في 15 آذار/ مارس 2019 عقد مشروع تشاتام هاوس “سوريا من الداخل” المستضاف ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤتمراً عاماً بعنوان “مستقبل سوريا: نحو بناء السلام الشامل”.
نُظِّمَ المؤتمر في أربعة أفرقة مواضيعية وجَمَع صناع السياسات والخبراء والأكاديميين وقادة المجتمع المدني للوقوف على التحديات المؤسسية والاجتماعية الاقتصادية الرئيسية أمام تحقيق الاستقرار في سوريا وتقديم توصيات في مجال السياسات لدعم عملية بناء السلام الشامل.
الجلسة الأولى: ديناميات اقتصاد الصراع
المتحدثون:
- بسمة علوش – المجلس النرويجي للاَّجئين
- حايد حايد – تشاتام هاوس
- سنان حتاحت – مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
مديرة الجلسة: إيما بيلز- سيريا إن كونتيكست (Syria in Context)
كان للحرب آثارُها الكبيرة على الاقتصاد السوري نظراً للتدمير الشامل الذي لحق برأس المال المادي والإصابات الهائلة وفقدان الوظائف والهجرة القسرية، من بين الآثار الاقتصادية الأخرى التي خلَّفت 12 مليون شخص داخل البلاد ممن هم في حاجة إلى المساعدات الإنسانية. وبحسب ما أوضحته بسمة علوش بالأرقام، تقلَّص الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة 61 ٪ بين عامي 2011 و2015 وذلك وفقاً للبنك الدولي. كذلك انخفض إجمالي الناتج المحلي النفظي بنسبة 93 ٪ والناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 53 ٪ بوجود ثلاثة قطاعات رئيسية تُمثل القطاعات الأكثر تضرراً هي: السياحة والنفط والغاز والتصنيع.
كانت الزراعة على سبيل المثال تُؤمّن فرص عمل لما نسبته 20-40 ٪ من السكان السوريين في عام 2006 وكانت تُشكّل حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي؛ ومع ذلك تقلَّص هذا القطاع بنسبة 40 ٪ على الأقل بعد تعرّضه لخسائر بلغت قيمتها 16 مليار دولار من وتحوّل إلى مجرد قطاع للاكتفاء الذاتي وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) في عام 2016. وأضافت علوش بأنّ من المتوقّع أن تكون الخسائر أعلى بكثير اليوم.
أدى انتشار البطالة على نطاق واسع إلى ارتفاع معدلات الجريمة والنهب والانضمام إلى الجماعات المسلحة وعمل الأطفال والزواج المبكر والدعارة والإتجار بالأعضاء كاستراتيجيات سلبية في التأقلُم. كذلك يشكّل الحصول على فرص العمل المتاحة مشكلة كبيرة، إذ لم يعد السكان الذين كانوا تحت الحصار قادرين على الوصول إلى فرص كسب العيش، وقالت علوش إنه في الوقت الذي يركز معظم المانحين بشكل أساسي على الاستجابة لحالات الطوارئ والمساعدة العينية بدلاً من برامج القدرة على الصمود وسبل العيش، ينبغي بذل المزيد من الجهود في التركيز على القدرة على الصمود الفردية والمجتمعية.
من ناحية أخرى هناك تنافس متزايد بين الأطراف الخارجية المتعددة بالتعاون مع الجهات الداخلية التي تحاول الاستفادة من اقتصاد الصراع السوري. قدَّم سنان حتاحت تحليلاً متعمقاً لتصوُّرَين رئيسيين يبدو أنهما يهيمِنان على النقاش السياسي حول سوريا في الوقت الراهن. الأول، وفقًا لحتاحت، هو التصوّر الذي يرى أن النظام قد كسِب الحرب، وبالتالي فإن المرحلة التالية ستكون بناء الاقتصاد، في حين يرى التصور الثاني أنَّ روسيا، إلى حد كبير، لديها القدرة والاستعداد لمواجهة إيران في سوريا وهي فكرة تبدو جذابة بشكل خاص لبعض دول الخليج العربي.
إلاَّ أنه على الرغم من أهمية التدخل الروسي – الإيراني في إنقاذ النظام ومساعدته في الحفاظ على السيطرة على المدن الكبرى وكون روسيا وإيران في وضع جيد لجني فوائد المرحلة التالية، إلاَّ أن انتعاش الاقتصاد السوري سوف يتطلب استثماراً هائلاً في قطاعات مختلفة قد لا تكون مغريةً لروسيا ولا لإيران إذ إنَّ كليهما يتبعان نهجاً انتهازياً للغاية حينما يتعلق الأمر بالاقتصاد السوري، وفقاً لحتاحت.
كِلا روسيا وإيران على استعداد للاستثمار فقط في قطاعات معينة تتميز بعائد استثمار أسرع مثل قطاع النفط والغاز والطاقة. وبينما تشلُّ العقوبات الدولية إيران وقد لا تكون قادرة على توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، إلا أنها قد تسعى إلى أن تكون أكثر فاعلية من خلال التجارة بدلاً من الاستثمار المباشر. من ناحية أخرى، ليس لروسيا مصلحة أو قدرة على الاستثمار في إعادة بناء الاقتصاد السوري وفقًا لحتاحت.
في حين تميل كل من روسيا وإيران إلى استخدام الاقتصاد كأداة للسيطرة على النظام السوري، يرى حتاحت بأن روسيا تُطبِّق نهجًا من أعلى إلى أسفل في مساعدة النظام على إعادة بسط سلطته على الأراضي السورية وفي نهاية المطاف على الاقتصاد السوري، بينما تميل إيران إلى تبني نهجٍ هجين، إذ تستثمر أكثر في المجتمعات المحلية الموالية في مناطق مثل حلب وشرق سوريا حيث توفّر أعلافاً منخفضة الأسعار للماشية في محاولة لكسب قلوب وعقول السكان المحليين. وقال حتاحت إن النظام قد يستعيد سلطته على بعض المناطق والقطاعات ويحاول اللعب على الحبال بين الإيرانيين والروس وهو ما تجلَّى بالفعل في حالات معينة حيث وعد النظام ببعض المزايا والعقود للإيرانيين لكنّه منحها للروس.
وفي معرض تعليقه على تأثير الوضع الاقتصادي على ديناميات الصراع وقدرة النظام على الحفاظ على وظائف الدولة، أكد حايد حايد أنه على الرغم من استعادة النظام لما يصل إلى 65 ٪ من الأراضي السورية إلاَّ أنه لا يتمتع بوصول غير محدود إلى جميع المناطق الواقعة تحت سيطرته. على سبيل المثال، في درعا، كان هناك اتفاق بين أحمد العودة، قائد قوات فصيل شباب السنة من جهة، والروس من جهة أخرى، يمنع النظام من دخول المنطقة.
الأهم من ذلك أنَّ النظام يفتقر إلى الموارد المالية لدفع رواتب أفراد الميليشيات المتحالفة معه، ما يؤثر على قدرة الدولة على مستويين. فأولاً، لم يعد النظام هو القوة الوطنية الوحيدة، بل هو أحد العناصر الفاعلة، إذ توجد الآن قوى موازية وشبه رسمية أخرى مثل الفرقة الرابعة المدرعة والفيلق الخامس وقوات الدفاع المحلية. وثانياً، لا تزال سيطرة الدولة العسكرية أبعد ما تكون عن ضمان الخدمات والحماية والاستقرار في تلك المناطق، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأمن والسيطرة على الاقتتال الداخلي بين الجماعات المتحالفة معها. وبحسب ما أبرزتهُ الحلقة النقاشية، يستخدم النظام إعادة الإعمار كأداة لإعادة تأكيد سلطته ومكافأة أتباعه الموالين وتعزيز الشبكات الموالية. علاوة على ذلك، فرض النظام سيطرة هائلة على العمل الإنساني لتسخيره لمصلحته الخاصة والتحكم في وصول الجهات الإنسانية الفاعلة إلى المناطق الخاضعة لسيطرته. وفقاً لما قاله حايد، على الرغم من أنَّ عدم إلحاق الضرر يُعدُّ مبدءاً أساسياً في العمل الإنساني، إلا أن الكثير من الضرر قد وقع حتى الآن، وهو ما يؤكد أن المنظمات غير الحكومية الدولية بحاجة إلى كبح محاولات النظام لفرض الإملاءات حول طريقة عملها وينبغي لها أن تعمل بصورة جماعية. وخلُص حايد إلى أنه لا ينبغي استخدام ضغوط حظر العمل في سوريا كمبرر لقبول ما يحاول النظام فرضه.