ما تزال عودة الحياة إلى طبيعتها بعيدة المنال في شرق حلب

رغم منافحة النظام عن جهوده لإعادة الإعمار، إلا أن الواقع على الأرض يعكس رواية مختلفة تماماً.

تحاول الحكومة السورية إشاعة شعور بعودة الحياة الطبيعية في الأحياء الشرقية من حلب، مع مخطط عمراني جديد، وزيارة وزارية حديثة، وحملةٍ إعلاميةٍ حكوميةٍ تركز على تنظيف الشوارع وإزالة الأنقاض. إلاَّ أن جولة واحدة سريعة في المنطقة تكفي لدحض جميع تصورات العودة المطمئنَّة إلى الحياة الطبيعية.

سيطر النظام السوري على المدينة في أواخر عام 2016، بعد سنوات من القصف الجوي بالصواريخ والبراميل المتفجرة والقصف والحصار. ونجا القليل من المباني في الأحياء الشرقية من آثار التفجيرات، فقد دُمِّرت شوارع بأكملها، وكذلك دُمِّرت البنية التحتية بالكامل لهذه المناطق الفقيرة.

وعلى الرغم من أن أكثر من 60٪ من سكان حلب كانوا يعيشون هناك قبل الثورة السورية، إلا أن العديد من هذه المناطق كان يفتقر إلى العديد من الخدمات الأساسية. وخلال الحرب، حتى المدينة القديمة لم تنجُ من موجة التدمير الممنهج والمتعمد، الذي كان يهدف إلى تطهير المنطقة من المدنيين قبل طرد الفصائل العسكرية المسلحة.

أكثر ما يصعق المرء بينما يسير في الأحياء شبه المهجورة الآن هو إدراك أن هذه الشوارع كانت مزدحمة بالناس ذات يوم. نادراً ما يشاهَدُ الشباب، لأنّ معظمهم هجَر هذه المناطق خوفاً من التجنيد العسكري الإجباري أو المضايقات من جانب قوات الأمن. ومعظم العائدين هم من كبار السن أو ممن تجاوزا سن التجنيد للواجب الاحتياطي.

وبناءً على ذلك، يمكن التمييز بين فئتين سكانيتين منفصلتين: الفئة التي عادت إلى ديارها بعد الإقامة في الأحياء الغربية؛ والفئة التي عادت إلى ديارها بعد أن غادرت لعدة أيام أثناء الهجوم الذي أدى إلى سقوط شرق حلب. لقد تعرَّض الكثيرون من الفئة الثانية للاعتقال والتحقيق والابتزاز المالي بعد عودتهم. ولا يزال بعضهم معتقلاً بتهمة التعاون مع الثوار أو العمل في منظمات ثورية، حتى لو كانت ذات طبيعة إنسانية أو خيرية.

بالنسبة للأشخاص الذين بقوا، تُخيِّم المخاوف الأمنية على الحياة اليومية، فهناك اعتقالات ومداهمات متكررة، وتتطلّب كل الأمور اليومية وتقريباً الموافقات الأمنية، من الحصول على المساكن، إلى فتح متجر، إلى نقل الأثاث المنزلي.

حتى توثيق الوفيات يتطلب الحصول على الموافقات الأمنية، وهي مفارقة حزينة ومأساوية في هذه الظروف. على هذا النحو، يمتنع العديد من الأشخاص عن توثيق موت أحبائهم خوفاً من أن يكونوا مطلوبين من قبل قوات الأمن. وهم يخشون من أن تتم محاكمتهم بدلاً من أقاربهم المتوفين، مما يستتبع مصادرة أموال ووصايا قريب المتوفى إذا كان مطلوباً من السلطات الأمنية.

وفي الواقع، ليست الدولة من يسيطر على هذه الأحياء بصورة مباشرة، ولكن عصابات الشبيحة من العصابات التي استولت على ممتلكات النازحين، وخاصة المحلات والمخازن التجارية. وفي الحقيقة فإن الشبيحة يفاقمون المشاكل الأمنية.

اندلع القتال بالأسلحة الصغيرة والمتوسطة بين شبيحة آل برّي (ميليشيا مدعومة من النظام) من جهة، شبيحة كفَريا والفوعة من جهة أخرى. وفي تشرين الأول / أكتوبر الماضي، كافح هذان الفصيلان من أجل النفوذ في الأحياء الممتدة من الصالحين إلى المرجة وباب النيرب وصولاً إلى كرم الطرَّاب والميسَّر. وقد استولى شبيحة كفَرية والفوعة على العديد من المنازل المهجورة التي كان بعضها مملوكاً لأشخاص ذهبوا للقتال مع شبيحة آل برّي الذين يُعتبرون الزعماء التقليديين لهذه الأحياء.

قُتل العشرات وأصيبوا في تدخل قادة أمنيين وعسكريين وحزبيين وسياسيين رفيعي المستوى في حلب لإنهاء النزاع بين الفصيلين. ومع ذلك، لا يزال الصراع مستعراً بين مجموعات من الشبيحة في أماكن أخرى وبأشكال مختلفة. لا يزال الناس العاديون عالقين بين النيران المتبادلة، وكانت هناك العديد من حالات الاختطاف والقتل والاغتصاب في كل من الأحياء الشرقية والغربية.

ليس الشبيحة وحدهم الذين يصادرون العقارات فقد استقر الشبيحة في بيوت الناس المهجورة في محافظة حلب منذ نهاية عام 2016. في أعقاب زيارة الوفد الوزاري إلى حلب أواخر العام الماضي، كلَّف رئيسُ وزراء الحكومة وزيرَ الإدارة المحلية بإزالة آثار الحرب والدمار من المدينة. وينصُّ هذا على الحاجة إلى تسريع خطط عمرانية جديدة، مما يعني هدم أحياء بأكملها.

معظم الأحياء الشرقية مدرجة في خطة الهدم الجديدة والمنظّمة كأحياء "تجاوزات"، مما يجعلها مفتوحة أمام الإزالة الواسعة النطاق. وقد بدأت عمليات الهدم في بعض الأحياء (مثل الحيدرية) قبل أن يتم إيقافها لأسباب غير معروفة. ومع ذلك، بدون سلطة توفيقيةٍ تردع أعمال الهدم أو تسيطر عليها، فقد تعود عمليات الهدم في أي لحظة.

كما أن الغياب الدائم للخدمات من الأحياء الشرقية يفرض مجموعة من القضايا هو الآخر. ونظراً لأن الكهرباء لم تعد إلى هذه الأحياء طيلة عامين، فإن الناس يضطرون إلى الحصول على الكهرباء من المولدات الكهربائية للشبيحة، ودفع مبالغ ضخمة من المال (في الواقع يدفع الناس كامل دخلهم) لمدة لا تزيد عن 10 ساعات من الكهرباء لكل رسم.

المرافق الصحية مثل المستشفيات والعيادات غائبة أيضاً، وقد تمَّ إعادة تأهيل بعض المدارس من خلال تبرعات مالية من منظمات إنسانية دولية تحت الإشراف الإداري للنظام. ومع ذلك، فهي لا تزال تعاني من نقص في المعلمين واكتظاظ الصفوف الدراسية بسبب العدد القليل من المدارس المفتوحة المتاحة.

كذلك فإن الطرقات، لا سيّما الشوارع الجانبية والشوارع الخلفية، مليئة بالحُفر وتفتقر إلى الإضاءة الكافية. وقد تم إغلاق أو إقفال العديد منها بسبب الحطام والمباني المتهدمة. ويشير الخبراء الاقتصاديون إلى عدم قدرة النظام على إعادة بناء الشوارع أو إعادة فتحها، أو حتى إزالة الأنقاض، في ظل الاقتصاد الراكد. وتُبيّن التقارير الصادرة مؤخراً أن النظام طلب من الموالين له دفع 40٪ من تكاليف إعادة بناء منازلهم المدمرة.

على الرغم من رسائل النظام العامة حول دعم عودة اللاجئين والنازحين، يتساءل المرء كيف يمكن دعم أي عودة لهؤلاء بالنظر إلى الوضع المحفوف بالمخاطر للسكان الحاليين أنفسهم.