في 15 آذار/ مارس 2019 عقد مشروع تشاتام هاوس “سوريا من الداخل” المستضاف ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤتمراً عاماً بعنوان “مستقبل سوريا: نحو بناء السلام الشامل”.
نُظِّمَ المؤتمر في أربعة أفرقة مواضيعية وجَمَع صناع السياسات والخبراء والأكاديميين وقادة المجتمع المدني للوقوف على التحديات المؤسسية والاجتماعية الاقتصادية الرئيسية أمام تحقيق الاستقرار في سوريا وتقديم توصيات في مجال السياسات لدعم عملية بناء السلام الشامل.
الجلسة 2: سياسة إعادة الإعمار
المتحدثون:
- ستيفن هايدمان – كلية سميث
- نادر قباني – مركز بروكنجز الدوحة
- عليا مبيض – جيفريز الدولية
مدير الجلسة: نيل كويليام، تشاتام هاوس
دمرت الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات معظم البنية التحتية في سوريا، ما جعل فاتورة إعادة الإعمار مكلفة وخاضعة للسياق السياسي والاستقطاب، الأمر الذي من شأنه تأكيد الدور الحاسم الذي ستلعبه هذه العملية في إعادة صياغة مستقبل البلاد.
بحسب ما أوضحه ستيف هايدمان، هناك رؤى متضاربة متعددة عندما يتعلق الأمر بما تهدف إعادة الإعمار إلى تحقيقه. على سبيل المثال، هناك رؤية النظام لإعادة الإعمار ورؤية الاتحاد الأوروبي، وكذلك مسارات إعادة الإعمار الأخرى التي يمكن تخيُّلها. ومع ذلك، في الوقت الحالي لا تزال سوريا بعيدة عن رؤية إعادة الإعمار الشاملة والهادفة.
وأشار هيدمان إلى أن إعادة الإعمار يجب أن تكون هادفةً وشاملة، يجب أن تكون عملية لا تنتُج عن برامج تهدف فقط إلى إعادة سوريا إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام 2011. إن عملية إعادة الإعمار الشاملة والفعالة هي عملية لا تضفي الشرعية على النتيجة الحالية من الناحية العسكرية، وهي عملية لا تكتفي بمجرد تكريس إعادة توطيد السلطة وإضفاء الصبغة الدستورية عليها وإعادة توزيع الحصول على الموارد والفرص الاقتصادية بطرق تعكس الظروف الناجمة عن الصراع.
التحدي الماثل هو أن النظام لا يقدم أي فرصة للدفع بعملية إعادة إعمار أكثر تمايزاً، والأمر الأكثر تحدياً، كما أوضح المتحدثون، هو كيف ينزِع النظام إلى تصور إعادة الإعمار كفرصة لمكافأة أولئك الذين ظلّوا موالين له أثناء الانتفاضة.
في الوقت الحالي، يشارك النظام وحلفاؤه في مشاريع إعادة الإعمار العمرانية التي يمكن أن تجعل عودة المواطنين في بعض المناطق مستحيلةً بصورة دائمة من خلال سياسات إعادة الهندسة الديموغرافية. تُستخدم نسخة النظام لإعادة الإعمار كأداة لإعادة تأكيد سيطرته على الموارد واكتساب النفوذ داخل المجتمعات المحلية، لذلك من المهم الحفاظ على سياسة إعادة الإعمار التي تعكس رفض هذه الممارسات.
وبحسب ما أكّده هايدمان، يتعين على صانعي السياسة ضمان عدم استخدام عملية إعادة الإعمار لتجديد النظام الاستبدادي ويتعيّن الحرص على وجود إقرار بضرورة توفير الأمن والدعم للمجتمعات المحلية التي فرَّت من الحرب لجعل أفرادها يشعرون أن بإمكانهم العودة إلى منازلهم وإعادة البناء وعدم الشعور بالتهديد من قبل النظام.
ومع ذلك، وفقاً لما أبرزه نادر قباني، على الرغم من أنه سيكون من الضروري وجود مبادئ توجيهية واضحة مثل الشمول والفعالية، فمن المهم أيضاً النظر في إعادة الإعمار من منظور مختلف بهدف التفكير في الاحتمالات في ضوء الوضع في سوريا. وقد جادل قبّاني بأن إعادة الإعمار على نطاق صغير، أو إعادة الإعمار على نطاق مستهدف، يمكن أن تكونا من بين الخيارات التي يجب النظر فيها في سوريا حتى لا يقتصر نقاش إعادة الإعمار على منهج يتصور العملية كعملية تُدارُ “بكبسة زِرّ”.
فيما يتعلق بمشاركة الجهات الفاعلة الخارجية، ناقشت الجلسة نوعين من الجهات الفاعلة، أولئك المنخرطون بالفعل والذين ليست لديهم موارد كافية، مثل روسيا وإيران، مقابل أولئك الذين لديهم قدرات فائصة، مثل دول مجلس التعاون الخليجي وقطاعات بنائها، ولكنَّ الحافز الذي يدفعهم للدخول في إعادة الإعمار في سوريا هو مواجهة إيران. كذلك قد تشارك الصين في محاولة لاستخدام سوريا في السياق الصناعي العالمي الخاص بها.
ومع ذلك، أوضح المتحدّثون أنه من المهم مراعاة مستوى التعقيد لهذه العملية، فمن خلال استخدام لبنان كحالة مقارنة، قالت علياء مبيض إن من المهم التأكيد أن عملية إعادة الإعمار لا تحتاج فقط إلى التركيز على حل سياسي ولكن أيضاً على جوانب الحكم وبناء المؤسسات كي لا تفوّت فرصة إعادة تشكيل الاقتصاد بطريقة صِحيّة أكثر. يجب إلقاء نظرة متأنية على الأسباب الأساسية التي هي بشكل أساسي اجتماعية اقتصادية، من عدم المساواة إلى التخطيط العمراني والسياسات الصناعية. ومن ضمن بعض التوصيات التي قدمتها مبيّض، ينبغي التركيز على التعليم من أجل برامج السلام وآليات التمويل الأصغر على نطاق واسع وإعادة بناء النسيج الاجتماعي والتماسك.
وعلى سبيلِ وضعِ توصيات لصانعي السياسات فيما يتعلق بإعادة الإعمار في سوريا، حددت الحلقة النقاشية بعض النقاط الرئيسية التي يجب أخذها في الاعتبار لضمان أن تكون أي عملية إعادة إعمار شاملة وفعالة وقبل كل شيء تصبُّ في صالح الشعب السوري. أكد المتحدثون على الحاجة إلى ضغوط سياسية دولية لتهيئة الظروف لهذه العملية ولإنشاء تحالف دولي لمعالجة المظالم الشعبية، وبناء الوظائف المحلية وتمويل مشاريع سبل العيش، مع تأييد النهج العام الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي في ربط مشاركته في إعادة الإعمار بـالحل السياسي.
يُعتبرُ وضع اللاجئين السوريين والمشردين داخلياً أحد أبعاد عملية إعادة الإعمار الشاملة، وإن الانخراط في المزيد من المبادرات المجتمعية وتطبيق الأساليب من القاعدة إلى القمة التي تشمل المجتمع المدني كلها أمور مهمة لإيجاد مدخل يستند إليه الشعب السوري كأساسٍ لإعادة الإعمار. يحتاج المانحون أيضاً إلى تفعيل المشروطية؛ يجب أن يكونوا على استعداد لإيقاف التمويل إذا استُخدمت أموال إعادة الإعمار وكذلك المساعدات الإنسانية للأغراض الخاطئة.