في 15 آذار/ مارس 2019 عقد مشروع تشاتام هاوس “سوريا من الداخل” المستضاف ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤتمراً عاماً بعنوان “مستقبل سوريا: نحو بناء السلام الشامل”.
نُظِّمَ المؤتمر في أربعة أفرقة مواضيعية وجَمَع صناع السياسات والخبراء والأكاديميين وقادة المجتمع المدني للوقوف على التحديات المؤسسية والاجتماعية الاقتصادية الرئيسية أمام تحقيق الاستقرار في سوريا وتقديم توصيات في مجال السياسات لدعم عملية بناء السلام الشامل.
الجلسة 3: التحديات التي تواجه التماسك الاجتماعي
المتحدثون:
- روان الرجولة – باحثة مستقلة
- آلاء برّي – تشاتام هاوس
- زكي محشي – تشاتام هاوس
مديرة الجلسة: سارة كيالي – هيومن رايتس ووتش
ركزت هذه الجلسة على تحديات التماسك الاجتماعي في سوريا وكيفية التغلب عليها وسلَّطت الضوء على دور الجهات الفاعلة الخارجية في أي اتفاق محتمل وكيف يمكنها دعم المجتمع المدني السوري لتحقيق السلام المستدام.
بحسب ما أوضحه زكي محشي، تشهد سوريا تدهوراً كبيراً في تماسكها الاجتماعي بسبب الأزمة، وهو ما يعكس الاستقطاب، ناهيكَ عن سياسة الاستثمار في سياسات الهوية التي عمدت إليها العديد من الجهات الفاعلة وما تسببت به من ناحية تَفاقُم هذا الاستقطاب. فيما يتعلق بمؤشر رأس المال الاجتماعي، وهو أداة تساعد على تحديد مفهوم التماسك الاجتماعي، يمكن ملاحظة انخفاض التماسك الاجتماعي على المستوى الوطني بشكل واضح في سوريا مع تدهورٍ هائل في رأس المال الاجتماعي.
من المهم أن نلاحظ أن هناك نوعان من رأس المال الاجتماعي: رأس المال الاجتماعي الرابط الأصغر ورأس المال الاجتماعي الرابط الأكبر. الأول، هو الذي يلجأ فيه الناس إلى المؤسسات الاجتماعية التقليدية في أوقات الأزمات، وهو ما ارتفع في سوريا متسبّباً بالتالي في زيادة الاستقطاب. في حين أن الثاني وهو الذي يربط المجتمعات ببعضها البعض، تأثَّر سلباً.
يُقدَّر مؤشر رأس المال الاجتماعي بنسبة 30 ٪ منذ عام 2015، وإنَّ لهذا الوضع جذوره في العقود السابقة من الاضطهاد الذي مورِس بهدف السيطرة على المجتمع السوري، بما في ذلك من خلال التلقين المنهجي للأيديولوجية البعثية بحسب ما ذهبت إليه روان الرجولة التي أبرزت نقطة مفادها أنه لم يكن هناك مساحة للمجتمع المدني للعمل وذلك بالنظر إلى هيمنة الأيديولوجية الواحدة.
وأضافت الرجولة أن الأمر المقلق هو أن بعض القوى التي تسيطر على الأرض وبعض القوى السياسية الناشئة تكرر هذا النوع من الأيديولوجية الاستبدادية وانعدام الثقة في المجتمعات التي تسيطر عليها، وهو وضع يمثل تحدياً لبناء السلام الشامل. لذلك من المهم بالنسبة للمنظمات غير الحكومية وواضعي السياسات معرفة كيفية معالجة هذه الجوانب شديدة الاستقطاب.
كذلك فإن النظام ليس وحده من يجب وضعه في الاعتبار عند مناقشة التماسك الاجتماعي وإعادة الإعمار، هناك عدد من الجهات الفاعلة من غير الدول التي تلعب دوراً مهماً في التأثير على التماسك الاجتماعي، بحسب ما ناقشته الحلقة.
مع نزوح نصف السكان تقريباً، أوضحت آلاء برّي كيف تسبب هذا العامل في تفتيت البنية الاجتماعية السورية وأثَّرَ بشدة على رأس المال الاجتماعي. كان هذا التأثير أكثر وضوحاً في المجتمعات التي تعرَّضت لنزوح واسع النطاق مثل إدلب والرقة والحسكة.
وفقاً لما ذهبت إليه برِّي، فإنّ العواقب على هذه المجتمعات يمكن تتبعها من خلال ثلاث طرق رئيسية. أولاً، هناك اندثارٌ لمجتمعات بأكملها وظهور مجتمعات جديدة كما تبيّنه حالة الرقة. ثانياً، تجري إعادة تشكيل منهجية للديموغرافيا السورية من قِبل النظام لإعادة تشكيل البلاد لصالحه. وثالثاً، تبرز ديناميات اجتماعية جديدة، لا سيّما بين النازحين داخلياً والمجتمعات المضيفة، ما يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية.
بالإضافة إلى حركة السكان، التي تعد أحد العوامل الرئيسية المحددة لمؤشر رأس المال الاجتماعي، فإن التعليم والرعاية الصحية هي أيضاً عناصر تلعب دوراً هاماً في الحفاظ على التماسك الاجتماعي. لذلك، يرتبط انخفاض معدلات الالتحاق بالمدارس بالمؤشر الاجتماعي المنخفض حيث ينخرط الشباب في أنشطة العنف والنزاعات بدلاً من التعليم. ولهذا السبب هناك حاجة ماسة للتنمية الشاملة في سوريا من أجل استعادة التماسك الاجتماعي، بحسب ما ذكَره زكي محشي.
في حين أن بعض اللاجئين بدأوا في العودة إلى ديارهم، من الأهمية بمكان أن تقوم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بمراقبة هذه العملية وإشراك المجتمع المدني وقادة المجتمع للتأكد من عدم إجبار أحد على العودة وضمان السلامة الجسدية لهؤلاء الأشخاص الذين اختاروا العودة، بحسب ما قالت برّي، وأضافت أنه يجب إعادة المجتمعات المحلية قبل البدء في إعادة الإعمار وأن هناك حاجة إلى العمل على التنمية الاجتماعية الشاملة التي تضمن العدالة وحقوق جميع الأفراد السوريين. كما أن وضع سياسات اجتماعية مرنة ومناسبة لظروف كل مجتمع سيكون أمراً حيوياً لاستعادة التماسك الاجتماعي في سوريا.
وتلخيصاً لبعض التوصيات المقدمة إلى المنظمات غير الحكومية وصناع السياسات، كررت الجلسة تأكيدها أنَّ أي عملية لإعادة الإعمار ستكون بلا معنى ما لم تأخذ في الاعتبار كيفية تعزيز الثقة بين المجتمع والمؤسسات المهيمنة، أي الدولة. الأهم من ذلك، يجب ملاحظة أن ما يحدث في سوريا هو مشاريع “بناء” لصالح أقلية من أصدقاء النظام وليست مبادرات إعادة الإعمار التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي. من المهم بنفس القدر أن تخلق المنظمات غير الحكومية الدولية حافزاً لدفع الحكومة الاستبدادية للسماح بإنشاء مساحة للسوريين لإجراء حوار مفتوح حول مستقبلهم فيما يتعلق بالصحة والاقتصاد والثقافة والتنمية.