تضاعف إيران جهودها الرامية إلى تغيير هوية سوريا ذات الأغلبية السنية بهدف إيجاد نفوذ طويل الأمد داخل البلاد. وقد جلبت مقاتلين من منطقة الشرق الأوسط ومن خارجها. كان حزب الله اللبناني من بين أول الواصلين، كذلك الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية واليمنية والعراقية، هم جميعاً من بين المقاتلين الذين تعتمعد عليهم إيران لتحقيق سيطرتها في سوريا. كما قامت بتنظيم وتدريب القوات السورية شبه العسكرية المعروفة باسم “قوات الدفاع الوطني”، التي كان أعضاؤها يُعرفون أولاً باسم “الشبيحة”، والذين اشتهروا بضربهم للمتظاهرين في الشوارع.
وقد ثبت لإيران أنّ المقاتلين المحليين لا يمكن الاعتماد عليهم، وغالباً ما يسعون إلى إثراء أنفسهم على حساب الأهداف العسكرية أو العقائدية. واعتمدت إيران بدلاً من ذلك على مقاتلين مستوردين مثل حزب الله وميليشيات أبو الفضل العباس العراقية التي جعلتها دوافعها الدينية والأيديولوجية أكثر ولاءً.
وتشارك إيران أيضاً في عملية تغيير ديموغرافي، على الأقل في جميع أنحاء مدينة دمشق، تهدف إلى محاصرة المدينة بالموالين لطهران. يشكّل الشيعة في سوريا ما نسبته أقل من واحد في المائة من السكان – وحتى مع الأعداد الكبيرة من الوافدين الجدد، ليس بإمكانهم الهيمنة على البلاد. غير أن بإمكانهم تغيير ميزان القوى. وتقوم إيران الآن بإحلال الشيعة الموالين لها في المناطق المحيطة بالأضرحة الشيعية ومحيط دمشق، ولا سيما المناطق المؤدية إلى لبنان، حتى تتمكن من تأمين طريقٍ متصل جغرافياً لحزب الله.
وتتزايد أكثر فأكثر أحاديث سكان دمشق عن شراء عقارات المدينة من قِبَل الأثرياء الشيعة. أما الوافدون الجدد من كفريا والفوعة، وهما البلدتان الشيعيتان في إدلب اللتان كانتا جزءاً من اتفاق تبادل سكاني بوساطة قطرية، فقد تم نقلهم إلى مدينتي مضايا والزبداني السنيتين، وقد انتقلوا الآن إلى المناطق المحيطة بالأضرحة الشيعية في كل من السيدة زينب والسيدة رقية في قلب مدينة دمشق القديمة.
يعود هذا الضريح، وهو ضريح “السيدة رقية”إلى حفيدة علي بن أبي طالب، التي توفيت في الرابعة من عمرها، ودفنت خلف المسجد الأموي السني. ويغلُب على هذا الضريح، الذي تمت توسعته وتحويله إلى حسينية (وهي مركز ديني شيعي) طابع معماري يجعله يبدو كنسخة طبق الأصل من مسجد في أصفهان يغلب عليه البلاط الأزرق. وقد أفضى تشييده إلى هدم وتشويه المباني التاريخية التي يبلغ عمرها مئات السنين، ومن المفترض أن تكون على قائمة اليونسكو للتراث.
يعبّر الكثير من سكان المنطقة من غير الشيعة عن غضبهم من فرض إيران للثقافة الدينية الشيعية، ويقول العديد من السنّة في دمشق إنهم يشعرون بالعزلة والعجز بصورة متزايدة. حتى الموالين العلويين للنظام ليسوا سعداء. على الرغم من أنهم يريدون بقاء نظام الأسد في السلطة، إلا أنهم غير مرتاحين للنفوذ الديني الذي تحاول إيران فرضه على سوريا. كان هذا التأثير الديني هدفاً استراتيجياً لإيران. وقد استند إلى وجود الأضرحة القائمة على مدى عقود، واشترى الولاء بالمال مغيّراً الطابع الديني للقرى في الرقة وحلب وأماكن أخرى في سوريا. إلاّ أنّ إيران لم تفلح في أوساط العلويين غير المحافظين دينياً. وفي بعض القرى العلوية، حيث كانت هناك محاولات لبناء الأضرحة الدينية الشيعية بأموال إيرانية، تم طرد الأشخاص الذين حاولوا القيام بذلك.
إلى حدٍّ ما، يشعر كل من الموالين للنظام والمعارضة السورية بالقلق إزاء الجهود الإيرانية لتغيير الهوية الدينية لسوريا، ويخشون من أنه يجلب نوعاً من التطرف الشيعي. ويرفض الجانبان ذلك، وعلى الأقل في دمشق، يفضّل كثيرون روسيا على إيران. فالدولة السوفياتية السابقة ليس لديها مصلحة في فرض أي عقيدة دينية متطرفة أو تغيير النسيج الاجتماعي في سوريا، والذي تضرر من جرّاء الحرب.