يستخدم النظام مجموعة من الحوافز قصيرة الأجل لتسريح أو استقطاب أكبر عدد من المقاتلين الثوار، ولكن من غير المرجح أن تدعم هذه الاستراتيجية الاستقرار على المدى الطويل.
منذ عام 2016، أخذ النظام السوري في اتّباع استراتيجية للتفاوض على اتفاقات الاستسلام المحلية (المعروفة أيضاً باتفاقات المصالحة) في جميع أنحاء البلاد، وقد أتاحت له تلك الصفقات إعادة بسط سلطته على غالبية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتهجير أولئك الذين لا يزالون يقاومون حكم الأسد (المقاتلين والمدنيين) صوبَ آخر ما تبقى من الجيوب المقاومة التي تقع تحت سيطرة الثوار في الشمال الغربي من سوريا.
وعلى الرغم من المخاطر الواضحة التي ينطوي عليها الأمر، قرر عدد كبير من مقاتلي المعارضة البقاء في مناطقهم التي أصبحت الآن تحت سيطرة النظام. وقام بعض هؤلاء المقاتلين بإلقاء أسلحتهم وعادوا إلى الحياة المدنية، لكن أعداداً مفاجئة منهم انضموا إلى قوات مختلفة من القوات الموالية للنظام. ومع ذلك، وبعيداً عن كونها تصالحية، فإن الآليات التي يستخدمها النظام في استمالة هؤلاء المقاتلين المعارضين غير النظاميين تكون قسرية ومن غير المرجح أن تدعم الاستقرار على المدى الطويل.
وعادةً ما يستخدم النظام السوري أساليب قسرية مختلفة (وهي الحصار والهجمات العشوائية المكثفة) للضغط على المناطق التي يسيطر عليها الثوار من أجل إرغامهم على الاستسلام. ومن ثمَّ يتم التفاوض على تفاصيل اتفاقات التسليم من قِبل لجان تتألف إلى حد كبير من وسطاء محليين لهم صلات بالنظام السوري.
وبمجرد التوصل إلى اتفاق استسلام، تقوم اللجنة التفاوضية عادةً بتسجيل أسماء المقاتلين والناشطين المسلحين، وما إذا كانوا يرغبون في الإخلاء أو البقاء في مناطقهم. ثم يتم تقييم القوائم التي تم تشكيلها من قبل مختلف الأجهزة الأمنية وقوات الأمن العسكري لتحديد من يستطيع البقاء ومن ينبغي له أن ينتقل إلى مناطق أخرى يسيطر عليها الثوار.
ويُعدُّ التجنيد الإجباري أكثر أساليب النظام شيوعاً في دمج مقاتلي المعارضة السابقين في القوات المسلحة الرسمية. وعندما تُستكمل ترتيبات الاستسلام، يتعين على المقاتلين الثوار السابقين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 سنة، والذين لم يؤدّوا خدمتهم الإلزامية حسبما ينص القانون الالتحاق بالجيش. وعادة ما يتم منحهم مهلةً رسمية مؤقتة لمدة ستة أشهر لتسوية أوضاعهم (وهي العملية المعروفة باسم تسوية الوضع) والتسجيل في فرع التجنيد المحلي الذي يُعرَف باسم (شعبة التجنيد) في منطقتهم لترتيب التحاقهم.
أما المسلحون الذين دخلوا في المصالحات والذين لا يبادرون بالالتحاق طوعاً خلال تلك الفترة من الزمن فيتمّ إلقاء القبض عليهم وتجنيدهم قسراً. وفي كثير من الحالات أُلقي القبض على المقاتلين المتهرّبين من التجنيد من قِبَل النظام حتى قبل أن تنتهي فترات سماحهم المؤقتة.
ولا يقتصر هدف تجنيد المقاتلين الثوار السابقين على توفير العناصر للجيش النظامي، بل يهدف أيضاً إلى جعلهم يتبنّون الموقف السياسي للنظام. كما يُجبَرُ المُجنّدون على حضور برامج إعادة التوجيه السياسي التي يقودها فرع التوجيه السياسي والمصممة لتلقين المجندين أيديولوجية حزب البعث، مع التشديد على روايات النظام حول الانتفاضة.
بالإضافة إلى ذلك، يُغرى مقاتلو المعارضة بالانضمام إلى القوات الرديفة الموالية للنظام مثل قوات الدفاع الوطني المدعومة من إيران أو اللواء الخامس بقيادة روسيا. وعادةً ما يتم تسهيل ذلك من قِبل شخصيات مؤثرة محلية تعمل كوسطاء، مثل قادة المعارضة السابقين، والأعيان المحليين، ورجال الأعمال البارزين أو حتى مسؤولي النظام. على سبيل المثال، اتصل زعيم لجنة التفاوض عن المعارضة في مدينة قدسيا بريف دمشق بمقاتلي المعارضة المسلحة المحليين وعرض عليهم خيارات الانضمام إلى قوات الدفاع الوطني، سواء في أثناء المفاوضات أو بعدها. وفي مدينتي برزة والقابون في دمشق، أدارَ قائد “الفرقة الأولى” التابعة للثوار جهودَ تجنيد قوات الدفاع الوطني في أوساط المقاتلين الذين انخرطوا في المصالحات.
وعلى الرغم من المعرفة بأن الخدمة في صفوف القوات الرديفة ستكون على الأرجح أكثر خطورة من الخيارات الأخرى (مثل الانضمام إلى خدمات الشرطة المحلية)، فإن غالبية المقاتلين السابقين من الثوار الذين لم يغادروا مناطقهم بعد استيلاء النظام عليها، انضموا إلى مثل هذه القوات الموالية للنظام. ويبدو أن الدافع الرئيسي وراء ذلك هو ارتفاع الرواتب التي توفرها القوات الرديفة مقارنة بالقوات المسلحة النظامية مثل الجيش والشرطة المحلية. وذكرت التقارير أن غالبية المقاتلين المعارضين المسلحين الذين بقوا في مدينة التل في ريف دمشق قد قرروا الانضمام إلى مجموعة تابعة لقوات الدفاع الوطني تسمى “درع القلمون”.
لا توجد صيغة صارمة أو قواعد إجرائية للانتقال من قوات المعارضة إلى القوات الرديفة، ولكن عادة ما يتم إرسال المجندين الجدد للحصول على تدريب موجز بعد الانتهاء من ترتيب العقود وتواريخ المباشرة. وفي عدَّة حالات يشمل هذا التدريب برنامجاً لإعادة التوجيه السياسي يمتد من ثلاثة إلى سبعة أيام، وعمليات الفحص الطبي وتقييم المهارات. بعد ذلك تنتهي العملية بفَرز المجندين إلى وحدة أو مجموعة.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية مقاتلي المعارضة الرسميين قد تم احتواؤهم على أساس فردي بعد حل مجموعاتهم. ومع ذلك، في حالات نادرة، تواصل الجماعات الثورية السابقة العمل في نفس المنطقة وتحت إمرة القائد نفسه. وتكون التغييرات الوحيدة التي يتعين عليهم قبولها هي إعادة تسمية المجموعة وتحويل ولائها.
على سبيل المثال، في أعقاب صفقة الاستسلام في بلدة بيت جن ، جنوب غرب دمشق، شَكَّلَ الزعيم السابق لجماعة ثورية محلية تسمى لواء عمر بن الخطاب مجموعة جديدة تابعة لقوات الدفاع الوطني تسمى كتيبة بيت جن، التابعة لفوج الحرمون. وبالإضافة إلى مقاتلي لواء عمر بن الخطاب السابقين، فإن كتيبة بيت جن ضمَّت إلى صفوفها المدنيين وغيرهم من الثوار السابقين.
وخلافاً للانضمام إلى القوات الرديفة، التي تسمح فقط لأعضائها بتأجيل التجنيد، يُسمح لبعض المقاتلين الثوار السابقين بالانضمام إلى قوات الشرطة المحلية من أجل تلبية متطلبات التجنيد. وبُغيةَ تحقيق ذلك، عادة ما يتصل المتهربون من التجنيد إمَّا بمركز الشرطة في منطقتهم أو بشخصية محلية مؤثرة معروفة بتسهيل مثل هذه العملية.
وحالما يتم قبول الأفراد في قوات الشرطة المحلية، يكون على المجندين الجدد توقيع عقود لمدة خمس سنوات، وعادة ما يتم تحديد رتبهم ورواتبهم بناءً على قوانين وأنظمة الشرطة. وتكون مراكز الشرطة الخاصة بهم هي المسؤولة عن المتابعة مع السلطات لتعليق خدمتهم العسكرية (تسوية الوضع).
ويَسمح الانضمام إلى قوات الشرطة المحلية للمقاتلين السابقين بتجنُّب التجنيد والبقاء في مجتمعاتهم المحلية. كما يتيح لهم تجنُّب مواجهة مقاتلين آخرين من الثوار. ومع ذلك، يُعتبر هذا الخيار هو الخيار الأقل جاذبيةً، إذْ يجب على منسوبي الشرطة الخدمة لفترة أطول (بحدٍّ أدنى يصل إلى خمس سنوات). كما أن راتبهم هو أيضاً أقل من متوسط الأجور التي تدفعها القوات الأخرى الموالية للنظام. ومن بين مئات من مقاتلي المعارضة المسلحة السابقين الذين وردَ أنهم انضموا إلى قوات النظام، هناك بيانات متاحة للعموم حول 80 شخصاً فقط ممن انضموا إلى الشرطة المحلية في معضَّمية الشام.
وقد سمحت الآليات المذكورة آنفاً للنظام، إلى الآن على الأقل، بإعادة دمج المقاتلين المعارضين السابقين الذين بقوا في مناطق سيطرته أو تسريحهم. ومع ذلك، تعتمد هذه الجهود على آليات قسرية قصيرة الأجل لتغيير وصفِ القوات المعارضة السابقة، بدلاً من أن تكون جزءاً من خطوات ملموسة لإدخالها في استراتيجية شاملة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. وبدون إصلاح سياسي ومؤسسي يُحدِثُ تحوّلاً، ستواصل هذه الجهود تقويض استقرار سوريا بدلاً من تعزيزه.