كانت محافظة السويداء في جنوب سوريا وجهةً للعديد من المدنيين الذين يلتمسون اللجوء من قصف النظام السوري وحصاره لأجزاء من درعا وحمص وإدلب وحلب وريفَي حلب ودمشق، وكذلك لأولئك الذين فرُّوا من هجمات داعش في الرقة ودير الزور.
وعلى الرغم من الهدوء الظاهر في مدينة السويداء، إلا أن هناك عنفٌ يعتمل ضمنياً، وقد بدأ ذلك منذ عام 2012 مع متقلِ الناشِطَين خلدون شقير ومعان رضوان، تلَتهُ عمليات اغتيال لشخصيات بارزة في المدينة من بينها اغتيال شيخ الكرامة وحيد البلعاس في أيلول/سبتمبر 2015.
مع ذلك، تختار العائلات النازحة، المعروفة محلياً باسم "الوافدين"، البقاء في السويداء التي يرون أنها منطقة آمنة نسبياً تمنحهم أفضل فرصة للبقاء.
يقدِّر الهلال الأحمر أن هناك 11000 عائلة في السويداء اليوم يعيش معظمهم في عاصمة المحافظة، بينما تتوزع البقية على جميع أنحاء الريف. العديد من هذه العائلات بلا رجال، إذ إنَّ الرجال إمَّا قُتلوا أو قُبض عليهم أو اختفوا قسراً أو أنهم يقاتلون في صفوف جماعات معارضة مسلحة في مناطق خارجة عن سيطرة النظام.
منذ بداية موجة النزوح هذه، استوعبت ثلاث مدن رئيسية في المحافظة الأشخاص النازحين داخلياً وهي: السويداء وشهبا وصلخد. ويتحمل السكان المحليون عِبء المسؤولية عن تزويد النازحين بالضروريات مثل السكن والغذاء والعلاج الطبي، بالإضافة إلى مساعدة أطفالهم على العودة إلى المدرسة.
في الفترة التي امتدت بين عامَي 2011 و2013، كانت أكثر الجماعات الإنسانية المحلية نشاطاً في السويداء مؤلفة من الشباب، إلاَّ أنَّ العديد من الشباب فرّوا بعد ملاحقتهم من قبل قوات الأمن أو لمحاولة التهرّب من التجنيد العسكري. ومع استمرار النزاع، فتحت الحكومة المدارس لاستقبال النازحين، كذلك أُنشِأ مركز إسكان في مخيم الطلائع السابق، بالإضافة إلى المعسكرات الموجودة في عرى وكناكر، بهدف استيعاب الوافدين.
النازحون من السويداء وسوق العمل
توفِّر السويداء فرص عمل للأشخاص النازحين داخلياً بناءً على المكان الذي استقروا فيه، فأولئك الموجودون في المخيمات يعملون في المحاصيل الزراعية، إذ يعملون في قطاف التفاح والطماطم، بينما يعمل أولئك الموجودون بالقرب من المنطقة الصناعية في رساس أو شهبا في صناعة الأثاث أو في صيانة ميكانيك السيارات على الأغلب. ويعمل العديد من الوافدين الذين يعيشون في وسط المدينة كبائعين على العربات أو مساعدين للمبيعات في المتاجر.
وفقاً لمنظمة الهلال الأحمر في السويداء، يقتصر عمل النساء اللواتي يبقين في المنازل على نسج الصوف والتطريز، وهذا هو السبب في هجرة المزيد من النساء إلى المدينة حيث توجد مجموعة واسعة من الوظائف، بما في ذلك العمل في السكريتاريا وفي محلات بيع الملابس أو العمل في الخياطة أو في تنظيف المنازل.
يواجه الوافدون الذين استقروا في مركز الإسكان في معسكر الطلائع مشكلة عدم القدرة على المغادرة إلاَّ بموافقة رسمية، حتى أولئك الذين يُنقلون بسيارة إسعاف يجب أن يكونوا برفقة أفراد الأمن من وإلى المستشفى. وهذه السياسة هي جزء ممَّا يُسمى بـ "الاستقصاء السياسي" الذي تُجريه قوات الأمن لكل وافدٍ جديدٍ إلى المركز.
الفرص التعليمية للأطفال النازحين داخلياً
تكافح العديد من أسر النازحين داخلياً للتغلب على العقبات القانونية المرتبطة بعدم وجود أوراق هوية نتيجة نزوحهم، فمعظم الأطفال الذين تبلغ أعمارهم تسعة أعوام أو أقل غير مسجلين في "دفتر العائلة"، إذ إنَّ التسجيل يكون عادة في المدينة أو البلدة التي تُمثِّلُ مسقط رأس المواطن السوري، ويتعذّرُ تسجيل هؤلاء القاصرين في معظم المناطق التي هاجر إليها الناس، بما في ذلك السويداء.
ومع أنَّ هناك اتفاق بين الهلال الأحمر ومديرية التعليم في المحافظة يضمن أن الأطفال ممن لا يحملون أوراق هوية لن يفقدوا حقهم في التعليم، إلاَّ أنَّ الأطفال يواجهون عقبات أمام التحصيل العلمي من قبيلِ انتشار عمالة الأطفال وكذلك الافتقار إلى الإلحاح من جانب بعض الأسر لإرسالهم إلى المدرسة بسبب نقص الموارد المالية. وعلاوة على ذلك، تواجه العديد من الفتيات في سن 14 و15 احتمال الزواج المبكر.
عودة النازحين إلى أماكنهم الأصلية
يهاجر معظم الوافدين إلى السويداء لأنهم لا يستطيعون مغادرة سوريا أو لأن شمل عائلاتهم قد تفرَّق، إذ يحاول الآباء البقاء أقرب ما يمكن من أبنائهم الذين سُحِبوا إلى التجنيد أو سُجِنوا. وفي الوقت الراهن، ما تزال أماكنهم الأصلية مثل حمص وحلب وريف دمشق (التي استعادها النظام ولم تعد تتعرض للقصف) غير صالحة للسكن بسبب مستوى الدمار ونقص الخدمات.
ويزيد الأمر تعقيداً ما تطلبه الحكومة من ناحية الوثائق والإجراءات الخاصة بالسوريين للعودة إلى مدنهم وبلداتهم التي كانت ثائرةً في السابق. هناك من عادوا وواجهوا تحدي البدء من جديد، وقد عاد آخرون لرعاية المسنّين في أسرهم الذين يرتبطون عاطفياً بمنازلهم. وفي بعض الأحيان، تبقى الأمهات لكي يتمكن الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، بينما يعود الآباء للاعتناء بالمزارع والمنازل، في حال أنها كانت لا تزال سليمة.