لكنها تسلّط الضوء أيضاً على التوتر المستمر بين الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، والمخاطر التي يشكلها هذا التوتُّر على المدنيين.
بعد اجتماع ضمَّ وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية التركي في واشنطن في 4 حزيران/ يونيو، أصدرت كل من الولايات المتحدة وتركيا بياناً مشتركاً أعربتا فيه عن تأييدهِما لخريطة طريق بشأن المضي قُدُماً في مدينة منبج في الواقعة شمال سورية. إلاَّ أن البيان ترك العديد من الأسئلة حول الصفقة بدون إجابة. لكن الصفقة توفِّر فرصة للتخفيف من معاناة سكان منبج – في حين أنها تسلط الضوء أيضاً على التوتر بين قوات سورية الديمقراطية والجيش السوري الحر، والمخاطر التي يشكِّلها على المدنيين.
تغيير الوضع الراهن
إن وجود تركيا في إدارة مدينة منبج هو فرصة لإقامة سلطة إدارة أكثر توازناً يمكن أن تنهي السلطة المطلقة لقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، فضلاً عن النفوذ الكبير الذي تمارسه وحدات حماية الشعب الكردي (YPG). تُعتَبر منبج مدينة ذات أغلبية عربية، ويرى الكثيرون في أي انتهاك من جانب قوات سوريا الديمقراطية والمؤسسات التابعة لها، بصرف النظر عن مدى كونه انتهاكاً بسيطاً أو كبيراً، عملاً يستند إلى أساس عرقي.
وقال أحد المدنيين من منبج "إنَّ معظم المناصب والفرص في المدينة تعطى للأشخاص غير المؤهلين وحتى غير المتعلمين لمجرّد كونهم أكراداً". فيما قال آخر "يمكنك أن تشعر بالكراهية العرقية من قبل القوات الكردية عند أي نقطة تفتيش في المدينة".
ويمكن أن يؤدي تغيير الوضع الراهن في منبج إلى إنهاء عزلتها عن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر من خلال رفع القيود المفروضة على الدخول إلى المدينة لدواعٍ أمنية. ففي شهر أيار/مايو 2017، أصدرت قوات سوريا الديمقراطية لوائح جديدة تمنع سكان المناطق الواقعة خارج سيطرتها من دخول مناطقها ما لم يُبرِزوا كفالةً مصدَّقة عادةً ما يصعب الحصول عليها. ويواجه سكان المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الذين تظهر بطاقاتهم الشخصية انتماءهم لمناطق أخرى المشكلة نفسها. لا شك في أن فرض هذه القيود في منبج قد أحدث عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة. و
وقال أحد المدنيين من منبج "إنَّ لدى كل عائلة في منبج تقريباً أقارب يقطنون في جرابلس أو الباب أو أي مدن أخرى محيطة بها. نشعر أننا تحت حصار جزئي. أخي على بعد بضعة كيلومترات، لكننا نشعر أننا نعيش في دولتين مختلفتين". ولطالما كانت منبج عاصمة لأولئك الذين يقطنون في ريف حلب. "قبل هذا القانون، كان نصف مرضاي يأتون من المناطق المجاورة. أما الآن يحتاج الناس إلى تأشيرة لزيارة الطبيب أو تلقي العلاج في مستشفى في منبج" وذلك بحسب ما قاله طبيب من منبج.
من الناحية الاقتصادية، يبدو أن السكان المحليين الذين يخضعون لإدارة قوات سوريا الديمقراطية يكابدون مع الرسوم الجمركية والضرائب المرتفعة التي تفرضها المكاتب المناظِرة. ووفقاً للتجار، تفرض مكاتب الجمارك في منبج رسوماً جمركية على جميع السلع والأصناف المستوردة من تركيا إلى منبج أو غيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية شرقيّ الفرات. (تلعب منبج دور البوابة بين شرق نهر الفرات وغربه) وهذه الرسوم ليست الوحيدة، إذ تضاف إلى رسوم عبور أخرى تفرضها السلطات على البوابات التي تخضع لسيطرة الجيش السوري الحر التي ترى موقعها في الطريق الواصلة إلى مدينة منبج كفرصة اقتصادية.
"عادة ما يتم فرض ثلاثة رسوم مختلفة على الأقل على قوافلي من البضائع المتجهة إلى منبج: الأول عند البوابة التركية، والثاني يُدفَع لمكاتب الجيش السوري الحر للحصول على تصريح بالمرور نحو المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فيما تُدفَع آخر الرسوم إلى مكتب جمارك قوات سوريا الديمقراطية". وذلك بحسب ما قاله تاجر سوري مقرّه في تركيا.
ومن المؤكد أن جميع هذه المبالغ ستزيد من السعر النهائي للسلع، مما يؤثر سلباً على قدرة المدنيين على تحمل تكاليف المعيشة. ومن المرجح أن تقوم تركيا في حال مشاركتها في إدارة مدينة منبج بنقل النقطة الحدودية مع المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية إلى نقطة عبور جديدة مما يرفع العبء المالي للرسوم الجمركية عن كاهل سكان منبج.
وعلاوة على ذلك، يبدو أن مؤسسات الحكم في منبج تعتمد على الضرائب كمصدر رئيسي للدخل. "معدل الضرائب والرسوم المفروضة في المدينة الآن هو أعلى مقارنة بالمناطق الأخرى وكذلك مقارنة بما كنا ندفعه في الماضي. لقد دفعتُ مؤخراً مبلغ 3000 دولار كضرائب على سيارتي الجديدة". يقول أحد السكان.
وبخلاف الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، فإن سكان منبج ملزمون بدفع قائمة طويلة من الضرائب لقاء الخدمات العامة. ويعدُّ الاستياء من مبلغ هذه الضرائب أمراً مثيراً للقلق، ولا سيّما بالنسبة للفقراء في المجتمع. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت تركيا والسكان المحليين التابعين لها الذين من المتوقع أن يقوموا بإدارة مدينة منبج سوف يتبنون نموذج تمويل مماثل للمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الجيش الحر.
المخاوف الأمنية
كذلك فقد أثارت الصفقة الجديدة بعض المخاوف بشأن أمن الناس والدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه الفصائل المسلحة في الجيش السوري الحر. ويخشى الكثيرون من أن تسمح الاتفاقية لجماعات الجيش السوري الحر بالوصول أو ممارسة النفوذ في حكم المدينة.
يُنظر إلى منبج اليوم على أنها أكثر استقراراً وأماناً من الأجزاء الأخرى في سوريا التي تسيطر عليها القوات المدعومة من تركيا، مثل الباب وإعزاز، اللتين تعانيان من الاقتتال الداخلي. وأكد المتحدث باسم المجلس العسكري في منبج شيروان درويش في بيان صدر مؤخراً أنه على عكس منبج، فإن المناطق السورية التي تسيطر عليها تركيا في الوقت الحاضر تعاني من عدم الاستقرار. يجب على تركيا الانتباه إلى ضمان أن خارطة الطريق بخصوص منبج لا تسمح لمجموعات الجيش السوري الحر باستخدام المدينة كساحة معركة لحربٍ جديدة على المصالح.
ومن الشواغل الأخرى سلامة المدنيين الذين قد يُنظر إليهم على أنهم مؤيدون لقوات سوريا الديمقراطية أو أنهم تعاونوا مع وحدات حماية الشعب، والذين يواجهون إمكانية تقييدهم في سجلات الجيش السوري الحر على أنهم "خوَنة". وبالنظر إلى اللغة التحريضية والعدائية التي يستخدمها أفراد الجيش السوري الحر في الإشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية والفروع التابعة لها، لا ينبغي إغفال هذا الخطر.
وفقاً للسكان المحليين، فقد تعمَّق العداء بين الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية في أعقاب عملية غصن الزيتون، إذ استثمرت تركيا استثماراً كبيراً في حشد مقاتلي المعارضة ضد وحدات حماية الشعب وحلفائها. وعلاوة على ذلك، عيَّنت قوات الجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة لجنة أمنية لمطاردة الإرهابيين الذين جرى تحديدهم على أنهم من المشتبه بانتمائهم لداعش وقوات سوريا الديمقراطية. إن الخلاف حول تعريف الإرهاب هنا سيضع العديد من المدنيين في خطر إذا ما أصبحت عناصر مكافحة الإرهاب في الجيش السوري الحر جزءاً من مستقبل منبج.
وتنشأ مخاوف مماثلة بالنسبة للمدنيين الذين تم اعتقالهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية بسبب صلاتهم مع داعش ثم تبرئتهم أو الإفراج عنهم بعد انتهاء مدة العقوبة. وقد تم التعامل مع قضايا الإرهاب هذه من قبل محكمة حماية الشعب وبموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي صاغه المجلس التشريعي المحلي في روج آفا في عام 2014.
وتبدو احتمالية الاعتراف بقرارات هذه المحكمة من قبل الجيش السوري الحر ضعيفة. وأفاد أحد الأشخاص أنه بعد أن احتُجِزَ وبُرئت ساحته، اكتشف أن اسمه لا يزال مدرجاً في قائمة المطلوبين للجيش السوري الحر.
إن خارطة طريق جيدة لمنبج لن تؤدي إلى حل كامل للأجهزة الأمنية الحالية في المدينة. وبدلاً من ذلك، ستسهم في عناصرها وهياكلها الثابتة بُغيةَ إنشاء جهاز أكثر توازناً وتجنّب أي أعمال انتقامية في المدينة.