في 15 آذار/ مارس 2019 عقد مشروع تشاتام هاوس “سوريا من الداخل” المستضاف ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤتمراً عاماً بعنوان “مستقبل سوريا: نحو بناء السلام الشامل”.
نُظِّمَ المؤتمر في أربعة أفرقة مواضيعية وجَمَع صناع السياسات والخبراء والأكاديميين وقادة المجتمع المدني للوقوف على التحديات المؤسسية والاجتماعية الاقتصادية الرئيسية أمام تحقيق الاستقرار في سوريا وتقديم توصيات في مجال السياسات لدعم عملية بناء السلام الشامل.
الجلسة الرابعة: ما بعد الاستقرار ونحو تحقيق الشمول
المتحدثون
- سلمى كحالة – دولتي
- لينا خطيب – تشاتام هاوس
- لينا سنجاب – تشاتام هاوس
مديرة الجلسة: روث سيترين – تشاتام هاوس
بعد مناقشات الأفرقة الثلاثة الأخيرة حول ديناميات اقتصاد الصراع، وسياسات إعادة الإعمار، وتحديات التماسك الاجتماعي، ركَّزت الجلسة الرابعة والأخيرة على مناقشة الديناميات الحالية للصراع وما يلزم لتحقيق الاستقرار في سوريا.
رأت لينا سنجاب أنه نظراً للواقع الحالي في الصراع فإن ما نراه في سوريا هو نظامٌ يتصرف بنفس الأسلوب، إن لم يكن أسوأ مما كان عليه عام 2011. هناك مئات الآلاف من السجناء رهن الاعتقال والملايين من النازحين، كما أن النظام لا يرحّب بعودة اللاجئين، والوضع العام في سوريا اليوم يتحدد من منظور النظام باعتباره المنتصر الذي لا يرغب في مناقشة التنازلات بل في الاستناد إلى المكاسب العسكرية لتعزيز قبضته على البلاد.
كذلك فإن مسألة توفير الخدمات تضغط بشكل متزايد في المناطق التي يسيطر عليها النظام حيث تتسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وهو ما يطرح الكثير من التحديات الاقتصادية أمام النظام. الوضع يتفاقم سوءاً وهو أبعد ما يكون عن الاستقرار حتى بالنسبة للقاطنين في المناطق الأكثر ولاءً للنظام.
علاوة على ذلك فإن النظام يَحرِم الاقتصاد السوري، بما في ذلك القطاع الخاص، من أجل سداد ديونه للإيرانيين والروس. وفي الوقت الذي لا يزال فيه النظام غير موثوق به، ووسط تفشّي الفساد، يبدو أن عملية إعادة الإعمار الشاملة والتماسك الاجتماعي لا يمكن تحقيقهما، كما تقول سنجاب.
وبحسب ما أشارت إليه لينا خطيب، فبالإضافة إلى تعقيدات الوضع، تتحول الدولة بشكل متزايد إلى دولة تسيير معاملات. لقد أُفرِغَت الدولة السورية من مضمونها ولم تعد دولة استبدادية نموذجية. بدلاً من ذلك، نلاحظ انتشار ظاهرة أثرياء الحرب، ليس فقط المنتفعون اقتصادياً ولكن أيضاً المنتفعون أمنياً الذين يقومون أحياناً بمهام عادةً ما تؤديها الدولة.
علاوة على ذلك، ونظراً لافتقاره إلى القدرات والموارد، فإن النظام مُضطر إلى التعامل مع هؤلاء المستفيدين الذين يتوقعون بدورهم مقابلاً ما من النظام ويصبحون ممثلين مختلطين يمثلون جهات فاعلة حكومية وغير حكومية على غرار ما شهِدناه في العراق ولبنان. وعلى الرغم من اختلاف سوريا عن العراق ولبنان في العديد من الجوانب المختلفة، حسب ما قالت خطيب، فقد يكون من المفيد التفكير بصورة مقارنة للتأمّل في كيفية قيام هذه الأطراف الفاعلة الهجينة بأدوارها الخاصة في تشكيل مستقبل مؤسسة الدولة والبلاد، فمن المحتمل أن يتحوّل هؤلاء الفاعلون إلى نخب سياسية واقتصادية تطالب بثمنٍ ما لقاءَ دورها في دعم النظام.
على اعتبار أنَّ روسيا وإيران هما الطرفان الخارجيان الرئيسيان في صفّ النظام، سلَّط النقاش الضوء على الاختلافات بينهما من حيث الاستراتيجيات والأهداف. في حين أن روسيا، كما أوضحت لينا خطيب، انتهزت فرصة العزوف الغربي لتنخرط عسكرياً في سوريا لأسباب داخلية ولإدامة صراع عالمي على القوة مع الولايات المتحدة؛ فإن لإيران أجندتها الخاصة.
علاوة على ذلك، كان انخراط روسيا في سوريا ناجحاً إلى حد كبير بالنسبة لموسكو التي تريد الآن أن تكون الوسيط الدولي الرئيسي في الصراع. أمّا إيران، في المقابل فترزح تحت وطـأة العقوبات الأمريكية وبسبب الضغوط الدولية المتزايدة. وبحسب ما ناقشته الحلقة، فإن كسر حالة الجمود السياسي في سوريا سيتطلب من الولايات المتحدة اتخاذ خطوة أكثر جرأة وإشراك روسيا بشكل ثنائي، ومن ثم إشراك الأمم المتحدة في هذه العملية.
في مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن تلك الأطراف الفاعلة الخارجية وكذلك الهجينة، يحتاج المجتمع المدني السوري، بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية، إلى وضع استراتيجيات جديدة للمقاومة من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوري ومساعدة الجماعات والمجتمعات المهمشة المختلفة على تحقيق العدالة والكرامة والحرية، وهذا ما يتطلب تفكيراً وتخطيطاً على المدى الطويل بحسب ما ذكرته سلمى كحالة التي أضافت أنه قبل الدخول في الحديث حول التماسك الاجتماعي وإعادة الإعمار الشاملة، هناك حاجة للحديث عن العدالة ومعرفة الحقائق وإلى توفير مساحة للتحدث عما حدث في سوريا. يمكن أن تبدأ هذه الأمور بشكل بسيط مثلَ طلب معلومات عن المحتجزين المفقودين.
واختتمت خطيب بالقول إن السياسات الدولية لا ينبغي ألاّ تقوم على فكرة إعادة تأهيل النظام الذي رأت خطيب أنه غير قابل لللإصلاح.