المجتمع المدني السوري يقود الجهود لإعادة تأهيل مؤيّدي داعش

  • حايد حايد

    Consulting Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل مشارك استشاري، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

إلاَّ أنَّ مثل هذه المبادرات المخصصة لا تكفي لمواجهة التأثير الواسع للتطرف.

لا يبدو أن الفاعلين الرئيسيين الذين يقاتلون داعش في سوريا يفرِّقون بين هزيمة الجماعة عسكرياً ومحو أيديولوجيتها ودعايتها من عقول الأفراد والجماعات ممّن كانت تحكمهم. ولذلك، لم يقم أي من هؤلاء الفاعلين بالكثير لتعزيز مكاسبه العسكرية ضد التنظيم من خلال وضع استراتيجية شاملة لمرحلة ما بعد داعش بُغيةَ القضاء على بقايا الجماعة ومنعها من إعادة الظهور.

وعلى الرغم من عدم وجود مثل هذه الإجراءات الرسمية، كان هناك عدد من المبادرات المجتمعية لتلبية تلك الاحتياجات، مثل إنشاء مركز إعادة تأهيل لأعضاء التنظيم وإجراء أنشطة جماعية لمساعدة المجتمعات في التغلب على نفوذه. لكن التأثير الواسع لداعش جعل التطرف مشكلة متفشيةً لا يمكن معالجتها بمثل هذه المحاولات المخصصة وحدها.

وكان المركز السوري لمكافحة التطرف (SCEC)، وهو المركز الوحيد من نوعه في سوريا قد أطلق أكثر مبادرات إعادة التأهيل تطوراً للتعامل مع أعضاء داعش السابقين. يقع المركز في بلدة مارع (التي تسيطر عليها القوات الخاضعة لقيادة تركيا) وقد تم تأسيسه من قبل فاعلين محليين من المجتمع المدني وعلماء الدين في تشرين الأول/أكتوبر 2017.

ويضم المركز، الذي اتّخذ من مدرسة سابقة مقرّاً له، 35 موظفاً، يعملون جميعهم على أساس تطوّعي. ونظراً لقدرته المحدودة على استيعاب ما بين 25 و30 شخصاً، تمكَّن المركز أيضاً من التوصل إلى ترتيب مع بعض المحاكم المحلية لإحالة أعضاء تنظيم داعش المحتجزين إلى مركز إعادة التأهيل.

تشمل أنشطة المركز ورشات العمل والحلقات البحثية في العقيدة الدينية لمواجهة دعاية تنظيم داعش ورواياته من خلال شرح الأضرار التي تسببها هجمات التنظيم ومن هم حقاً الذين استهدفتهم هذه الهجمات. وعادةً ما تُستَخَدم مقاطع الفيديو والصور والتقارير والصحف كأدلةٍ لدعم هذه الحجة.

وعلى النحو ذاته، يتلقّى المقيمون دورات في التربية المدنية والقانون والاتصال والأمن البشري وحقوق الإنسان وغيرها من المواضيع ذات الصلة التي يمكن أن تساعد في إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم. في حين أن جلسات الدعم النفسي الاجتماعي الجماعية تكون إلزامية للجميع، يتوجّب على العديد من المقيمين أن يحضروا جلسات فردية للمساعدة في الابتعاد عن أيديولوجية داعش.

تتراوح فترة الإقامة في المركز ما بين شهر واحد وستة أشهر. وفي أثناء هذه الفترة، يتم قياس تقدم المقيمين ومشاركة هذا التقدم مع السلطات المحلية التي تعتمد في قراراتها على توصيات المركز. ويمكن إطلاق سراح أولئك الذين يحققون تقدماً سريعاً من المركز بعد الأشهر القليلة الأولى، بينما قد يتعيّن على آخرين المكوث لفترة إقامة مطولة. وبالإضافة إلى ذلك، وضَعَ المركز آليات لمتابعة الأفراد المفرج عنهم (مثل الزيارات المنزلية وإقامة قنوات الاتصال مع مجتمعاتهم المحلية) لرصد إعادة اندماجهم في المجتمع.

وفي حين يعمل المركز مع أعضاء داعش الذين تم القبض عليهم، تُركِّز منظمة الصوت والصورة التي يديرها الناشطون على المدنيين (النساء والأطفال والرجال) الذين عاشوا تحت حكم التنظيم ويمكن أن يكونوا عرضة لأيديولوجيته. وتركز المنظمة – التي يبدو أنها من بين مبادرات قليلة للغاية تقوم بهذا النوع من العمل – على الأشخاص النازحين داخلياً من الرقة ودير الزور في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد أو غيرهم من مجموعات الثوار في الشمال الغربي.

خلال فترة تمتد لشهرين في كل مرة، تُجري المنظمة سلسلة من الجلسات لمساعدة الناس على مناقشة الصعوبات التي تواجههم من جرَّاء نزوحهم ومساعدتهم على التوصل إلى حلول لمشاكلهم. ومن أجل تشجيع الحضور، تُعرَض الجلسات بمثابة فرصة لبناء العلاقات بهدف مساعدة النازحين على التواصل مع الآخرين، أو إيجاد فرص العمل أو تقديم الأنشطة الترفيهية.

يستهلُّ مُنسِّقوا الجلسات النقاش من خلال مناقشات جماعية حول الاختلافات بين المجتمع المضيف والمجتمعات التي قَدِم منها النازحون والصعوبات التي يواجهونها الآن. ثم تتبع هذه المحادثات مناقشات جماعية حول الممارسات المختلفة التي يفرضها تنظيم داعش. واستناداً إلى ما يقوله الناس والملاحظات العامة للمنسِّق، يوجِّهُ الأخير المناقشةَ لإبراز التأثير السلبي لإجراءات داعش وأيديولوجيتها ولإضعاف جاذبيتها في نظر أولئك الذين كانوا عُرضَةً لها.

تهدف هذه الجلسات إلى تحديد الأشخاص المعرضين لخطر التأثر بأيديولوجية التنظيم والعمل معهم بشكل فردي لمواجهة ذلك. وعلاوة على توفير الدعم النفسي الاجتماعي للمشاركين، تعمل المنظمة على منع الهجمات الانتقامية مستقبلاً داخل المجتمع المحلي ضد أعضاء داعش السابقين، وذلك من خلال تسليط الضوء على الأثر السلبي لهذه الهجمات والطرق المختلفة التي يمكن بها تقديم هؤلاء الأفراد إلى العدالة.

وعلى الرغم من أهمية هذه الجهود المجتمعية، إلا أن معظمها عبارة عن مبادرات مخصصة، مما يحدُّ بشكل سلبي من نطاقها وأثرها واستدامتها. كما أنَّ مجموعات المجتمع المدني السورية التي تقود مثل هذه الجهود لا تتمتع بخبرة سابقة في مجال إعادة التأهيل أو مكافحة التطرف العنيف.

بالرغم من المحاولات المختلفة، إلاَّ أن هذه المجموعات لم تتمكن من إقامة شراكات أو تعاون مع خبراء أو مراكز أخرى تعمل في هذا المجال، ويرجع ذلك إلى قلة المعرفة حول الجهات التي يجب التواصل معها، والمحاولات المحدودة للتواصل وعزوفُ بعض من تم الاتصال بهم.

ولذلك فإن معظم هذه المجموعات تفتقر إلى المعرفة والخبرة اللتين تسمحان لها بالتعامل مع مؤيدي داعش السابقين دون المخاطرة بأن تكون النتائج عكسية، لا سيّما وأنَّ هذه المجموعات قد صممت برامجها بمفردها. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد هذه المجموعات إلى حد كبير على المساهمات الفردية، مما يجعل استدامة عملها عرضةً للخطر. كذلك تمنع الموارد المالية المحدودة هذه المجموعات من استهداف عددٍ كافٍ من المستفيدين ليكون لها تأثير على هذه المهمة الكبيرة.

ومع ذلك فإن المجتمع المدني السوري لا يزال إلى الآن الأكثر رغبة وقًدرةً على الاضطلاع بمهمة محو نفوذ داعش، لا سيما عندما يبقى اهتمام سلطات الأمر الواقع مركّزاً على هزيمة داعش عسكرياً. لذا، ينبغي على المجتمع الدولي، الذي قد يكسب الكثير من نجاح هذه الجهود، أن يساعد في بناء قدرات الجماعات المدنية السورية وتقديم الدعم لها وتشجيع السلطات المحلية على التعاون معها وتسهيل عملها.

ومن شأن عدم القيام بذلك أن يؤدي إلى السماح لداعش بالظهور مجدداً في صورةٍ أخرى وبالقدر نفسه من القوة والدهاء. كما أنَّ عواقب ذلك لن تستمر في زعزعة استقرار سوريا ومنع تعافيها فحسب، بل ستواصل أيضاً تقويض أمن المنطقة والعالم بأسره.