طموحات الشباب العراقي وخيبة أمله

رغم خيبة أمل الشباب العراقي في النظام السياسي، إلا أنهم ما زالوا يتمسكون بالأمل ويتطلعون إلى التغيير الحقيقي.

مع استمرار الجمود السياسي في العراق يتوقع العديد من المراقبين أن تندلع الاحتجاجات على تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، والآثار المتزايدة لتغير المناخ – مثل موجات الحرّ والعواصف الترابية – وانعدام الإرادة السياسية لتغيير الوضع الراهن. ومن جديد، جرى استبعاد الشباب الذين لعبوا دوراً حاسماً في الاحتجاجات السابقة من المناقشات الهامّة.

وفي حين لم يشهد العراق احتجاجات جماهيرية بعد الانتخابات المبكرة عام 2021، إلا أن حركة الاحتجاج لم تنته، إذ يسعى الناشطون الشباب إلى إنشاء مساحات خاصة بهم وتحدي النظام بطرق مختلفة.  "تنظر النخبة السياسية الحالية إلى الشباب إمّا كأدوات وإمّا كمنافسين، وليس كشركاء." هذا ما جاء على لسان أحد المشاركين في ورشة عمل نظمتها مؤخراً في بغداد مبادرة العراق في تشاتام هاوس بالشراكة مع مركز البيان.

نحو 60 في المئة من سكان العراق دون سن الـ25 عاماً، ومع ذلك يتواصل استبعاد الشباب العراقي من عملية صنع القرار السياسي، ويجعل الفساد تحت مظلة السياسة، حيث تسيطر النخبة السياسية على موارد الدولة، مؤسسات الدولة غير قادرة على إعداد الشباب لمستقبلهم، ولطالما كان الفشل حليف النخبة السياسية في توقع أو معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية طويلة الأجل التي من المرجح أن يرثها شباب اليوم.

 وفي مواجهة هذه التحديات، أخذ الشباب العراقيون على عاتقهم ضمان إيصال صوتهم للنخبة السياسية من خلال الضغط الشعبي، والعمل على زيادة الوعي السياسي، والمشاركة مع المجتمع المدني، ومن خلال مباشرة المشاريع الحرّة والريادية.

الضغط الشعبي

ولئن دلًّ انخفاض إقبال الناخبين وتواتر الاحتجاجات على أنّ النظام السياسي قد فقد سطوته الايديولوجية، إلاَّ أن هذا النظام أثبت مقاومة للتغيير بسبب سيطرة النخبة السياسية على موارد الدولة. لذا سعى العديد من الشباب إلى طرق بديلة لإحداث التغيير، على سبيل المثال من خلال الاحتجاجات الجماعية التي عمّت أنحاء العراق في 2011 و2015 و2018. وبلغت هذه الضغوط الشعبية على النخبة السياسية ذروتها في تشرين الأول/أكتوبر 2019، عندما خرج الملايين من الشباب العراقي المحروم من حقوقه إلى الشوارع خلال الاحتجاجات التي استمرت لعدة

أشهر، إلاَّ أن دعواتهم للتغيير قُمِعت في نهاية المطاف من قِبَل الجماعات المسلحة وقوات الأمن التي قتلت أكثر من 600 متظاهر.

وفي حين تمت تلبية بعض مطالب المتظاهرين، مثل إدخال تعديلات على القانون الانتخابي وإجراء انتخابات مبكرة، إلا أنه لم يدخل العملية السياسية نتيجة للاحتجاجات سوى عدد قليل من الأحزاب الشعبية. كما أن هذه الأحزاب ما تزال مشتّتة وثمّة فجوة جليّة بينها وبين الشباب العراقيين الذين تركوا هذه الأحزاب منذ ذلك الحين مطالبين بتحول جذري في السياسة العراقية. 

ومن المهم الإشارة إلى أنه كانت هناك حالات استولت فيها النخبة السياسية على الاحتجاجات أو دفعت أتباعها إلى المشاركة في مظاهرات لصالح أحزاب معينة، وينبغي عدم الخلط بين هذه الاحتجاجات وجهود الشباب الرامية إلى الإصلاح.

زيادة الوعي السياسي

كثيراً ما يُشار إلى  ارتفاع الوعي السياسي في أوساط الشباب العراقي باعتباره أحد الإنجازات الرئيسية لاحتجاجات 2019. وخلال المظاهرات، كانت ساحات الاحتجاج مليئة بحلقات النقاش والفعاليات الثقافية والحوارات. حتى أن المتظاهرين أنشأوا مجموعات لتيسير التعاون مع النشطاء في المدن الأخرى.

منذ بدء الاحتجاجات أخذ الشباب العراقيون يدرسون أنظمة سياسية بديلة، وهو ما كان محظوراً على الأجيال الأكبر سناًّ خلال سنوات طويلة من الاستبداد والاضطهاد، غير أن النشطاء والباحثين السياسيين الشباب اليوم يحاولون المشاركة بفاعلية في هذه المسألة على الرغم من التهديدات ومحاولات الاغتيال. وقال أكاديمي عراقي في ورشة عمل تشاتام هاوس: "بعد تشرين، رأينا أن الشباب بدأوا يعملون معاً في مجموعات، سواء كان ذلك في المجتمع المدني أو وسائل الإعلام أو حتى في المقاهي، ودائماً ما تحضر النقاشات السياسية على طاولاتهم".

إشراك المجتمع المدني

كذلك دأب ناشطو المجتمع المدني الشباب على إذكاء الوعي بالمسائل الحيوية التي اختارت الطبقة السياسية التغاضي عنها، مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي والحاجة إلى اعتماد قوانين لمكافحته، وإيجاد حلول للنساء والفتيات المتضررات من العنف المنزلي.

ويشكل أثر تغيّر المناخ مسألة رئيسية أخرى بالنسبة للناشطين العراقيين، فقد اقترحوا حلولاً وعملوا في حملات تثقيفية عامة، ودعوا إلى زيادة التركيز على القضايا البيئية. وأخيراً، يعمل العديد من الشباب على تعزيز حرية التعبير وحقوق الإنسان، إذ ليس في العراق الكثير من القوانين في هذا المجال، والقليل الموجود منها إما غير كاف أو غير منفّذ على النحو الواجب – ويتضح ذلك بشكل خاص من انعدام المساءلة والعدالة بشأن موجة الاغتيالات الأخيرة.

ريادة الأعمال

وفي حين أن إدراج الشباب في كشوف المرتبات العامة غالباً ما يكون الهدف المطلق للعديد من العراقيين، فقد سعى الشباب بشكل متزايد إلى تحدي هذه القاعدة من خلال إنشاء أعمالهم التجارية الخاصة، مما يساعد على توفير فرص عمل بديلة لـ 700000 شاب عراقي يدخلون سوق العمل كل عام.

ونادراً ما يشارك رواد الأعمال هؤلاء في السياسة، لكنهم يتأثرون بها تأثّراً مباشراً، فهم يطالبون بالحدّ من البيروقراطية والمزيد من الفرص، وهو ما يتطلب تشريعات وسياسات وإرادة سياسية. وقال باحث اقتصادي شاب خلال ورشة عمل تشاتام هاوس في بغداد: "عندما سمعت أن هذه الفعالية قد تضمّ سياسيين، خشيتُ المجيء للمشاركة، لأنني لم أكن أريد أن أشارك مع النخبة السياسية ".

إن هذا النوع من الحوار مع صانعي السياسات مهم لرواد الأعمال العراقيين الشباب الذين يسعون إلى تنمية أعمالهم، ولكن فرص هذا التفاعل محدودة. 

الأمل على الرغم من خيبة الأمل المتواصلة

بعد تسعة أشهر من إجراء الانتخابات المبكرة، ما يزال العراق بدون حكومة جديدة وبرلمانه أكثر انقساماً من أي وقت مضى. ولم تتحقق بعد معظم مطالب المتظاهرين لعام 2019، وفي حين تعرّض النظام السياسي إلى التحدي، إلا أنه لا يزال يعمل مثلما كان من قبل. وقد يكون غياب أي تغيير حقيقي كافياً لإثارة موجة جديدة من الاحتجاجات التي يقودها الشباب المحرومون الذين لا يزالون مستبعدين من عملية صنع القرار.

واشار أحد الناشطين خلال ورشة عمل مبادرة العراق إلى أنّ "هذا النظام يؤثر على الجميع، لكننا نظل قادرين على الصمود، إلاّ أننا يجب أن نتحول من هذا المستوى من القدرة على الصمود، وفي بعض الأحيان القدرة على البقاء على قيد الحياة، إلى حالة أكثر استقراراً". ولا يمكن الوصول إلى هذه الدولة المستقرة بدون تمكين العراقيين – الذين تقل أعمار غالبيتهم عن 25 عاماً – وإشراكهم في التخطيط لنظام سياسي جديد وتصميمه وتنفيذه.

الاقتباسات في هذا المقال مأخوذة من ورشة عمل بشأن مشاركة الشباب في السياسة والمجتمع العراقي، عُقِدت في بغداد في 25 آذار/ مارس 2022 واستضافتها مبادرة العراق في تشاتام هاوس ومركز البيان للدراسات والتخطيط.