تتواصل الاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور منذ شهور، وقد أصبحت أكثر تنظيماً وبلوَرَت مطالب أوسع وأكثر وضوحاً مع استمرارها.
تطورت المطالب المتعلقة بالخدمات وسُبل العيش، مثل توفير الوقود والكهرباء والغذاء، لتغدو احتجاجات ضد السيطرة الكردية ومطالِبَ بالحكم الذاتي.
مناطق الاحتجاجات
توسعت رقعة الاحتجاجات وبدأت في الانتشار نحو مدن وبلديات مختلفة. انتشرت الاحتجاجات التي بدأت في أوائل شهر نيسان/أبريل في قرى الكسرة ومحيميدة والجنينة في غرب دير الزور إلى قرى الريف الشمالي والشرقي.
خلال ذروة الاحتجاجات، سُجّلت مظاهرات في قرى ضمان والحصين ومدينة البصيرة وبلدات الشحيل والطيانة وأبو حردوب والكسرة ومحيميدة، وقطعت الطرق الداخلية في جميع أنحاء دير الزور.
وفي الآونة الأخيرة، انتقلت الاحتجاجات إلى ريف محافظة الحسكة، حيث اندلعت مظاهرات في القرى الجنوبية، وخاصة قرية علوة الشمساني.
وقال أحمد سالم النصر، أحد المتظاهرين من قرية الكسرة، إن الاحتجاجات ستستمر حتى يتم تلبية مطالب الشعب، وهناك جهد منسق لزيادة الاحتجاجات في جميع أنحاء ريف دير الزور والحسكة والرقة، التي تخضع جميعها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وأضاف سالم أن "الاحتجاجات جرت بسِلمية تامة، ولا توجد نوايا حالية لتحقيق مطالبنا عسكرياً".
أسباب الاحتجاجات
هناك العديد من الأسباب وراء اندلاع الاحتجاجات وأهمها تدهور الظروف المعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث كان هناك ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والوقود.
علاوة على ذلك، تستمر الاعتقالات التعسفية للمدنيين بتهم مختلفة مثل العمل مع داعش أو تركيا. تعرَّض المعتقلون للتعذيب، وبحسب ما أفادت التقارير فإن ثلاثة مدنيين قتلوا في الاعتقال خلال شهر نيسان/أبريل الماضي وحده. وسُجِّلَ العديد من حالات الاحتجاز بين سكان المخيمات في ريف دير الزور، ولم يُسمح لهؤلاء الأشخاص بالعودة إلى قراهم، مثل الباغوز والسوسة.
ومن النقاط العالقة الأخرى، الفساد البيروقراطي والمالي في مناطق المجالس المدنية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، وسياسة التجنيد الإلزامي وعدم وجود حصة للعرب في إدارة المنطقة.
المطالب العشائرية
خلال الشهرين الماضيين، عقدت قوات سوريا الديمقراطية اجتماعين مع شخصيات عشائرية بارزة في محاولة لوقف الاحتجاجات. عُقِد الاجتماع الأول في منطقة عزيبة، غرب دير الزور مع شيوخ عشيرة البقارة، بينما عُقِد الاجتماع الثاني في منطقة المعامل، شمال دير الزور، مع شيوخ عشيرة البْكَيِّر.
طلبت قوات سوريا الديمقراطية حضور متظاهرين ممثلين في اجتماع المعامل، لكنهم رفضوا وأرسلوا بدلاً من ذلك ملخَّصاً لمطالبهم يحتوي 10 نقاط، وهي:
- وقف الحملة التعسفية للأجهزة الأمنية ضد الأبرياء
- إطلاق سراح الموقوفين بناء على بلاغات مزيّفة واتهامات ملفّقة بالعمل مع داعش أو درع الفرات
- إطلاق سراح النساء والأطفال من المنطقة، المحتجزين في المخيمات
- وقف التعاون مع النظام وتهريب النفط
- تفعيل دور زعماء المنطقة في قوات سوريا الديمقراطية
- معاملة أهل الحسكة والرقة معاملةً حسنة والسماح لهم بالدخول والخروج من المنطقة دون كفيل
- إنهاء التجنيد الإلزامي
- إنهاء دور الكوادر الحاضرة في المجلس المدني وتفعيل دور رؤساء اللجان ورئيس المجلس المدني
- توفير الوقود والكهرباء
- عدم قمع المتظاهرين
- إنهاء مشاكل القيادة العسكرية مع المدنيين
في خضمّ الاحتجاجات في المنطقة، عقدت قبيلة العقيدات اجتماعاً عشائرياً في شهر أيار/مايو في الشحيل، وانضم ممثلو جميع مكونات القبيلة إلى الاجتماع تحت إشراف جميل رشيد الهفل، أحد أبرز شيوخ العشائر.
انتهى الاجتماع بإعلان القبيلة لمطالبها التي تتألف من خمسة بنود وهي أنَّ على التحالف تسليم إدارة المنطقة لأهلها، وإطلاق سراح المحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية بموجب بلاغات مزيّفة، ووقف الاعتقالات، وإغلاق المخيمات والسماح للسكان بالعودة إلى قراهم. أمّا المطلب الأخير الذي شدّد على ضرورة طرد الميليشيات الإيرانية والروسية من غرب الفرات، فهو الأكثر أهمية. وأكدت قبيلة العكيدات استعدادها للتعاون مع التحالف لتحقيق هذا الأمر عسكرياً وسياسياً.
ردود قوات سوريا الديمقراطية ومحاولة استغلال النظام وروسيا
لم تستجب الإدارة الذاتية ولا قوات سوريا الديمقراطية، ولا حتى في وسائل الإعلام التي تغطّي هذه الاحتجاجات. وبدلاً من ذلك، جاءت الردود من خلال روايات الناشطين المرتبطين بها، والتهجُّم على المتظاهرين واتهامهم بأنهم من داعش أو من الشوفينيين العرب "الذين يستخدمهم" نظام الأسد وإيران وتركيا. واجه المتظاهرون هذا الموقف بسخرية متسائلين – في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردي – من الذي يحتضن مقرّات الأسد في الحسكة والقامشلي ويزوّد نظام الأسد بالنفط ويتفاوضون معه.
بدورهم، حاول نظام الأسد وإيران وروسيا استغلال الموقف من خلال وسائل الإعلام الخاصة بهم، بقولهم إنهم كانوا وراء الاحتجاجات أو لتحويلها إلى مصلحتهم، زاعمين أن هدف المحتجين هو طرد الاحتلال الأمريكي-الكردي من المنطقة، وأن الجيش السوري وحلفاءه سيدخلون كبديل.
وقد أجبرت محاولة النظام لاستغلال الموقف المتظاهرين على تأكيد رفضهم لدخول الجيش وحلفائه، لأنهم يعتبرون الوجود الأميركي الضمان الوحيد ضد أي هجوم تشنّه عليهم ميليشيات النظام وإيران. في المقابل، حمَّلَ المتظاهرون النظام الأميركي مسؤولية أنشطة قوات سوريا الديمقراطية باستخدام الدعم الأميركي كغطاء للقمع.
"وضع متفجر"
قال رئيس التيار العربي المستقل، محمد الشاكر، إن واقع المكون العربي شرق الفرات مرير، "نتيجةً للتهميش والاستبعاد من جانب المكون الكردي الذي يهيمن على إدارة المنطقة وثروتها. "
وأضاف أن "النهج الإقصائي المتواصل بحق المكوّن العربي قد يؤدي إلى وضع متفجر في المنطقة واندلاع صراع قومي بين العرب والأكراد". كما أكد أن "انفجار الوضع من شأنه أن يُعرّض المنطقة لخطر كبير، ألا وهو احتمال قيام النظام وإيران باستغلال التوتر ومحاولة تعزيز الهيمنة على شرق الفرات أو حتى تهيئة بيئة غير مستقرة من خلال عملياتهما الأمنية التي تُعيد داعش إلى الواجهة في المنطقة ".
وفي ما يتعلق بالحلول الممكنة، أشار الشاكر إلى أن "الحل يكمن في تسليم إدارة المنطقة لمواطنيها، وتفعيل دور تشاركي بين المكونات وتوزيع الثروة بشكل منصف في هذه المناطق".