داعش: الحالة الراهنة

لقد تمَّ طردُ الجماعة الجهادية من آخر مناطق سيطرتها، إلاَّ أنّها نجَت. وفي الأشهر المقبلة سوف تعمل الجماعة على تغيير إستراتيجيتها وتحاول الاستفادة من حالة عدم الاستقرار المستمرة.

تعرّضت داعش لخسارة آخر منطقة تسيطر عليها في سوريا وهي جيبٌ يقع في مثلث الشعفة والسوسة وهجين، وذلك بعد معارك شرسة مع قوات سورية الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ويشبه وضع التنظيم في سوريا الآن وضعه في العراق، حيث تقلّصت منطقة سيطرته لينتشر عناصره في الصحاري والكهوف.

ومع ذلك، على الرغم من كل الخسائر التي تكبَّدها داعش، فإن أيديولوجيته لا تزال تجد أتباعاً، كما أنَّ لدى أيديولوجية التنظيم مقوّمات يبدو أن الضعف لم ينَل منها في الوقت الحالي على الأقل، لا سيّما فكرة أنَّ السُنَّة هم ضحايا في العراق وسوريا. وطالما أن هذه المظلومية موجودة، فإن تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة سيواصلان البقاء.

إذاً أين ستذهب الجماعة وأيديولوجيتها؟

سوف تعود داعش إلى أساليبها القديمة.

ستستأنف إستراتيجيتها القديمة وهي العودة إلى الصحاري والكهوف في العراق وسوريا واتّباع أسلوب الحرب الذي تتقنه جيداً، وهو حرب استنزاف ضد أعدائها.

لن يغيّر تنظيم داعش أسلوب المواجهة تجاه جميع أعدائه، القريبين والبعيدين، وسيحاول القضاء على هؤلاء الأعداء في محاولة للتقدم داخل المناطق التي يكون فيها لفصائل المعارضة السورية نفوذ في إدلب وريف حلب الشمالي. إنّ للعداء بين داعش والفصائل والجماعات المتمردة الأخرى جذوره العميقة، وكانت المواجهات دامية بشكل خاص في تلك المناطق.

سوف يقوم التنظيم بإعادة تقييم نهجه وصورته.

فبعد إخفاقها في إدارة السكان، وبعد خسارة سُمعتها خلال سنوات سيطرتهم بسبب تشدُّدها في تطبيق الشريعة، لن تفكر قيادة داعش – على الأقل خلال العقد المقبل – في استعادة السيطرة على المدن أو إخضاع السكان لحُكمِ التنظيم. وستحتاج الجماعة إلى إعادة تقييم نقدي لنهجها وتحسين صورتها في أوساط السُنّة، وسيستغرق هذا الجهد سنوات.

كذلك لا يمكن للجماعة العودة إلى حكم المدن بنفس الاسم ونفس القيادة. سيقوم تنظيم داعش بإصلاح صفوفه وإعادة تسليح قواته التي أضعفتا كثيراً ضربات التحالف ضدها، وخصوصاً في جيبه الأخير في الباغوز.

وسوف يحاول التنظيم الاستفادة من حالة الاستياء من قوات سورية الديمقراطية.

فلكلٍّ من العرب البدو والفصائل الموالية لتركيا علاقة متوترة، وعدائية في بعض الأحيان مع قوات سورية الديمقراطية التي يهيمِن عليها الأكراد. إن الاستياء الجماعي في المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، وحالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن الناجمة عن الاشتباكات بين المجموعات، تخلق بيئة مواتية لداعش يمكن من خلالها للتنظيم الاستفادة القصوى من الظروف من أجل إعادة هيكلة خلاياه وفرض السيطرة عليها.

وسيراهن التنظيم على النزاع مع هيئة تحرير الشام والجماعات القريبة من تنظيم القاعدة في إدلب.

فهيئة تحرير الشام تضغط الآن على فصائل داعش في إدلب لأنها تعتبرها أكثر خطورة من النظام. وفي الأشهر القليلة الماضية، أعلنت الهيئة تدمير العشرات من خلايا داعش في إدلب والقبض على المئات. كذلك كانت خلايا داعش في إدلب وراء معظم عمليات القتل التي استهدفت قيادات هيئة تحرير الشام وغيرها من فصائل المعارضة.

ومع ذلك، يمكن لـداعش التنقُّل في مناطق درع الفرات وعبرها من خلال دفع أموال التهريب إلى تلك الفصائل غير المعادية لداعش من الناحية الإيديولوجية بالطريقة التي تُعاديها بها هيئة تحرير الشام، مما يُسهِّل وجود داعش في تلك المناطق.