هل يفي مجلس الرقة المدني بالغرض؟

  • حايد حايد

    Consulting Fellow, Middle East and North Africa Programme, Chatham House

    زميل مشارك استشاري، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

بعد الاستيلاء على الرقة، تلوح في الأفق تساؤلات حول مدى فعالية نموذج الحكم الذي تنتهجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

في أعقاب استيلائها الكامل على الرقة، يبدو أن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بدأت المرحلة الأخيرة من إضفاء الطابع الرسمي على نموذج حُكم الأمر الواقع الذي صممته للمحافظة. وقد ظلّ مجلس الرقة المدني، منذ شهور، يتسلّم ببطء المناطق التي استعيدت من تنظيم داعش. ولكن، وبعيداً عن أهدافه الواسعة، لا يُعرف الكثير عن قدرة المجلس أو خططه لمرحلة ما بعد داعش. كذلك، ليس من الواضح مقدار الدعم الذي سيحصل عليه من المجتمع الدولي لإعادة بناء المحافظة. إن الإجابات على هذه الأسئلة ليست أساسيةً فقط لتحقيق الاستقرار الناجح للرقة، بل أيضاً من أجل ضمان استدامة نجاحاتها ضد داعش.

فبعد اجتماع تحضيري  حضره 100 مندوب، من بينهم ممثلون عن العرب والأكراد والتركمان، والمجلس الديمقراطي السوري، والممثل السياسي لقسد، أُعلِن عن تشكيل مجلس الرقة المدني في 18 نيسان/ أبريل. ويتألف المجلس من رئيسين مشاركَين (عربي وكردي، أحدهما امرأة)، وثلاثة نواب (تركمان وعرب وأكراد، إحداهم من النساء) و 14 لجنة فنية لتغطية جميع مجالات الحكم . وتتألف غالبية مجلس الرقة المدني من العرب، تماشياً مع الواقع الديمغرافي للرقة، ولكنه يشمل أيضاً الأكراد والجماعات العرقية الأخرى.

ليس للمجلس بنية واضحة، وهي حاجة ماسة لإدارة الرقة في فترة ما بعد الحرب. ينبغي أن تكون هناك مجالس منظمة تنضوي تحت المجلس على مستويات أدنى (المدينة، البلدة، الحي) لتشارُكِ عبء الحكم. ولكن وفقاً لأعضاء مختلفين في المجلس، فإن معظم هذه المجالس لم تُنشأ بعد. وتتراوح الأسباب ما بين المكاسب العسكرية السريعة ضد داعش والتحديات الأمنية التي تصاحبها إلى نقص القوى البشرية والموارد اللازمة لهذه الجهود. إضافة إلى ذلك، يبدو أن المجلس الديمقراطي السوري قد أنشأ بعض المجالس ذات المستوى الأدنى (أي مجلس الطبقة) مباشرة، بدلاً من مجلس الرقة المدني.

ونتيجة لذلك، فإن مجلس الرقة المدني لا يحظى بالكثير من السلطة على مجلس الطبقة. وتقتصر العلاقة بين الكيانين على التنسيق أكثر من أي شيء آخر. ومن المرجح أن یزید ذلك من التحدیات التي يواجھھا مجلس الرقة المدني فیما یتعلق بالبنية والسلطة اللازمتین لإنشاء نموذج حکومي منسَّق مرکزياً علی مستوى المحافظة.

يبدو أن التقسيم التقليدي بين السلطات التشريعية والسلطة التنفيذية لا ينطبق على مجلس الرقة المدني. والمجلس، نظرياً، مسؤول عن إصدار القوانين واللوائح حسب الاقتضاء. وهو أيضاً الجهة الرئيسية المكلفة بمراقبة تنفيذ هذه القوانين. في حين تتحدث مصادر محلية  عن الجهود الجارية لفصل هذه السلطات، فإنّ هذا الوضع الراهن يحدّ من فرص مجلس الرقة المدني في إيجاد تقسيم واضح للمهام أو تجنب إساءة استخدام مستوى الصلاحيات التي يتمتع بها. وعلاوة على ذلك، لا تزال لجان المجلس تفتقر إلى قواعد ولوائح رسمية لتوحيد عملها. وبالتالي، فإن ممارسات بعض اللجان قد لا تكون مقبولة من قبل الآخرين، مما يحد من قدرة المجلس على تنسيق عملها ومراقبته.

و علاوة على ذلك فإن مجلس الرقة المدني ما يزال لا يملك الموارد اللازمة لإعادة بناء المدينة التي تُظهر مقاطع الفيديو المسربة من داخلها أن هزيمة داعش جاءت على حساب تدمير جزء كبير منها. وعلى الرغم من أن المدى الدقيق للأضرار لا يزال غير واضح، يبدو أن معظم المباني، ولا سيما المرافق المدنية، إما سُوِّيت بالارض أو لحق بها دمار جزئي. ومع ذلك، أشار عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة إلى أن المجلس لم يتلق أي أموال خارجية كبيرة ليتمكن من توفير الاحتياجات الأساسية في المناطق التي تمت استعادتها من داعش. وقد ازدادت هذه الاحتياجات بشكل ملحوظ بعد الاستيلاء على مدينة الرقة. ولكن ليس هناك بعد أي مؤشرات قوية على أن المجتمع الدولي سيبذل قصارى جهده للمساعدة في المستقبل القريب.

ليس ذلك بالمفاجئ، فقد أكد المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش، بريت ماكغورك، وبصورة متكررة أن الولايات المتحدة ملتزمة فقط بتحقيق الاستقرار في مناطق الرقة – أي إيجاد الأمن وتوفير الخدمات الأساسية – وليس بتمويل أي فترة طويلة الأجل من إعادة الإعمار. كما أعرب بعض الدبلوماسيين الأوروبيين عن موقف مماثل في حديثهم إلى كاتب هذه المقالة، في حين رفض آخرون حتى دعم أي جهود للتعافي المبكر. ولا تزال مدينة كوباني التي تحررت من داعش قبل ثلاث سنوات تقريباً تكافح من أجل التعافي بسبب نقص الدعم من الغرب. ولذلك، فإن الوضع في مدينة الرقة، وهو الذي يتسم بكونه أكبر وأكثر إشكالية، من المرجح أن يكون أسوأ.

يعدّ التأثير الكردي الموسع على مجلس الرقة المدني مسألةً حساسة للسكان المحليين -على الرغم من أن نسبتهم الدقيقة لا تزال غير واضحة- والذين قد يشكّلون تحدياً لسلطة المجلس. فالسكان المحليون الذين يرفضون مجلس الرقة المدني يعتبرونه أداة كردية لتوسيع السلطة الكردية على المحافظة ذات الأغلبية العربية. “لقد أنشأ الأكراد المجلس ودمجوه في مشروع الإدارة الذاتية. فنسبة العرب في المجلس لن تغير شيئاً، لأن الأكراد هم الذين يديرون العرض بشكل غير رسمي”. هذا ما قاله ياسر عباس وهو رجل أعمال من الرقة يقيم في تركيا. ويدعم هذا الرأيَ التقريرُ الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية والذي جاء فيه أنّ جهود قوات سوريا الديمقراطية لشمول العرب في نموذج “الإدارة الذاتية الديمقراطية” الذي يقوده الأكراد كانت سطحية ولا تصل إلى حصة مجدية في الحكم. وعلى الرغم من أن هذا الاستياء قد لا يتصاعد إلى مواجهات مباشرة مع مجلس الرقة المدني، إلا أنه من المرجح أن يحدَّ من شرعيته وشعبيته.

إن التعامل مع التحديات السالفة الذكر أمر أساسي لنجاح مجلس الرقة المدني الذي أُنشئ مؤخراً  لإدارة الرقة. ولكن العنصر الأساسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة هو قدرة المجلس على السماح للسكان المحليين بتطوير مدينتهم وإدارتها بشكل منفصل عن الإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وأن يعكس التركيبة الاجتماعية للمدينة. من خلال ذلك يمكن للمجلس أن يؤكد للسوريين المشكّكين وغيرهم أن استيلاء قسد على الأرض لم يعد يعني عودة حكم الحزب الواحد.