إيران تكسب دير الزور تلقائياً

تستغل إيران عدم وجود رؤية إقليمية أو دولية للوضع في سوريا بالإضافة إلى انحسار وجود اللَّاعبين الدوليين المناهضين لإيران بعد الانسحاب التدريجي المعلن للقوات الأمريكية من البلاد.

في دير الزور، تنشر إيران ميليشياتها في مناطق غرب الفرات وتسيطر على المناطق الحدودية مع العراق.

ومع خسارة داعش لجميع المناطق التي سيطرت عليها في ريف البوكمال، وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية السورية على مناطق التنظيم، أزاحت أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية أحد أعداء إيران من المشهد.

بالنسبة إلى الأكراد – الحلفاء الرئيسيون للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش – فإن انسحاب الولايات المتحدة لا يترك لهم أي بديل سوى اللجوء إلى النظام السوري كي لا تستفيد تركيا من الرحيل الأمريكي. ومن الناحية العملية، يعني هذا أيضاً أن الأكراد لا يمكن أن يكونوا بيدقاً لمواجهة إيران، الحليف القوي للحكومة السورية، على الرغم من أن الأكراد قد قدموا أنفسهم لدول الخليج كذراع سني في المنطقة لمعارضة النفوذ الإيراني.

لن تخدم نهاية داعش سوى تعزيز النفوذ الإيراني. وعلى الرغم من أن إعلان المملكة العربية السعودية في آب/أغسطس الماضي تقديم 100 مليون دولار كمساعدات لمناطق الفرات الشرقية أعطى بصيصاً من الأمل لدور الرياض المستقبلي -اقتصادياً على الأقل- إلاَّ أنَّ هذه الخطوة لم تُتبع بخطواتٍ أخرى على أرض الواقع.

وتؤكد قيادة قوات سوريا الديمقراطية أنَّ قواتها هي قوات دفاعية وليست هجومية، وبالتالي فإنها لن تعلن عن مواجهة مع أي طرف على الأرض ما لم تتعرض للهجوم. هذا يعني أن قوات سوريا الديمقراطية لن تواجه إيران بعد الانسحاب الأمريكي.

ثمَةَ مصالح خليجية وأمريكية وروسية ومحلية وحتى إسرائيلية مشتركة في القضاء على النفوذ الإيراني، ولكن الصعوبة تكمن في الجمع بين هذه الأطراف لتوجيه ضربة حازمة أو حاسمة ضد إيران. لا تريد أي من هذه الدول أن تكون وحدها في مواجهة إيران، كما أنّ الرد على إيران يتطلَّب التفاهم بين الدول المذكورة آنفاً والمصالح المشتركة على الأرض في سوريا.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، وأثناء اجتماعه في نيويورك مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن واشنطن تعمل على إنشاء تحالف إقليمي لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. كما انعقد مؤتمر وارسو لمتابعة خطط مواجهة إيران في الشرق الأوسط.

ونظراً لأن البلدان القلقة من توسُّع النفوذ الإيراني قد فكرت في بدء مواجهة مع إيران في سوريا، فإنَّ دير الزور تُعدّ أكثر المناطق قبولًا لمواجهة إيران ومنعها من ربط سوريا بالعراق من خلال قوات االحشد الشعبي في العراق والحرس الثوري في البوكمال.

تُشكِّل دير الزور وريفها الشرقي أضعف خواصر إيران الرخوة في الشرق الأوسط بمُجمَلِه. فلم تحظَ إيران بدعم شعبي بسبب السمعة السيئة للميليشيات الطائفية في سوريا، إذ يرتبط المدنيون السنة في شرق الفرات بالسُنَّة العراقيين في الأنبار، الذين رفضوا الوجود الشيعي الإيراني. لذلك فإن استمرار وجود إيران وتوسعها المحتمل في ريف دير الزور ليس نتيجة للقوة السياسية والعسكرية الإيرانية بقدر ما هو سبب عدم وجود منافس في هذه المنطقة، فضلاً عن غياب الإرادة الدولية لإخراج إيران من دير الزور.

من ناحية أخرى، تدرك إيران حجم التحديات في هذه المنطقة، وقد سعت إلى بناء علاقات اجتماعية مع العشائر في البوكمال. في غرب الفرات – وهي منطقة استراتيجية على الحدود العراقية – بدأت إيران بخطب وِدّ عشيرة العكيدات من خلال شخصيات سياسية معينة، من بينها عائلة مجحم الدندل، التي تتميز بانتماءاتها العشائرية باعتبارها من أبرز شيوخ عشيرة العكيدات.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل بعض الشخصيات العسكرية من هذه العشيرة مع الحكومة السورية. وتسعى إيران من خلال العشائر للسيطرة على المكوّنات الرئيسية في المجتمع وإقامة الروابط في البوكمال وريفها بالتوازي مع روابط الدولة السورية. وبالمثل، كانت إيران نشطة في أعمال الإغاثة والبناء، وبناء الحسينيات(المساجد التعليمية الإيرانية)، وشكَّلت فصائل عشائرية بدعم مالي إيراني (يقال إنَّه يصل إلى 200 دولار لكل مقاتل).

من خلال علاقاتها التاريخية مع العكيدات ومعظم العشائر في دير الزور، كانت المملكة العربية السعودية البلد الأفضل لممارسة نفوذها في دير الزور. ومع ذلك، توقفت المملكة العربية السعودية عن العمل بشأن قضية العشائر بعد زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. كان من شأن هذا الوضع تنبيه إيران التي أدخلت قواتها إلى دير الزور. ومنذ زيارة السبهان الوحيدة، لم يكن هناك أي نشاط سعودي ملحوظ في دير الزور أو الرقة أو الفرات الشرقي عموماً. وهكذا، أضاعت المملكة العربية السعودية فرصة ذهبية لكسب شرق الفرات.

في المقابل، ليس لروسيا دور واضح في دير الزور (سواء في غرب أو شرق الفرات) باستثناء وجود عسكري شكليّ في مناطق الفرات الغربي. ولا تتمتع روسيا بأي تأثير خاص في هذا المجال إلا من خلال الدولة السورية، وخلال الفترة السابقة، حاولت تجنُّب الاصطدام مع واشنطن في مناطق شرقي الفرات، وكذلك تجنُّب حرب استنزاف طويلة مع داعش. نتيجة لذلك، لا تزال إيران تحظى بالنفوذ الأكبر هناك.