ينبغي النظر إلى ما هو أبعد من العنف لفهم الأخطار التي ما تزال ماثلة في سوريا

  • حايد حايد

    Consulting Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل مشارك استشاري، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

يستخدم النظام مزيجاً من آليات اللوائح القضائية لمعاقبة المدنيين الذين يُعتَبرون، أو كانوا في مرحلة ما، “خارج النظام”. ومن الأهمية بمكان إيلاء مزيد من الاهتمام لمثل هذه الممارسات من أجل فهمٍ أفضل لمختلف أشكال الاضطهاد المتواصل الذي ترعاه الدولة.

بعد نجاح نظام دمشق في استعادة السيطرة على المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة الثوار في سوريا، شَهِدت أعداد المعارضين الذين جرى اعتقالهم ارتفاعاً كبيراً. ومع ذلك، لم يُلقَ القبض على معظمهم بناءً على تُهم قدمتها الدولة، بل على أساس تهم الادعاء الخاصة – وهو سبيل قضائي يلجأ إليه في هذه الحالة أفراد من المدنيين ممن يُفتَرَضُ أنهم يسعون إلى مقاضاة الثوار السابقين أو النشطاء بسبب انتهاك حقوقهم الشخصية.

في حين أن العملية قانونية بالكامل، إلا أن العديد من السوريين يعتقدون أن النظام يقف وراء تهم الادعاء الخاصة، مستغلاً ثغرةً قانونية لملاحقة خصومه. وبحسب ما تشير إليه التقارير، يتم ذلك بتشجيع المدنيين على رفع دعاوى خاصة والسماح بتوجيه التهم دون جمع أدلة التحقيق في المرحلة الابتدائية.

وتشير المعلومات المستقاة من المقابلات الشخصية التي أُجريت مع كاتب هذا التقرير إلى أن معظم تهم الادعاء الخاصة هذه قد رُفِعت ضد القادة السابقين والمقاتلين الذين استسلموا، رغم أن بعضهم كانوا مدنيين أيضاً. وكانت الاعتقالات حسب ما أشارت إليه التقارير تُنفَّذُ من قِبَل الأمن السياسي أو قوات المخابرات الجوية التي لا تمتد صلاحيتها عادة لتشمل الإجراءات الجنائية.

في المقابل، يُمنح أنصار النظام – سواء كانوا مقاتلين أو مدنيين – الحصانة الكاملة عن الجرائم التي ارتُكبت قبل النزاع وفي أثنائه، ومن المؤكد أن أي شخص يسعى إلى توجيه اتهام خاص ضد شخصيات موالية سيتعرض للمضايقة أو التخويف أو حتى الاعتقال.

كذلك لا تزال عودة الموظفين المدنيين الحكوميين إلى وظائفهم قضية معقدة. على امتداد فترة النزاع، توقَّف الآلاف من موظفي الخدمة العامة في مناطق الثوار عن أداء وظائفهم لأسباب مختلفة، بما في ذلك القيود المفروضة على الحركة أو الموقف السياسي أو الخوف من الاضطهاد. وبالتالي فإن السلطات المسؤولة عن هؤلاء الموظفين أصدرت قرارات قضائية بفصل هؤلاء الموظفين المدنيين غيابياً لعدم قيامهم بوظائفهم.

لكن على الرغم من التغيير في السيطرة على تلك المناطق ، إلا أن الغالبية العظمى من موظفي الحكومة المفصولين لم يتمكنوا من استعادة وظائفهم. ونتيجة لذلك، تعاني العديد من مؤسسات الدولة من نقص حاد في اليد العاملة (وتحديداً المستشفيات والمدارس) ما يؤدي إلى مفاقمة معاناة المدنيين بسبب نقص الخدمات الأساسية.

في حين يتم اتخاذ هذه القرارات وفقاً للقوانين واللوائح المحلية، يشعر الموظفون المطرودون أنهم مستهدفون بسبب المناطق التي ينتمون إليها، وهم يجادلون بأنه على الرغم من أن هذه القوانين قد تنطبق في أوقات السلم، إلا أنه ينبغي إعادة النظر فيها لاستيعاب الظروف الخاصة التي منعت هؤلاء الموظفين من أداء وظائفهم كالمعتاد.

وفي هذا الصدد، تقدَّم العشرات من الموظفين المفصولين بطلبات تشرح أوضاعهم من أجل استعادة وظائفهم، إلاَّ أن طلباتهم قوبلت بالرفض. وعلاوة على فقدان وظائفهم، طُلب من بعض الموظفين المطرودين حضور جلسة استماع في المحكمة، والتي تنتهي غالباً ما تنتهي إما بغرامات مالية أو بالسجن لمدد تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات.

وقد أُصدِرت ترسانة ضخمة من القوانين واستُخدمت من قبل النظام من أجل معاقبة خصومه من خلال مصادرة ممتلكاتهم بشكل غير قانوني، وأهمها القانون رقم 10 والقانون رقم 3، وهو ما ق يُفضي إلى هدم ومصادرة منازل الآلاف من المواطنين النازحين. وبالمثل، يستخدم النظام “قانون مكافحة الإرهاب” ، المرسوم 63 من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012، للاستيلاء على ممتلكات نشطاء المعارضة المفترضين وعائلاتهم حين يستعيد السيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرة جماعات الثوار.

ولا يزال النظام يفرض القيود بشكل ممنهج على إيصال المساعدات إلى المناطق التي كان يسيطر عليها الثوار سابقاً، وخاصة في جنوب سوريا. لم تعد وكالات الإغاثة غير المسجّلة لدى النظام التي عملت لسنوات من خلال عمليات عبر الحدود قادرة على الوصول إلى تلك المناطق، في حين أن طلبات الجهات الفاعلة العاملة من دمشق للتدخل ترُفَض إلى حد كبير. وتشير التقارير في الآونة الأخيرة إلى أن مئات الآلاف في المناطق التي استولت عليها القوات الحكومية في عام 2018 ما زالوا متعطشين إلى المساعدات الأساسية.

ليست هذه الممارسات سوى أمثلة قليلة على القوانين واللوائح المختلفة التي يستخدمها النظام السوري بطريقة تمييزية ضد السكان الذين لا يتماشون مع أجندة الحكومة السياسية. لذلك يجب على المحللين السوريين الابتعاد بصورة واعية عن تقييم الاضطهاد الذي ترعاه الدولة من خلال منظور العنف. إن فهم هذه الأساليب الجديدة لاستهداف المدنيين بالوسائل البيروقراطية أو القانونية أمر حاسم لاستيعاب الأخطار التي يواجهها الناس في سوريا الآن.