في ظلّ وجود حلفاء غير موثوقٍ بهم وانعدام الخبرة في ديناميات القوى المحلية، فإن نفوذ روسيا في سوريا مبني على أسس هشة.
بالنظر إلى توزُّع السيطرة السياسية بين أصحاب النفوذ المحليين في سوريا، فإن اعتماد روسيا المفرط على نظام الأسد لحماية مصالحها يشكل تهديداً استراتيجياً. وعلى الرغم من المصالح المتقاطعة الحالية، فلا النظام ولا حلفاؤه الإيرانيون يُعتبرون شركاء موثوق بهم. ففي نهاية المطاف، قد تتناقض المصالح المتنافسة والمتضاربة بعد أن يبدأ الحل السياسي في التبلور وتبدأ سوريا في إعادة الإعمار، لا سيّما في ضوء الترتيبات الإقليمية الجديدة.
وبما يُفنِّدُ ادّعاء فلاديمير بوتين خلال زيارته المفاجئة لسوريا بأن روسيا بدأت بالانحساب، فإن هذه العوامل دفعت بروسيا في الواقع إلى تطوير أدوات جديدة تمكِّنها من تعظيم مكاسبها وحماية مصالحها في سوريا.
نقاط القوة والضعف الروسية
يُعتقَد أن لدى روسيا سبع قواعد عسكرية تضم نحو 6000 فرد في سوريا، وقد انتشر ما يقّدر بنحو 1000 من أفراد الشرطة العسكرية الروسية في جميع مناطق خفض التصعيد والمناطق التي استُردت مؤخراً من المعارضة نتيجةً لاتفاقات المصالحة. كما عهدت روسيا إلى العديد من قوات الأمن الخاصة بمهمة القيام ببعثات خاصة في حربها ضد داعش وحماية منشآت الطاقة الروسية والمشاريع الاستثمارية؛ وتشمل هذه الجماعات شبه العسكرية، تشفك فاجنر، التي، وفقاً للمصادر، لديها حوالي 2500 عنصر على الأرض في سوريا.
لكن روسيا تدرك أنها ليست قوية بما فيه الكفاية لضمان مصالحها في سوريا من تلقاء نفسها، وأنها يجب أن تعتمد على الشركاء المحليين للقيام بذلك. وبالتالي تبذل موسكو جهوداً على جبهتين منفصلتين. إحداهما رأسية – تهدف إلى إحداث تأثير دائم داخل مؤسسات الدولة، ولا سيما الجهاز العسكري والأمني، من خلال الاستثمار في صُناع القرار المؤثرين، مثل اللواء علي مملوك، مدير مكتب الأمن الوطني لحزب البعث، واللواء ديب زيتون، رئيس إدارة المخابرات العامة، وهما من أبرز رجال الأمن. أما الجبهة الأخرى فهي أفقية بطبيعتها، إذ تحرص روسيا على تطوير علاقات مع أصحاب النفوذ المحليين مباشرة من أجل بناء علاقات مع المجتمعات المحلية بهدف موازنة نفوذ إيران المتزايد داخل المجتمع السوري. ويمكن استخدام هذه العلاقات كنفوذ للتأثيرعلى المفاوضات السياسية بما يخدم المصالح الروسية، في حين يمكن تجنيد هؤلاء النافذين أيضاً كشركاء محليين وضامنين للاستثمارات الروسية.
التواصل
يلعب مركز المصالحة الروسي في سوريا في قاعدة حميميم الجوية دوراً رئيسيا في التواصل مع أصحاب النفوذ المحليين؛ بيد أن آلية الاتصال والمسؤولين عنها تختلف تبعاً لمن يتحكم في المجالات ذات الصلة. وبالتنسيق مع مكتب الأمن القومي، تمكنت روسيا من التعامل مع مع أصحاب النفوذ المحليين في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بما في ذلك مختلف الأحزاب السياسية والشخصيات المحلية والزعماء الدينيين والقبليين من خلال موظفي مركز المصالحة. كما تمكنت من التواصل مع الأكراد عبر القنوات العسكرية والأمنية مثل قاعدة حميميم الجوية ووزارة الدفاع الروسية أو عبر القنوات السياسية التي تديرها وزارة الخارجية الروسية بالتنسيق مع حميميم.
ولكن روسيا تواجه معضلة التواصل مع مع أصحاب النفوذ المحليين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والتعامل مع تأثير العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية. وللتغلب على هذه التحديات، استخدمت العديد من الآليات للتواصل مع هذه المجموعات في محاولة لاستغلالها، وذلك بالاستعانة بشخصيات سياسية مهمة مثل أحمد الجربا للتواصل مع القيادات المحلية في المناطق المحاصرة مثل حمص والغوطة الشرقية، كما لجأت إلى لجان المصالحة (التي تتألف أساساً من الشخصيات المحلية والتكنوقراط المرتبطين بالنظام) والتي تمتلك قنوات اتصال خاصة بها يمكن استخدامها للتواصل مع المعارضة المحلية، مثلما جرى في مدينة التلّ قبل وقت قصير من انسحاب الجيش السوري الحر منها.
ووفقاً لأحد الناشطين في شماليّ حمص، فإن روسيا تعتمد أيضاً اعتماداً كبيراً على عناصر الشرطة العسكرية الشيشانية المسلمين ممن يتحدثون العربية للتواصل مع القيادات المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت موسكو دبلوماسية المسار الثاني للتواصل مع أصحاب النفوذ المحليين وفتح قنوات العودة من خلال العلاقات مع القوى الإقليمية.
وقد استخدمت روسيا حتى الآن نموذج “الجزرة والعصا” في التواصل مع أصحاب النفوذ المحليين لضمان نفوذها، وتوفير مزايا مثل الحماية الأمنية والتمويل، مع ضمان مقاعد لهم على طاولة المفاوضات وحصة من عائدات إعادة الإعمار. ولكن بالاستناد إلى الخبرات السابقة، فإن التدابير الأشد وطأةً للضغط على أصحاب النفوذ المحليين مثل جعلهم أهدافاً لعمليات عسكرية مستقبلية أو اللعب على الخصومات المحلية لتهميش أو إعطاء الأفضلية لمجموعة على حساب أخرى في حلٍّ سياسي وترتيبات إعادة الإعمار، تبقى على الطاولة.
التحديات الدائمة
على الرغم من أنها قد قطعت خطوات واسعة لتحقيق الاستقرار في وجودها العسكري وإضفاء الشرعية على ذراعها الأمنية في سوريا، إلا أن روسيا لا تزال تواجه تحديات في صناعة النفوذ داخل مؤسسات الدولة والمجتمع السوري حيث تعارض إيران جهودها. كما أن مراكز السلطة العديدة للنظام، والاعتماد على الميليشيات، وضعف المؤسسات، جميعها تحدّ من جهود روسيا لتعزيز نفوذها في بقية أنحاء سوريا. وعلى نحو مماثل، تجد موسكو صعوبة في التواصل مع العديد من أصحاب النفوذ في سوريا والتمييز بين مطالبهم ومراجعهم وولاءاتهم لقوى إقليمية أخرى – مما يجعل ركائز روسيا الاستراتيجية في سوريا أكثر هشاشة.