داعش تنكفئ نحو حرب العصابات

عاد التنظيم إلى بعض تكتيكاته القديمة على أمل تعزيز فكرة استحالة القضاء عليه نهائياً.

في الأشهر الأخيرة، كثَّف تنظيم الدولة الإسلامية هجماته على قوات النظام والميليشيات المساندة له في محافظتي دير الزور وحمص، ولا سيّما في مدينتي الميادين والبوكمال، الواقعتين شرق دير الزور، ومدينة السخنة الواقعة في شرق حمص.

وقد تقدّم تنظيم داعش نحو أهدافه انطلاقاً من البادية الشمالية والشمالية الشرقية لتدمر، بالإضافة إلى منطقة حميمة، جنوب دير الزور، التي اتخذتها داعش مقرَّاً له. وتُعدّ هذه المناطق آخر المواقع التي تسيطر عليها داعش في محافظة حمص والجزء الجنوبي من نهر الفرات في دير الزور.

وتستهدف جميع هجمات داعش حواجز قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي تتمركز على الأطراف الجنوبية لمدن البوكمال والميادين والقورية. ويركز التنظيم هجماته على المواقع الموجودة على حواف البادية بسبب سهولة الوصول إليها عبر الصحراء والحاجة إلى تجنُّب التحرك في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام مخافةَ حصار أو قطع طرق الانسحاب والإمداد لمقاتليها.

خسرت قوات النظام والميليشيات الداعمة أكثر من 70 مقاتلاً في هجمات داعش الأخيرة على دير الزور ومدينة السخنة، بما في ذلك أسعد أبو كسّار، قائد لواء الباقر المدعوم من إيران، بالإضافة إلى أربعة مقاتلين أجانب من ميليشيا الفاطميون واثنين من مقاتلي حزب الله.

إن تراجع داعش إلى البادية بعد خسائرها الإقليمية الكبيرة في العراق وسوريا يعني أن استراتيجية حرب العصابات هذه هي خيارها الوحيد المتبقي. ويتَّبع التنظيم في عملياته الهجومية ضد الحواجز التابعة للنظام نهجاً قتالياً يناسب قدراته العسكرية – أي الهجمات المباغِتة على المواقع المستهدفة من خلال مجموعات عسكرية صغيرة ومرنة وسريعة الحركة، مستفيداً من الدوافع الشخصية لمقاتليه تتمثّل في الانتقام للخسائر الكبيرة في الأراضي التي مُنِي بها التنظيم.

ويعتمد هذا الأسلوب على بعض التكتيكات العسكرية القديمة للجماعة والتي أثبتت فعاليتها، مثل الهجمات الليلية وفي أثناء العواصف الترابية. وقد قوَّضت هذه الهجمات من الثقة لدى قوات النظام ومكَّنت داعش من التحرك بسهولة بالغة في الظروف التي تصبح فيها القوة الجوية غير فعالة.

بعد انهياره في سوريا والعراق، يحاول تنظيم الدولة الإسلامية الآن تجميع مقاتليه داخل البادية التي تمتد بين محافظتي حمص ودير الزور باتجاه الحدود العراقية، بالإضافة إلى الصحراء الغربية للعراق – وتحديداً في وديان غادة والحسينية وصحراء بلدة راوه. ويشبه هذا النهج الذي اتبعه تنظيم القاعدة في صحراء الأنبار، بعد أن تعرض للهزيمة من قبل العشائر ومقاتلي الصحوات في العراق عام 2007.

وقد علم الكاتب أن داعش أقامت معسكرات ومواقع سرية داخل تلك المناطق، بما في ذلك منشآت تحت الأرض وشبكة من الأنفاق في بعض الوديان وفي سفوح بعض الجبال والتلال لتجنب أي عمليات قصف جوي تطال مقاتليها في تلك المناطق.

حرب العصابات هي مجال تتمتع فيه داعش بالعديد من المزايا. فالميزة الأولى هي المعرفة الجيدة بالتضاريس – وخاصة داخل الصحاري والوديان المفتوحة. وهذا يساعدها على تشكيل مجموعات تعمل على استغلال الأرض خلال المواجهات العسكرية، وشن هجمات خاطفة، وإنشاء كمائن متفرقة.

والثانية هي القدرة على التخفّي، حيث أن داعش تعتمد على مقاتلين من نفس التركيبة السكانية في المناطق التي تنشط فيها، لذلك لا تختلف من حيث المظهر والملامح واللهجات والملبَس، مما يمنحهم القدرة على الاختباء بين السكان.

كذلك تساهم شبكة العلاقات الاجتماعية التي يقدمها المنتسبون لداعش ممن ينتمون إلى خلفيات قبلية في تنفيذ الهجمات وحرب العصابات، بالإضافة إلى تأمين المأوى عندما تلاحق قوات الأمن المقاتلين. وبالمثل، فإن وجود المقاتلين الأجانب هو ميزة أيضاً، إذ يوفر لداعش سلاح الانتحاريين.

وعلى الرغم من ذلك، تدرك قيادة داعش أن استراتيجية حرب العصابات هذه لا يمكن أن تستمر طويلاً، لا سيّما مع احتمال أن يتخلى مقاتلوها عن مواصلة المواجهة، مفضّلين الاستسلام أو الفرار. لذا فإن هدفها الرئيسي في الاستمرار عسكرياً، حتى في شكل جيوب صغيرة منتشرة في جميع أنحاء الصحارى، هو تعزيز الفكرة القائلة بأن معارضيها غير قادرين على القضاء عليها تماماً.

يتعلق الأمر بوجود التنظيم في العراق أكثر منه سوريا. فالتنظيم يهدف إلى الاستناد لمفهوم تلاشي فكرة القضاء على وجوده لمحاولة حشد مؤيديه من خلال تشكيل الخلايا في المناطق التي خسرها على افتراض أن الظروف ستُفضي في نهاية المطاف إلى عودته إلى المشهد. وينطبق ذلك بشكل خاص على داعش في العراق لأن التنظيم عراقي بالأصل وكان ظهوره بشكل جزئي نتيجة للنزاع الطائفي. لذلك فإن التنظيم سوف يهدف إلى تقديم نفسه في العراق كخيار وحيد لقوة سنية تواجه مختلف القوى الشيعية.

أما في سوريا، من ناحية أخرى، حيث لا تمتلك داعش جذوراً عميقة مثل تلك التي تملكها في العراق، فمن المرجّح أنه بمجرد القضاء على فصائله الجهادية هناك عسكرياً، سينضم المقاتلون المتبقون إلى جماعات جهادية أخرى مثل جماعة هيئة تحرير الشام.