تحتاج سوريا إلى خطة إعادة إعمار عادلة وشاملة

في الوقت الذي تمضي فيه الحكومة السورية قدماً في خططها الرامية إلى احتواء الأحياء وإعادة تشكيلها في جميع أنحاء البلاد، فإن انتظار تحقيق السلام قبل بدء جهود إعادة الإعمار الدولية ليس خياراً مطروحاً.

بينما يناقش المجتمع الدولي كيفية التعامل مع مسالة إعادة إعمار البلاد بعد سبع سنوات من الصراع، شرعت الحكومة السورية بالفعل في عملية إعادة الإعمار الخاصة بها. وتُعدّ عملية تطوير بساتين الرازي – الذي وضع بشار الأسد حجر أساسها في عام 2016 – بمثابة نقطة الصفر للعملية وتُحدّد المخطط الأولي لرؤية الحكومة المنشودة لإعادة إعمار سوريا.

ومنطقة بساتين الرازي هي إحدى منطقتين جرى تحديدهما لإعادة الإعمار بموجب المرسوم الرئاسي رقم 66 لعام 2012. ويوفر المرسوم 66 الأساس القانوني والمالي لمصادرة مناطق الإسكان غير المرخص والمساكن العشوائية، وإعادة تطويرها من خلال استثمارات القطاع الخاص. وللعديد من المناطق المحددة في هذا المرسوم أهميتها الاقتصادية والسياسية، وغالباً ما تكون في موقع استراتيجي ضمن أو حول المراكز الحضرية والمراكز التي كانت منطلقاً لأنشطة المعارضة في وقت سابق.

ونظراً للمتطلبات الإجرائية الصارمة المنصوص عليها في المرسوم 66، فضلاً عن الواقع السياسي للمناطق التي حددها المرسوم وظروفها السيئة وغير القانونية، فقد تمكَّنت السلطات المحلية من طرد غالبية السكان، وغالباً مع منحهم تعويضاً قليلاً أو بدون تعويض حتى. وقد أتاح المرسوم المقترن بتشريعات أخرى للمستثمرين من القطاع الخاص (العديد من محظيّي النظام) البدء في تطوير المناطق المحددة في المرسوم على حساب سكانها الأصليين.

استغلال التخطيط العمراني

يدلّ هذا على أن فكرة إعادة إعمار سوريا بموجب المرسوم 66 هي استغلال سلطة التخطيط العمراني من أجل هندسة التغيير الديموغرافي على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية. ولعبت مجموعة من القوانين الأخرى التي وُضعت منذ بداية 2012 دوراً في تنفيذ المرسوم 66 فيما يتعلق بتطوير بساتين الرازي، وهي تُشكل بنية تشريعية لاستغلال التخطيط العمراني بهدف تمكين رؤية الحكومة لإعادة إعمار سوريا.

ومن بين هذه التشريعات المرسوم رقم 63 لعام 2012، الذي يسمح لوزارة المالية بالاستيلاء على ممتلكات الأشخاص الذين يندرجون تحت قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012. ويندرج هذا ضمن التفسير الفضفاض للحكومة السورية لما يُعتبر إرهاباً من خلال تجريم شريحة كبيرة من السكان دون مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة أو المحاكمة العادلة.

كذلك فإن المرسوم 19 لعام 2015، يسمح لوحدات الإدارة المحلية بإنشاء شركات قابضة مملوكة بالكامل لتنفيذ العمل نيابة عنها، بما في ذلك إدارة جميع أملاك وحدات الإدارة المحلية. وتُعفى الأصول التي تديرها الشركات القابضة وأي من الشركات التابعة لها من الضرائب والرسوم. وهذا يعني أن هذه الشركات القابضة تستفيد من مزايا العمل بموجب قانون الشركات فضلاً عن استفادتها من امتلاك الأصول العامة. ويوفر هذا المرسوم إطاراً رسمياً لمنح عقود إعادة الإعمار والتطوير للمؤسسات أو المستثمرين ودفع حصصهم في المنطقة، على حساب السكان الأصليين، كما هو الحال في عملية تطوير بساتين الرازي.

أمّا المرسوم 11 لعام 2016 فيعلّق تسجيل الملكية في السجلات المغلقة بسبب النزاع، بما في ذلك في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة. وهذا يعني أن الوثائق المسجلة في أي من السجلات التي كانت خارجة عن سيطرة الحكومة، بما في ذلك تلك السجلات التي كانت تديرها كيانات المعارضة، لن يتم الاعتراف بها.

والجدير بالذكر، أنَّ القانون رقم 10 لعام 2018 يمكن اعتباره تصعيداً منهجياً للمرسوم رقم 66، الذي يُمكِّن وحدات الإدارة المحلية من إنشاء مناطق إعادة تطوير في مناطقها التي سيتم تخصيصها لإعادة الإعمار. وعادةً ما يستلزم هذا من وحدات الإدارة المحلية تسجيل حقوق الملكية داخل المناطق المحددة مع متطلبات واسعة لأصحاب العقارات والمستأجرين لإثبات ادعاءاتهم بممتلكاتهم شخصياً أو من خلال أقاربهم الموكّلين قانونياً. كما أنَّ عدم القيام بذلك يعني أن تعود الملكية إلى وحدات الإدارة المحلية بدون أي تعويض مستحق.

نهجٌ دولي مشوّش

يبدو أن لدى المجتمع الدولي مواقف متناقضة إزاء إعادة إعمار سوريا. فالاتحاد الأوروبي قد أرسل رسالة قوية وحاسمة تفيد بتعليق إعادة الإعمار حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية. ولكن في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فإن المنظمات الدولية الأخرى ووكالات الأمم المتحدة تشارك بالفعل في جهود إعادة الإعمار، على الرغم من أنهم يصنفون جهودهم على أنها “إغاثة أو إعادة تأهيل أو استقرار”.

وتفتقر طريقة تحديد الأحياء المستهدفة للمساعدة في هذه الجهود إلى الشفافية، ويُفترض أن تسيطر عليها الحكومة السورية بشكل كبير لأنها تسيطر على الأمن في تلك المناطق. وكانت غالبية الأحياء المستهدفة حتى الآن جزءاً من التسويات المحلية التي توسطت فيها الأمم المتحدة، مما أدى إلى عمليات نقل للسكان وعمليات إخلاء قسري لهم. لقد فشلت معظم المشاريع في وضع حقوق السكان الأصليين في الاعتبار. ويثير هذا قلقاً أخلاقياً خطيراً، نظراً لانتهاكات حقوق الإنسان الموثقة وجرائم الحرب التي ارتكبتها الحكومة السورية من أجل إفراغ هذه المناطق.

أما في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، فإن الوضع أكثر تعقيداً. لقد كان للنزاع في سوريا تأثير مدمر على هذه المناطق، حيث انتقل إليها أكثر من نصف النازحين داخلياً، وسُوِّيَت أحياء بأكملها بالأرض. وقد أدى التدفق الهائل للسكان إلى هذه المناطق المنهكة أصلاً إلى مزيد من الضغط وفاقَم الاحتياجات الإنسانية – ولا سيّما الإسكان.

يعتبر السكان في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة من بين الفئات الأكثر هشاشةً لافتقارهم إلى مؤسسات شرعية يمكن محاسبتها، وهم محرومون من أي وسيلة للمطالبة بالمساءلة من الحكومة السورية. ويُلقي هذا بمسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي لإنشاء آلية بديلة لهؤلاء الأشخاص بُغية توثيق حقوقهم في الأرض بطريقة يمكن أن تتسم بالشرعية في نزاعات الأراضي أو الممتلكات في المستقبل.

وبالإضافة إلى ذلك، اقتصرت الاستجابة للاحتياجات المُلِحَّة للإسكان في هذه المناطق على جهود الإغاثة الإنسانية الدولية التي تأتي في صورة ملاجئ مؤقتة غير آمنة وغير كافية، أو استجابة تجارية تؤدي إلى فرضِ شركات التطوير الخاصة ومالكي العقارات لأسعار لا يمكن تحملها عموماً. وقد ساهم هذا بشكل كبير في تضخُّم سوق العقارات، بما في ذلك سوق الإيجارات.

وبحسب ما أظهره تقرير شهر آذار/ مارس 2017 عن سوق العقارات في مدينة إعزازا لواقعة في المنطقة التي تسيطر عليها تركيا شمال حلب، فإنَّ سوق الإيجارات في المدينة بلغ ضعف نظيره في اسطنبول. وعزت لجنة الاستقرار في المنطقة التضخم في سوق العقارات إلى التدفق الكبير للنازحين، وتوافر فرص كسب الرزق، ونقص الخدمات والبنية التحتية في المناطق المحيطة، فضلاً عن عدم المساواة في الأجور بين السوق المحلية وموظفي المنظومة الإنسانية الدولية الذين يعيشون في المنطقة.

وتفتقر المجالس المحلية إلى الموارد أو النفوذ الكافِيَيْنن لتوفير حلول الإسكان أو تنظيم السوق. كما أدت القيود المتزايدة من قبل الحكومات المجاورة على الواردات من مواد البناء، والتضخم المستمر لسوق الإنشاءات، إلى خفض كبير في قدرة السكان المتضررين على إيجاد حلول لاحتياجاتهم السكنية الخاصة.

خطوات يجدر القيام بها

إنّ الامتناع عن المشاركة في إعادة الإعمار في سوريا ليس حلاً. إذ من شأن هذا أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة لأنه يسمح للحكومة بإملاء شروطها على جميع المشاريع في سوريا. وفي حين أن محاربة تشريعات الحكومة يجب أن يظل من الأولويات الدولية، غير أنه يجب أيضاً العمل في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة لتأسيس سابقة حول كيفية إعادة الإعمار في سوريا بطريقة أكثر عدالة وشمولاً.

ويجب على المجتمع الدولي أيضاً وضع آلية مشروعة لتوثيق السياسات المجحِفة وحساب تعويض المتضررين، مسترشداً بمبادئ بينهيرو للأمم المتحدة بشأن ردّ المساكن والممتلكات وتنفيذها المحتمل من خلال آلية الأمم المتحدة الدولية والمحايدة والمستقلة.

إنَّ الإحجام عن تقديم التمويل لن يفيد في إيقاف عجلة الزمن وكلما أُتيح المزيد من الوقت أمام الحكومة السورية لتنفيذ إطار عملها الخاص لإعادة الإعمار، كلما أصبح هذا الإطار أكثر رسوخاً.