً عن توفير تفويض محلي، ستعمل الانتخابات بدلاً من ذلك على دعم الإمساك بالأرض وإعادة تأهيل حزب البعث وتعزيز تمويل إعادة الإعمار.
يُجري النظام السوري انتخابات مجالس محلية في 16 أيلول/ سبتمبر، وهي المرة الأولى منذ اندلاع الأعمال العدائية في عام 2011. وتُشكل هذه الانتخابات جزءاً من محاولة النظام لإظهار الاستقرار، واستعادة الشرعية المحلية وإعادة بناء نظام المحسوبية الذي ربط السكان بالنظام من خلال المؤسسات المدنية. ولكن، شأنها شأن تحركات “المصالحة” الأخرى التي يقوم بها النظام، فإن هذه الانتخابات في الواقع تجسد التخلي عن أي حل سياسي توافقي وتدلّ على محاولة توطيد مكاسب النظام والبناء عليها.
أحد هذه المكاسب هو التغيير الديموغرافي في الأراضي المستعادة، فقد أقر النظام مؤخراً قوانين مثل القانون رقم 10 لعام 2018 لإجبار السكان على إثبات ملكية العقارات في فترات زمنية قصيرة، مع العلم أن معظمهم لن يتمكن من القيام بذلك، وبالتالي سيتمكّن النظام من الاستيلاء على مساحات واسعة من الممتلكات وإعادة توزيعها على حلفائه الطائفيين.
ينصّ القانون رقم 10 على ذِكرِ المجالس المحلية ككيانات لتنفيذ هذا القانون الذي يأتي إلى جانب عدد من القوانين الأخرى التي تُحدِثُ حوالي 70 بلدية جديدة، معظمها في محافظة حماة وريف دمشق. وقد أدى ذلك إلى إضعاف المراكز الحضرية التقليدية مثل دوما وعربين، التي كانت حاضنة للانتفاضة.
في داريا، أحد أهم معاقل الانتفاضة السورية، الوضع مشابه أيضاً – فالعديد من الناس لا يستطيعون إثبات ملكيتهم بموجب القانون رقم 10 بسبب العدد الكبير للمتقدمين والنازحين من المدينة. وتهيمن على قائمة المرشحين للانتخابات البلدية القادمة في المدينة أسماء قدامى المحاربين في حزب البعث.
كان حزب البعث قوة عسكرية هامشية خلال الحرب، وذلك مقارنة بالميليشيات المحلية الأكبر في قوات الدفاع الوطني، أو قوات الدفاع المحلية أو الميليشيات الشيعية الأجنبية. لكن الانتخابات تسمح باستعادة الدور السياسي والمحلي للحزب. يحرص النظام على خلقِ انطباع بعودة الأمور إلى أوضاع ما قبل 2011، ويرتبط هذا إلى حد كبير بإعادة تأسيس شبكات النفوذ القديمة.
جنباً إلى جنب مع حزب البعث، تصطَفُّ مجموعة من الفاعلين الجدد في انتظار المكافآت ومجالات التأثير لقاء خدماتهم، بما في ذلك الزعماء المحليون الموالون للنظام، ورجال الأعمال ممن يبحثون عن عقود إعادة الإعمار التي ستشرف عليها الشركات التي تملكها أو تشرف عليها هذه البلديات والميليشيات المتحالفة مع الجيش النظامي.
كذلك تبحث إيران عن مكاسب هي الأخرى، فالانتخابات المقبلة تُعدُّ فرصة لاختبار مدى التأثير الإيراني في المناطق التي تنشط فيها إيران، مثل ريف دمشق والريف المحيط بحمص ودير الزور، واختبار استراتيجية جديدة لتبقى مؤثرة في سوريا بعد انتهاء الحرب.
ورغم عدم وجود اتفاق دولي بشأن إعادة الإعمار في سوريا، فقد بدأ النظام وحلفاؤه في توقيع اتفاقيات اقتصادية وبدأت شركات خاصة – مقرّبة من العائلة الحاكمة – تنفيذ مشاريع إعادة التنظيم والبناء في الضواحي التي دمرها القتال. كما أبقت الأمم المتحدة على أنشطتها وقدمت برامج مساعدات في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
ويراهن النظام في الوقت الراهن على الترحيب بالمستثمرين الجدد من خلال المجالس المحلية بمجرد تمكين هذه الوحدات الإدارية لإنشاء مناطق تنظيمية وشركات استثمارية بموجب القانون 10 لعام 2018. ويأتي هذا في مقدمة صلاحيات الاستثمار الممنوحة لهم بموجب القانون 107 لعام 2011، الذي يسمح لهم باستقدام التمويل أو الاستثمارات بشكل مستقل عن الحكومة المركزية، على ما يبدو.
أما على المستوى العملي، فلا يُتوقع من هذه المجالس المحلية الجديدة أن تساهم بأي شيء جديد حينما يتعلق الأمر بإحراز تقدم في إعادة الإعمار أو ثقة المستثمرين – ناهيك عن الثقة الأجنبية – في المناخ الاقتصادي أو الأمني، بقدر ما تعمل كجائزة ترضية جديدة للأطراف الفاعلة عن طريق عقود اقتصادية محدودة. وسوف تساهم المجالس من خلال إنشاء مناطق تنظيمية جديدة وإعادة تشكيل مناطق المعارضة السابقة عبرَ ترسيخ التغييرات الديموغرافية والمجتمعية الواسعة.
وبشكل عام، لن تسفر الانتخابات المحلية عن نهضة في إعادة الإعمار أو دفع اللامركزية في الإدارة المحلية – ولن تحقق شعوراً بالتمثيل والشراكة بين المجتمعات المحلية.