حايد حايد: هل يمكنك شرح مختلف أنواع العقوبات المفروضة على سوريا؟
أسعد العشّي: هناك عدة أنواع من العقوبات نواجهها اليوم في سوريا وفي الدول المجاورة. لديك أولاً العقوبات المفروضة على النظام السوري، وتنقسم إلى نوعين: الأولى هي العقوبات الموجهة ضد الأفراد الذين يصنّفون على أنهم عناصر مارقة وعناصر إرهابية وما إلى ذلك، وقد استهدفت الكثير من المسؤولين في الحكومة السورية، بدءاً من رأس النظام وصولاً إلى بعض العلماء في مركز البحوث العلمية الذي كان مسؤولاً عن تطوير الأسلحة الكيميائية. وتشمل العقوبات اليوم جميع وزراء الحكومة، كما تشمل معظم، إن لم يكن جميع رؤساء أجهزة الاستخبارات المختلفة، وكذلك قائد الأركان وقائد الجيش.
إلاّ أن من لا تغطِّيهم العقوبات بالكامل هم قادة الميليشيات المختلفة التي تدعم الحكومة السورية، وربما يمكن تصنيف هذه الميليشيات وفقاً لنوعين مختلفين هما الميليشيات المحلية -أي الميليشيات السورية- و الميليشيات الأجنبية. وهناك عقوبات ضد حزب الله أيضاً، ولكنها ليست على علاقة بسوريا، فهي تعود إلى فترةٍ تسبق العقوبات المفروضة في سوريا، فحزب الله مصنفٌ على أنه كيان إرهابي وفقاً للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
أما النوع الثاني فهو العقوبات التي لم تفرضها الأمم المتحدة وإنما فرضتها دول مختلفة على المنظمات السورية أو على هياكل الدولة. ليس هناك عقوبات أممية على سوريا في الوقت الحالي، ولكن ثمّة عقوبات من جانب الدول الأعضاء، سواء الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة.
تلك هي برامج العقوبات الرئيسية الموجودة حالياً، وهي تحاول أن تحاكي بعضها البعض، في بعض الأحيان تكون الولايات المتحدة هي من يحدّد العقوبات أولاً، ثم تليها المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو العكس بالعكس. والمشكلة هي أنَّ هذه العقوبات لا تنتهج نسقاً محدّداً بشكل دائم، بل قد تنتقل من نمط إلى آخر.
عندما ننظر إلى العقوبات المفروضة على مؤسسات الدولة، على سبيل المثال، نجد أنَّ المصرف المركزي السوري يخضع للعقوبات، وكذلك المصرف التجاري السوري، إلى جانب بعض مؤسسات الدولة الصغيرة الأخرى. ومن الواضح أنّ مركز البحوث العلمية الرئيسي يعاقب هو الآخر، وبعض الكيانات الأصغر حجماً داخل هياكل الدولة التي ساهمت بشكل مباشر في القتل على مدى السنوات الست أو السبع الماضية.
أمّا العقوبة الوحيدة المفروضة على المستوى الصناعي فقد شملت صناعة النفط والغاز. وبالإمكان القول مرّةً أخرى أنَّ هذه العقوبات فُرضت من طرف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد فُرِضت في البداية على صيانة منشآت النفط الخام السورية (باستثناء مشاكل السلامة الرئيسية)، لذلك ابتدأت بحظر شراء قطع الغيار اللازمة للحقول ومن ثمّ حظر شراء النفط الخام السوري، لذلك أصبح من الصعب جداً على الحكومة أن تبيع نفطها الخام حول العالم.
وشمِل المستوى الثالث من العقوبات المفروضة على صناعة النفط والغاز، حظر نقل النفط الخام السوري، لذلك بدأت الكثير من شركات النقل تتردد في نقل النفط الخام السوري – على سبيل المثال من سوريا إلى إيران، أو إلى روسيا، أو أي دولة أخرى من الدول التي قد تبدي استعدادها لشراء النفط الخام.
هناك شريحة ثانية، أو شريحة مختلفة تماماً من العقوبات التي تطبّق على سوريا، وهي عقوبات موجّهة ضد الإرهاب. وهذه العقوبات على مستوى الأمم المتحدة. تحتفظ الأمم المتحدة بقائمة تسمى “قائمة القاعدة وداعش”، وهي تحدّد جميع الكيانات الخاضعة لعقوبات الأمم المتحدة – أي أنَّ على جميع الدول الأعضاء أن تمتثل لهذه العقوبات بشكل أساسي.
في الحالة السورية، تستهدف هذه العقوبات جبهة النصرة وجميع فروعها، وجميع تسمياتها – سواء كانت جبهة النصرة، أو هيئة تحرير الشام أو هيئة فتح الشام، وتُعتبر هذه مجرّد أسماء مستعارة من الإسم الأصلي، وهو جبهة النصرة. وهي تستهدف داعش أيضاً.
تلك هي الكيانات الوحيدة اليوم المدرجة على مستوى مجلس الأمن الدولي، ولكن بعد ذلك تبدأ في النظر في العقوبات المفروضة من قِبل الدول، وهي تختلف قليلاً. فعلى سبيل المثال، نشرت الإمارات العربية المتحدة قائمة إرهابية خاصة بها، لديك مثلاً جماعة الإخوان المسلمين، ولواء التوحيد، وجيش المجاهدين، والجبهة الشامية، وتتضمن القائمة العديد ممن تُعتَبر اليوم جماعات معارضة معتدلة.
كذلك فقد وضعت الحكومة التركية قائمة خاصة بها من كيانات إرهابية والتي من الواضح أنها تضمّ جبهة النصرة وتنظيم داعش ولكنها تضيف إليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. واعتباراً من صيف العام الماضي، تم إدراج حزب الاتحاد الديمقراطي رسمياً ككيان إرهابي في القانون التركي.
حايد حايد: كيف أثَّرت العقوبات، سواء كانت العقوبات المناهضة للنظام أو عقوبات مكافحة الإرهاب، على الصراع في سوريا؟
أسعد العشّي: كانت الفكرة الأصلية من وراء العقوبات هي أن تجعل مسألة الوصول إلى الموارد المالية، سواء بالنسبة للنظام أو للعناصر الإرهابية المختلفة، مسألةً صعبةً جداً. ومن الواضح أن هذا الهدف لم يتحقق، فقد تمكن النظام السوري من تجاوز الكثير من هذه العقوبات بمساعدة الروس والإيرانيين.
بالنسبة للعناصر الإرهابية، فقد تمكّنوا من تجاوز الكثير من هذه العقوبات من خلال بيع النفط الخام الذي كان في حوزتهم بسعرٍ بخس. فعندما تنظر إلى داعش، على سبيل المثال، فإنّ بيع النفط السوري الخام شكَّل مصدر الدخل الرئيسي للتنظيم منذ عام 2014 وحتى صيف عام 2016. وكان معظم هذا النفط الخام يباع إلى النظام السوري نفسه من خلال جورج حسواني الذي بات مشهوراً الآن، وبأسعار أقل من أسعار السوق.
وخلال تلك الفترة، كان سعر النفط الخام السوري يتراوح بين 20 و 22 دولاراً للبرميل، في حين أن التنظيم كان يبيعه بسعر يتراوح بين 10 و 12 دولاراً للبرميل. وبما أنّ التنظيم لا يتكبّد أية أعباء من قبيل الاستثمار الأوَّليّ، فإن جمیع ھذه المصاریف الأولیة ھي بالنسبة إليه تکالیف منخفضة. فكلّ ما في الأمر أنّ التنظيم ينفق تكاليف الصيانة والتشغيل فقط. لهذا السبب كان باستطاعته البيع بأسعار منخفضة جداً ولكنّه استمرّ في تكبّد الخسائر، حيث أن تكلفة التشغيل للبرميل تبلغ حوالي 16 دولاراً.
حايد حايد: لذلك لم يكن لهذا أي تأثير على النظام على الإطلاق؟
أسعد العشّي: كان للعقوبات تأثير محدود، وأدت إلى صعوبة وصول النظام إلى الموارد المالية، ولكن عندما يكون لديك دول مثل روسيا وإيران المستعدة لإقراض النظام وتزويده بالسيولة المالية، فإن التأثير سيكون محدوداً، خاصة عندما تكون هذه العقوبات على مستوى الدول وليست عقوبات على مستوى الأمم المتحدة.
حايد حايد: يستخدم النظام أيضاً المساعدات الإنسانية، وخاصة المساعدات التي تقدمها وكالات إنسانية مختلفة داخل سوريا، للتغلّب على العقوبات والصعوبات المالية التي تواجهها.
أسعد العشّي: نعم، يجري هذا من خلال عمليات الشراء. وتشمل العقوبات المفروضة على النظام -مثل تلك المفروضة على قطاع الدفاع- حظر الشراء، لذلك لم يتمكن النظام من شراء الكثير من الأشياء التي يحتاجها – دعنا نقول، لإصلاح بعض المحطات الكهربائية أو محطات الضخ. ويحاول النظام السوري الاستفادة إلى أقصى حدّ من وجود وكالات الأمم المتحدة على أراضيه حتى يتمكن من شراء كل ما لا يمكنه شراؤه من جرّاء للعقوبات.
ومن أجل تجاوز العقوبات المختلفة، يعتمد النظام على الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر للقيام بعملية الشراء نفسها. فالوكالات لا تخضع للعقوبات، لذلك يمكن لبرنامج الغذاء العالمي (WFP) شراء كل ما يريد، حتى لو كان استخدامه للسلع سيتمّ في سوريا، ويمكن للجنة الدولية للصليب الأحمر أن تفعل الأمر نفسه، وكذلك لمنظمة الصحة العالمية، وهلمَّ جراً وهكذا دواليك. استفاد النظام من وجود الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، ولجنة الصليب الأحمر الدولية، بما في ذلك مختلف منظمات الصليب الأحمر، التي افتتحت مكاتب في دمشق، وقد فعَلَ النظام ذلك لتجاوز العقوبات والتمكّن من شراء كل ما يحتاجه للعمل.
هناك مثال واضح على انتهاك هذه العقوبات، وهو شراء بعض المعدات المعقدة لبنك الدم في دمشق. فخلافاً لما عليه الحال في الكثير من الدول، يدار بنك الدم في دمشق من قبل وزارة الدفاع وليس من قبل وزارة الصحة. ومعظم المعدات هناك تابعة لوزارة الدفاع وهي في خدمة هذه الوزارة.
كانت الدولة السورية بحاجة إلى بعض المعدات المتطورة- أعتقد أنها للتحاليل المخبرية، وما إلى ذلك. لم تتمكن الحكومة من الحصول عليها لأن وزارة الدفاع معاقبة، لذلك جرى التصرّف من خلال بنك الدم لشرائها. وقد طلب بنك الدم من منظمة الصحة العالمية القيام بالمشتريات نيابة عنه، وقامت منظمة الصحة العالمية بذلك.
وقد أبرم النظام بالفعل اتفاقاً بين منظمة الصحة العالمية وبنك الدم، وهو انتهاك واضح لجميع برامج العقوبات، حيث أن رئيس بنك الدم هو في الواقع ضابط برتبة لواء في الجيش. تتوفر الوثائق التي تُظهِرُ الموافقة على هذه المعاملة، وقد نُشِرت في العام الماضي عندما أطلقت “الحملة السورية Syrian Campaign ” حملةً حول مساعدات الأمم المتحدة وأثرها على الصراع السوري.
حايد حايد: هناك أيضاً الأموال التي يتلقاها النظام مباشرة من خلال المنظمات غير الحكومية المنتسبة له، مثل البستان، التي أنشأها رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، والتي لا تزال تتلقى الأموال من الأمم المتحدة، وهي إحدى مُنفِّذي وكالات الأمم المتحدة من حيث تقديم المساعدات الإنسانية لمجموعات مختلفة حيث يحدد النظام مكان توزيع المساعدات وعلى من سيتمّ توزيعها.
أسعد العشّي: هذا صحيح تماماً، ليس ذلك فحسب، بل إن الأمر يتعدّى هذا النطاق. إذا نظرتم على سبيل المثال إلى المكان الذي يقع فيه مقرّ جميع موظفي الأمم المتحدة أو مكان إقامتهم، فستجدون أنَّ معظمهم يقيمون في فندق “فور سيزونز” في دمشق. وتعود ملكية الفورسيزونز إلى وزارة السياحة، التي تخضع للعقوبات أيضاً، ولكن الأمم المتحدة تمكنت من دفع 9.5 مليون دولار لفندق فورسيزونز في عام 2015 لتكاليف الإقامة. ويذهب 40 في المائة من تلك الأموال مباشرة إلى وزارة السياحة – وبالتالي إلى الدولة السورية أو النظام السوري.
أما بالنسبة للبستان، فلديها في الواقع ذراع شبه عسكرية خاصة بها، لأنها تدير مجموعة من الميليشيات التي ترعاها الدولة. ولديها ذراع إنساني، ولكن أيضاً ذراع شبه عسكري. إلا أن اليونيسف تمكنت من إعطاء البستان نحو 250 ألف يورو لمشروع دعم نفسي اجتماعي في ضواحي حمص. تخيّل أنك تقدم المال لمجموعة شبيحة تدير هيكلاً شبه عسكري – لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي!
وهناك أمثلة أخرى، فمثلاً، يجب أن تحظى جميع قرارات التوظيف المحلية في وكالات الأمم المتحدة بموافقة المخابرات السورية. إذا أراد شخص ما العمل لبرنامج الغذاء العالمي في دمشق أو منظمة الصحة العالمية أو لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أو أي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة، فإن ذلك يجب أن يتم بترخيص من قبل المخابرات السورية ليكون قادراً على العمل هناك.
ليس ذلك فحسب، بل إنّ التوظيف يجب أن يتم حصراً من خلال الهلال الأحمر العربي السوري. لديك مستويان من السيطرة للمخابرات، لضمان أنّ الأشخاص الذين يتدبّرون أمر الوصول إلى هذه الوكالات- على المستوى المحلي- هم أشخاصٌ موالون للنظام بشكلٍ واضح.
وأخيرا وليس آخراً، نرى كيف يستخدم النظام مسألة إتاحة الوصول إلى المناطق التي تحتاج إلى الإغاثة، وقد استخدم النظام سياسات الحصار والتجويع لسنوات: في الغوطة الشرقية الآن، ولكن قبلها في مضايا والزبداني، في المعضمية، وفي داريا، إلخ، حيث كان يحاصر بلدة ويقيّد أو يحظر تماماً الوصول إليها. لم تتمكن الأمم المتحدة من فعل أي شيء حيال ذلك، بسبب الخوف من إلغاء تأشيرات موظفيها وعدم السماح لهم بالدخول إلى دمشق مرة أخرى.
وأدت إساءة استخدام مبدأ السيادة من قبل النظام إلى استفادته من وجود الأمم المتحدة. فأولئك الذين يزعجون النظام تمّ إلغاء تأشيراتهم وطُلِبَ منهم المغادرة، مثلما حدث لخولة مطر.
لينا الخطيب: ما هي العلاقة بين النظام والمنظمات غير الحكومية المؤيدة له والتي أنشأتها الميليشيات المختلفة الموجودة حالياً في مناطق النظام؟ كيف يتم تنظيم هذه العلاقة؟
أسعد العشي: هناك مستويان من التنظيم، توجد لائحة تنظيمية على المستوى الوطني تدار من قِبَل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صلاحية تسجيل الجمعيات المختلفة. وهناك إجراء يمكن من خلاله التقدم بطلب للحصول على تصريح، ولكنه لا يعطي الحق في الحصول على التمويل الأجنبي. ومن أجل الحصول على التمويل الأجنبي، يتعين على المنظمات غير الحكومية أن تخضع لعملية تحريات منفصلة من خلال مختلف أجهزة المخابرات وفروع المخابرات في دمشق.
وفي حال تمكّنت المنظمات غير الحكومية من إتمام هذا الإجراء، فإنها تجد طريقها إلى قائمة تحتفظ بها وزارة الخارجية. هذا هو اسم القائمة: قائمة المنظمات التي يُسمح لها بالتعامل مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، وهذه القائمة مقيدة أكثر بكثير من القائمة الأكبر لجميع المنظمات غير الحكومية المسجلة في سوريا.
حايد حايد: وماذا عن تأثير العقوبات على المجتمع المدني في مناطق النظام؟
أسعد العشِّي: كان التأثير على المجتمع المدني في دمشق مسألةً مصرفية أولاً. وثانياً تمثّل في حقيقة أنَّ كل شيء يخضع لسيطرة الدولة ويجب أن يمرّ من خلالها.
تحاول المنظمات غير الحكومية في دمشق تجاوز مستويات مختلفة من بيروقراطية الدولة واحتكار الدولة للتمويل الأجنبي من خلال فتح المنظمات المقابِلة في لبنان، وإرسال الأموال إلى هناك ومن ثم تهريبها إلى سوريا.
نفع هذا التدبير لفترة من الوقت، ولكن الآن بات من المستحيل تقريباً فتح حساب مصرفي في لبنان للبدء من خلاله. ثانياً، حتى إذا تمكن أحدهم من فتح حساب مصرفي، عندما تبدأ البنوك برؤية سحوبات لمبالغ كبيرة من المال، فإنها تغلق الحساب فوراً، بل إنهم قد يحيلونها إلى قسم مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب في مصرف لبنان المركزي.
هناك الآن مستوىً آخر من التعقيد مع إغلاق النظام المصرفي في لبنان والصعوبات الماثلة هناك. إنَّ ما فُرِضَ على المنظمات غير الحكومية الاعتماد عليه هو شبكة مكاتب الصرافة التي تديرها شبكة من الصرافين السوريين الموجودين في جميع أنحاء العالم. عليك أن تثق في نظام الحوالة، كما يسمى الآن رسمياً، ليكون باستطاعتك الوصول إلى الأموال.
حايد حايد: ماذا عن أولئك الذين يعملون خارج مناطق النظام؟
أسعد العشّي: عندما تنظر إلى المجتمع المدني الذي يعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فإنّ التأثير الأكبر للعقوبات يتمثَّل في القيود المصرفية.
من الصعب جداً تحويل الأموال إلى سوريا اليوم، إن لم يكن مستحيلاً، لأنّ المصرف المركزي خاضع للعقوبات وكذلك المصرف التجاري الرئيسي أيضاً. مما يجعل الوصول إلى التمويل صعباً للغاية و يخضع لسيطرة الدولة 100% – أي يجب عليك المرور من خلال وكالات الأمم المتحدة، وعليك أن تكون في قائمة وزارة الخارجية لتكون قادراً على الحصول على التمويل.
ولكن خارج مناطق النظام، هناك مستوى مختلف تماماً من التعقيد لأنه لا يتعين على المنظمات غير الحكومية أن تلتزم بالعقوبات فحسب، بل عليها أيضاً أن تلتزم بعقوبات مكافحة الإرهاب ومكافحة غسل الأموال المفروضة على الكيانات المختلفة الموجودة في المناطق التي تعمل فيها.
سوف أعطي مثالاً على ذلك – نحن في بيتنا سورية لدينا مشروع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في درعا الآن. لم نتمكن من شراء مضخات المياه لمشروع المياه هذا، لأن هناك عقوبات على النظام السوري تحظر شراء أي سلعة تحتوي على أكثر من 10٪ من التكنولوجيا الأمريكية، وعلى الرغم من أن محطات الضخ ستذهب إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتحديداً إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة المعتدلة، حيث لا وجود لجبهة النصرة ولا لداعش، فإن العقوبات تسري على سوريا كلها وليست مبيّنة على مستوى الأقاليم.
وعلاوة على ذلك، يتعين على المنظمات غير الحكومية أن تبذل العناية الواجبة للتأكد من أنها لا تنتهك أياً من بنود مكافحة الإرهاب في مختلف قرارات مجلس الأمن الدولي، وأشهرها قرار مجلس الأمن رقم 2253. وقد عُدِّلَ منذ أسبوعين فقط. لا أعرف عدد قرارات مجلس الأمن الجديدة، لكن القرار 2253 يشرح بالتفصيل العمليات والإجراءات التي يجب أن نتبعها للتأكد من أن الأموال التي نقدمها – أو المعدات أو أيّاً يكن -لا ينتهي بها المطاف في أيدي الأشخاص الخطأ، وما هي العواقب التي تترتّب علينا كمنظمات غير حكومية، إذا كان ما انتهى المطاف بهذا المال أو بتلك المعدَّات إلى أيدى الأشخاص الخطأ.
لديك هذا المستوى من الصعوبة الذي عليك التعامل معه- وهو أنَّ عليك أن تثبت أنَّ جبهة النصرة، على سبيل المثال، لن تستفيد من هذا المركز المجتمعي الذي تفتحه في إدلب؛ وأنه لن يكون هناك أي شخص تابع أو مرتبط بجبهة النصرة سيحضر أياً من الأنشطة في المركز المجتمعي الذي تفتحه في إدلب.
الآن، لأن منظمتنا غير الحكومية تعمل في تركيا، علينا أن نثبت أن حزب الاتحاد الديمقراطي أو قوات سوريا الديمقراطية [قسد] لن تستفيد من هذا المركز المجتمعي أو أياً كان ما نفتتحه. وهذا هو السبب الذي دفع بالكثير، إن لم يكن بجميع، المنظمات غير الحكومية السورية التي كانت لها عمليات في الحسكة إلى التخلّي عن تلك العمليات، لأنه أصبح من المستحيل تقريباً العمل في الحسكة انطلاقاً من تركيا في الوقت الذي تمتثل فيه للقوانين المختلفة.
وخلافاً لما يعتقده الكثيرون -بأنه من الأسهل فعلاً العمل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مقارنة بالمناطق التي يسيطر عليها النظام – إلا أن ذلك في الحقيقة أكثر صعوبة بعشر مرات، لأنك في المناطق التي يسيطر عليها النظام يجب أن تلتزم فقط بالعقوبات المفروضة على النظام السوري، بينما يتعين علينا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة الامتثال لثلاث أو أربع آليات مختلفة للعقوبات.
حايد حايد: في الختام، ما هي بعض التوصيات التي تقترحها؟
يتم استخدام العقوبات سياسياً وبدوافع سياسية دون مراعاة أثرها على الحياة اليومية للناس.
فالعقوبات أداة سياسية للضغط، غيرَ أنَّ المجتمع الدولي بحاجة إلى التأكد من أنه حين يطبق هذا الضغط السياسي على أي كيان، فإنه لا يدمّر سبل معيشة الآلاف، إن لم يكن الملايين من الناس، مثلما يجري اليوم في سوريا.
أنا أؤيد بالتأكيد الحاجة إلى فرض عقوبات لمكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب. ولكنني أعتقد أن العقوبات تحتاج إلى تنقيح وتعديل من أجل التكيّف مع الكارثة الإنسانية التي نشهدها في سوريا حالياً.
عندما ننظر إلى العقوبات المفروضة على النظام السوري، فأنا بالتأكيد أؤيد تماماً جميع العقوبات المفروضة على الأفراد أو المنظمات التي ساهمت في القتل والتي ساهمت في الفظائع والمذابح التي نراها اليوم ورأيناها من قبل في سوريا. لا بد من الإبقاء على هذه العقوبات.
ولربما يمكن تعديل بعض العقوبات المفروضة على مؤسسات الدولة، مثل المصرف المركزي – ليس بالضرورة رفعها، ولكن ربما التخفيف منها.