القوات الكردية وقوات النظام السوري تنتهج طرقاً متباينة جداً لبسط سيطرتها في دير الزور

بعد هجمات متزامنة ضد داعش، انقسمت محافظة دير الزور الواقعة شرق سوريا ما بين النظام السوري الذي يسيطر على مساحات واسعة من المحافظة في جنوب نهر الفرات، وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي تتحرك لفرض سيطرتها على المنطقة الواقعة شرق النهر.

وتنتهج هاتان السلطتان سياسات مختلفة: ففي حين يعتمد النظام على القوات المحلية، وخاصة قبائل المنطقة لتعزيز سلطته، تحاول قوات سوريا الديمقراطية تفتيت تلك القوى لتجريدها من أي دور انتقالي أو مستقبلي في المنطقة، وترى فيها منافساً على  السلطة.

النظام: التقرّب من القبائل لتعزيز السيطرة

يدرك النظام جيداً أنه نظراً لاتساع المنطقة التي استولى عليها، فإنه يحتاج إلى قوات مسلحة قادرة على إنفاذ الأمن ومنع حدوث فراغ أمني يمكن أن يفتح الباب أمام عودة التمرد ضده. لذلك، قرر النظام دعم الجماعات القبلية وميليشيا قوات الدفاع الوطني التي قاتلت إلى جانبه، بهدف تسليمهم السيطرة على المناطق التي تم الاستيلاء عليها من داعش. وبمجرد انتشار  هذه الميليشيات، فإنها ستمثل الدولة السورية، وتصبح في الواقع جزءاً من الجهاز العسكري للدولة.

إن الغرض من إنشاء النظام لهذه القوات هو توزيعها على أساس القبيلة والمنطقة. وتهدف دمشق إلى تجنيد الرجال من كل منطقة، وتزويدهم بالأسلحة الكافية، ثم تكليفهم بحماية تلك المنطقة. وسيخصص النظام مهمة حماية ريف دير الزور الغربي لرجال من قبيلة البوسرايا المحلية التي تنتمي حالياً إلى قوات الدفاع الوطني أو الميليشيات القبلية. وسيسري ترتيب مماثل على قرى دير الزور الشرقية الواقعة جنوب نهر الفرات، في حين أن مدينة دير الزور نفسها ستخضع لدوريات مشتركة بين مقاتلي قوات الدفاع الوطني وقوات النظام.

تتزامن الجهود الرامية إلى إنشاء قوة قبلية للسيطرة على المناطق التي استولت عليها قوات النظام مع وصول الشخصيات القبلية البارزة في حيي الجورة والقصور في مدينة دير الزور، بما في ذلك زعيم قبيلة البگَّارة نواف البشير، وزعيم البوسرايا، مهنّا الفياض، وممثلين عن قبائل العكيدات والشويطات وغيرهم من زعماء القبائل في المدينة.

لا تقتصر مهمة هذه الشخصيات، بالتنسيق مع الحكومتين السورية والروسية، على إنشاء وقيادة قوات حماية، بل أيضاً محاولة الوصول إلى “صفقات المصالحة” في المناطق التي يسيطر عليها النظام، والتي يمكن أن تضم الأشخاص المطلوبين لعلاقتهم بالثورة مقابل ضمانات بعدم وجود معارضة للحكومة، وأن الأشخاص المتخلفين عن الخدمة العسكرية سيجندون قسراً.

تواجه هذه المحاولات التي يقوم بها النظام السوري وروسيا لإعادة استقرار وإحياء المناطق التي استولى عليها في دير الزور عقبات كبيرة، بما في ذلك حقيقة أن غالبية السكان يعارضون حكم النظام وهذه الميليشيات وذلك خوفاً من الهجمات الانتقامية. وفي الوقت نفسه، يرى العديد من السكان أن العيش تحت حكم قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على الضفة الشرقية لنهر الفرات هو الخيار الأفضل.

قوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي: احتكار السلطة

مع ذلك، وعلى الرغم من الشعارات التي ترفعها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حول التحرير والشراكة مع القوات المحلية، إلاَّ أنَّ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وجناحه العسكري، وحدات حماية الشعب الكردي (YPG) – التي تشكل العمود الفقري لقسد – يسعون إلى احتكار السلطة من خلال تفتيت القوات العربية التي تقاتل إلى جانبهم. ويخشون من أن الولايات المتحدة ستمنح تلك القوات مهمة حماية هذه المناطق وإدارتها في المستقبل، ما لم تستغلها مسبقاً. وقد زاد هذا الخوف من قدرة تلك القوات على إحراز تقدم في المنطقة وجذب المقاتلين المحليين من المناطق التي استعيدت من تنظيم داعش.

ويعمل الحزب الديمقراطي الكردستاني ووحدات حماية الشعب على تفكيك مجلس دير الزور العسكري الذي يعمل تحت مظلة قسد، وهو القوة الوحيدة المكونة من مقاتلين محليين شاركوا فى هجوم “عاصفة الجزيرة” الذى أطاح بداعش في منطقة شرق الفرات. وهم يبذلون جهوداً لإثارة الخلاف بين الفصائل المختلفة وخاصة بين قائدها أحمد الخليل وياسر دحلة قائد لواء البقارة التابع للمجلس و الذي يحارب تحت رايته.

وفي أوائل تشرين الأول/أكتوبر، أفرجت الشرطة العسكرية التابعة لقسد عن دحلة بعد احتجازه لعدة أيام بتهمة تجاهله أو فشله في الاستجابة لأوامر المجلس. وكانت حجج قسد لاحتجاز دحلة غير مقنعة، ويبدو أن الخلاف بينه وبين قائد المجلس كان مجرد ذريعة استخدمتها وحدات حماية الشعب في كبح جماح سلطة دحلة المتنامية بعد أن خاض المعركة ضد داعش في منطقة البادية الشمالية من محافظة دير الزور وفي منطقة المعامل والمنطقة الصناعية، وقاعدة اللواء 113، فضلاً عن قرى في شرق المحافظة وغربها. ليست هذه الاستراتيجية بجديدة. فقد بذلت قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب سابقاً جهوداً مماثلة لتفريق القوات العربية فى الرقة، وخاصة لواء ثوار الرقة، من أجل إبقائها بعيداً عن المعركة ضد داعش، واعتمدت سياسة مماثلة ضد “قوة النخبة” وفصائل دير الزور المحلية، وأصرت على أنه لا ينبغي لها أن تلعب دوراً في المعركة ما لم توافق على الاندماج في قوات سوريا الديمقراطية والانضواء تحت قيادتها. يرفض حزب الاتحاد الديمقراطي ظهور أي قوة عربية متماسكة ويعمل على ضمان أنه إذا ما ظهرت قوة عربية، فيجب أن تكون مجزأة وتسيطر عليها قسد من جميع النواحي.