ارتفاع حدّة المنافسة بين روسيا وإيران في سوريا

تحارب روسيا وإيران في جبهةٍ واحدةٍ إسميّاً ترتبط بالحفاظ على نظام بشار الأسد في السلطة. إلاَّ أنّ من شأن الفترة الطويلة لانخراطهما في البلاد والصراع أن تضعهما في مواجهة بعضهما البعض في المعركة من أجل النفوذ.

إيران: المال والأرض

بدأ الوجود الإيراني في سوريا بعد فترة وجيزة من الثورة الإيرانية، عندما رحَّب به الرئيس الراحل حافظ الأسد بهدف إقامة توازن بين التحالفات في المنطقة وخارجها. ولكن استثمار هذا الوجود يأخذ اليوم نطاقاً أوسع من ذي قبل.

حتى نهاية عام 2016، قدَّمت إيران لسوريا ائتمانات بلغ مجموعها 4 مليارات دولار. ومنذ ذلك الحين، قدمت ائتماناً إضافيا بقيمة 3.5 مليار دولار. وتستخدم إيران هذه الائتمانات لتصدير البضائع إلى سوريا، كما وقَّعت دمشق خمس اتفاقيات تعاون على الأقل مع طهران للاستثمار في ميناء بمدينة طرطوس الساحلية واستخدام 5000 هكتار من الأراضي الزراعية واستكشاف مناجم الفوسفات جنوب تدمر وترخيص مشغِّلي الهواتف النقالة على الرغم من أن معظم هذه الصفقات لم تُنفَّذ بعد.

كما توسِّع إيران وجودها في سوريا من خلال ملكية الأراضي، وقد استحوذت على مساحة كبيرة من الأرض عند مدخل مركز مدينة دمشق، قريبة جداً من السفارة الإيرانية على طريق المزة السريع، وعلى مرمى حجر من مكتب رئيس الوزراء. ويقال إن هذا الموقع هو مركز ثقافي إيراني كانت إيران تقوم ببنائه لسنوات، ولكنها تتوسع في حجمه، ويحيط بالمبنى الأصلي الذي تشيده الآن عدة مباني أخرى.

روسيا: القلوب والعقول والقوة العسكرية

يعود تأثير روسيا إلى الحقبة السوفياتية. دعمت موسكو استقلال سوريا في عام 1946 وقدمت الدعم الثقافي والتعليمي؛ وقد تلقّىالعديد من السياسيين والمسؤولين العسكريين السوريين الحاليين تعليمهم وتدريبهم في روسيا. يُذكر أن أول قاعدة بحرية روسية فى سوريا أُنشِئت في طرطوس عام 1971.

واليوم، أضافت روسيا خططاً استثمارية إلى محفظتها في سوريا. وهناك صفقات روسية لبناء محطات توليد الكهرباء وبناء أربعة مطاحن للحبوب في حمص بتكلفة 70 مليون يورو ومحطة لضخ الغاز بالقرب من نهر دجلة والتنقيب عن النفط بتكلفة 100 مليون دولار وعلى مدى 25 عاماً. وتبلغ قيمة الصادرات الروسية إلى سوريا حوالي 200 مليون دولار.

غير أنّ هناك أيضاً بصمة عسكرية أكثر وضوحاً. فقد وقَّع الرئيس فلاديمير بوتين قانوناً يصادق على اتفاق مع الحكومة السورية يسمح لروسيا بالحفاظ على قاعدتها الجوية في سوريا لما يقرب من نصف قرن مع إمكانية التمديد. وخلال زيارة بوتين الأخيرة للقاعدة العسكرية في حميميم، جرى تهميش وجود الرئيس الأسد. وكان الغرض من زيارة الرئيس الروسي دعمَ جنوده وتعزيز معنوياتهم ولكن أيضاً لتوجيه رسالة إلى زعيم سوريا حول من هو صاحب القرار – ومن الذي حمى منصبه في الرئاسة.

وقد كسِبت موسكو أيضاً في صفوف بعض شرائح الشعب. فالعدد من السوريين يساورهم الشك في أجندة إيران الدينية ودورها في التغيير الديموغرافي، وتريحهم مزاعم روسيا بأنها تريد الحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي وجِد في سوريا قبل الحرب. وقد لعبت موسكو على هذا الجانب بتلبية المناشدات المحلية من خلال جلبِها رجال الشرطة الشيشان الُسنَّة لإرضاء الأغلبية السنية في حلب، وذلك على النقيض من الميليشيات الشيعية التي تعتمد عليها إيران.

معركة من أجل النفوذ

ثمّة اقتراحات تقول بأن لدى روسيا أيضاً رأيها في صفقات الاستثمار التي أبرمتها دمشق مع طهران أو وعدت بضمانها لطهران، مما يفسر سبب عدم تنفيذ صفقات استخراج الفوسفات وتشغيل شبكة الهاتف المحمول، من بين أمور أخرى، حتى الآن. ويعتقد الكثيرون في دمشق أنَّ روسيا تحاول عرقلة خطط التوسع الاقتصادي الإيراني. وتفيد التقارير أن الشركات الروسية سبقت إيران بالفعل في مناقصات لاستكشاف الغاز.

كذلك فقد سبق وأن اصطدمت جهود روسيا وإيران في توسيع النفوذ العسكري لكل منهما في سوريا. فعندما أعاقت الميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران إخلاء حلب، هاجمت الطائرات الحربية الروسية بلدتي كفريا والفوعة لإجبار الإيرانيين على تنفيذ الاتفاق. ورداً على ذلك، منع مقاتلو حزب الله الجنود الروس من الدخول إلى وادي بردى خلال حصار المدينة وأزمة المياه هناك.  يحاول كلٌّ من الطرفين الضغط على الآخر في جانبٍ يُتقِنه، إيران على الأرض، وروسيا من الجو.

وبالتالي، مع أنّ روسيا وإيران حلفاء من الناحية العمَلية في سوريا، فإنهما يواجهان تبايناً تكتيكياً متزايدا قد ينتهي بانفراط عقد زواج المصلحة بينهما.