قبل أن تتمكن سوريا من التفكير في الديمقراطية بعد انتهاء الصراع، ينبغي عليها أولاً التعامل مع مسألة انتشار الجماعات السياسية المسلحة.
يرى العديد ممن ينظرون في إيجاد حلّ للصراع السوري أنَّ الانتخابات المتعددة الأحزاب ستكون جزءاً من مستقبل سوريا. غير أنَّ التحول السياسي الحقيقي يجب أن يأخذ في الاعتبار المدى الذي وصلت إليه عسكَرة السياسة في البلاد.
لقد أتاحت الأزمة السورية للأحزاب السياسية الفرصة لإقامة أجنحة عسكرية خاصة بها، فضلاً عن تشجيع القوات العسكرية السورية وغير السورية على تشكيل جبهات سياسية. وبدون ضمانات جدِّية وجهود للتسريح، فإنّ من المرجح أن تخلق الانتخابات “نظاماً من الميليشيات” مع قدرٍ قليل من الشرعية أو الاستقرار.
الجيوش الخاصة
تاريخياً، كان للأحزاب السياسية السورية العديد من الأجنحة العسكرية. فقد شُكِّلَت بعض اللجان العسكرية بهدف الاستيلاء على السلطة، مثلما جرى في حالات الناصريين والبعثيين. كذلك شكَّل آخرون، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، كيانات شبه عسكرية لمحاربة النظام، وقد أفضى ذلك كلّه إلى موجات من عدم الاستقرار السياسي.
وقد تكرّر السيناريو نفسه خلال الأزمة السورية، حيث وجدت الأحزاب القديمة والجديدة، سواءً الثورية أو المؤيدة للنظام، في الأزمة فرصة لتحقيق مكاسب سياسية باستخدام القوة. وفي الوقت نفسه، تحاول الجماعات المسلحة، السورية وغير السورية، تحويل نفسها إلى هيئات سياسية أو مدنية للحفاظ على دورها ونفوذها في المستقبل.
وعلى الرغم من وجود قانون يحظر ذلك، إلاّ أنّ عدة أطراف متحالفة مع النظام أنشأت كيانات عسكرية تخصّها. على سبيل المثال، نسور الزوبعة، الجناح العسكري للحزب القومي الاجتماعي السوري، الذي يصل عدد أفراده إلى 2500 مقاتل. كذلك تضم حركة الاشتراكيين العرب جناحاً عسكريا مكوناً من مقاتلين عشائريين، بينهم نحو 2200 جندي يتبعون لثلاثة قادةٍ غالباً ما يكونون على خلاف. وذكَرَ صفوان قدسي، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي أن لدى الحزب قوة احتياطية مكونة من 700 مقاتل.
كذلك يضم حزب البعث الحاكم كتائب البعث التي يقدر عدد أفرادها بحوالي 15 ألف شخص، بمن فيهم المقاتلين والمدرِّبين المدنيين العاملين في الجامعات والمراكز الحكومية.
وتقوم معظم الأحزاب السياسية المرخصة في سوريا بنشر صور على مواقعها الرسمية تعبِّر عن تعازيها لأُسَر المتوفين، دون أن تذكر ما إذا كانوا في الجيش أو في القوات الاحتياطية.
ولحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) جناحاً عسكرياً يدعمه حزب العمال الكردستاني (PKK)، ويتراوح عدد أفراده بين 10 آلاف و 15 ألف مقاتل ضمن تشكيلات وحدات حماية الشعب YPG ووحدة حماية المرأة YPJ. كذلك فإن العديد من الأحزاب الأخرى الموالية لحزب الاتحاد الديمقراطي لديها أجنحة مسلحة، مثل فصيل سوتورو التابع لحزب الاتحاد السرياني والذي يضمّ 1000 مقاتل، وحرس الخابور الذي يتبع حزب الاتحاد الآشوري ويضمّ في عداد قرابة 200 شخص.
ولدى حركة الغد السورية المعارضة، بقيادة أحمد الجربا قوة النخبة التي تضمّ 1000 مقاتل. كما أنشأ الإخوان المسلمون قوة لحماية المدنيين، ثم أنشأوا قوة درع الثورة قبل انضمامهم إلى فصائل أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، بدأت الجماعات المسلحة مثل الميليشيات الشيعية والفصائل الجهادية في التعبئة السياسية. وقد كشفت بعض المصادر أن قوات الرضا (ميليشيات شيعية سورية) سعت إلى مساعدة حزب الله اللبناني وإيران لكسب دعم الشيعة السوريين بهدف ضمان التمثيل في مجالس البلديات ومجلس المحافظة في حمص. وقد شكلت جبهة تحرير الشام جبهة سياسية تحمل اسم “حكومة الإنقاذ” تهدف إلى فرض سيطرة الجماعة على المجالس المحلية. كما حاولت فصائل المعارضة الأخرى السيطرة على المجالس المحلية من أجل كسب الشرعية وضمان النفوذ.
دوامة عدم الاستقرار
إن عسكرة الأحزاب السياسية والهيئات الحكومية تنطوي على مخاطر جسيمة تهدِّد أي شكل من أشكال الحل السياسي في سوريا وتقوّض حكم الدولة. وعلاوة على ذلك كله، لدينا المخاطر المتمثّلة في الجهات الفاعلة السورية وغير السورية على حد سواء التي تستخدم الواجهات المدنية في محاولاتها للسيطرة على الحكومة الحالية والمجالس المحلية أو اختراق هيكل الدولة.
فالحياة السياسية السورية تفتقر إلى المؤسسات التي يمكن أن تخفف من خطر محاولات الاستيلاء على الدولة أو انتشار العصابات. لذا فإنّ الاندفاع بسرعة نحو الانتخابات في الوقت الذي لا تزال فيه هذه الجماعات موجودة، وبدون ضمانات ديمقراطية خطيرة، هو مسار مؤكد للدخول في مزيد من عدم الاستقرار السياسي والعنف.