الحَوكمة هي مفتاح قوات سوريا الديمقراطية للانتصار على داعش في دير الزور

إذا لم تتمكن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من بناء الثقة مع العشائر المهمة في المنطقة، فإنها سوف تكون ضحية لخلايا داعش النائمة والمستعدة جيداً للانخراط في حرب العصابات.

عقِبَ أشهرٍ من مناوشات الكَر والفر، شنَّت قسد المدعومة من الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً لاستعادة آخر المعاقل التي يسيطر عليها تنظيم داعش في شرق سوريا. تغطي ساحة المعركة بشكل رئيسي منطقة هجين ومحيطها، بما في ذلك بلدة السوسة وقرية الشفاء – التي تقع جميعها في الريف الذي يشكّل أهمية حيوية لمحافظة دير الزور الغنية بالنفط.

وتُعدُّ هذه الكيلومترات الـ 350 آخر ما تبقى ممَّا تسميه داعش بدولة الخِلافة، وبالتالي فإن خسارتها تعني محو مناطق سيطرة داعش من الخريطة بالكامل. وعلى عكس المعارك السابقة مثل معركَتي الرقة ومنبج، فإن مقاتلي التنظيم لا يملكون خيار التراجع أو الهروب – وهم يُدرِكون بأنَّه سيتوجَّب عليهم القتال وصولاً إلى البادية أو الموت.

استعدادات داعش للمعركة

بناءً على ما تقدَّم، يبدو أن تنظيم داعش استعدّ لمقاومة طويلة الأجل. وعلى مدار أسابيع، كان التنظيم يقوم بزرع عبوات ناسفة على الطرق المؤدية إلى آخر مناطق سيطرته بالإضافة إلى حفر الأنفاق فيها. وأخبَرنا القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أنه يتوقع أن تكون الاشتباكات عنيفة وأن تستمر المعركة لمدة شهرين بصورةٍ تقريبية.

وتُقِرُّ قوات سوريا الديمقراطية بالصعوبات المتعلقة بدفع تنظيم داعش إلى الخروج من آخر معاقله وبمواجهة الجهاديين في منطقة صغيرة مثل هجين. لذلك بدأت قسد التي يقودها الأكراد بتجميع المقاتلين والمعدات قبل أسابيع من الهجوم. ويتوقع مقاتلوها التعويل بدرجة كبيرة على الضربات الجوية والمدفعية من كلِا التحالف الدولي ضد داعش والقوات العراقية.

وقد تبيَّن من الأيام الأولى للعملية أنها عملية شرسة، فبعد ساعات من بدء الهجوم، تواردت التقارير عبر المنابر الإعلامية لداعش عن وقوع خسائر في صفوف قسد. وأعلنت الجماعة أنها قتلت ستة من مقاتلي قسد واعتقلت واحداً كما تصدَّت لهجوم قسد على قرية الباغوز بالقرب من بلدة السوسة. على الجانب الآخر، أعلنت وسائل الإعلام التابعة لقسد عن مقتل 41 من مقاتلي داعش وذلك خلال أول يومين من الهجوم.

وبصرف النظر عن المدة التي تستغرقها المعركة، فإن تنظيم الدولة الإسلامية ليس لديه القدرة على كسبِها من الناحية العسكرية. ولكن حتى بعد تحقيق الانتصار على داعش، ستكون قوات سوريا الديمقراطية مهددة من خلايا التنظيم النائمة التي تعمل مُسبَقاً في دير الزور.

في الآونة الأخيرة، أقدمت خلايا نائمة لتنظيم داعش على نشر ملصقاتٍ في قرية الرزّ الخاضعة لسيطرة قسد حذَّرت فيها من مغبَّةِ القيام بأي هجومٍ على حقول النفط الواقعة في مناطق سيطرة التنظيم. وقبل هذا الحادث بأيام هاجمت خلايا نائمة لداعش حقل آل عمر الذي تسيطر عليه قسد بالإضافة إلى مهاجمتها عدة مواقع تسيطر عليها قوات النظام السوري في دير الزور.

سوف تكون التكتيكات من قبيل المتفجرات (وخاصة العبوات الناسفة على جانب الطريق)، والكمائن، والهجوم عن بُعد (القناصات وقذائف الآر بي جي) والاغتيالات؛ جزءاً من حرب استنزاف طويلة تتَّبعها داعش في المناطق التي خسرتها. فخلال الشهر الماضي، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن اغتيال أربعة من قادة قسد.

بناء الثقة مع العشائر

يثير تلاشي داعش في ريف دير الزور العديد من التحديات فيما يتعلق بتقاسم السلطة والحَوكمة. وأحد العناصر الرئيسية في هذا الصدد هو الثقافة العشائرية في هذه البُقعة المحددة من منطقة الفرات.

من بين العشائر الرئيسية التي يُتوقَع أنها تمثل السكان المحليين، هناك عشائر العكيدات والشعيطات والجبور وشمَّر. أخذت هذه العشائر وغيرها على عاتقها مسؤولية إدارة المناطق الجغرافية والموارد الطبيعية الواقعة ضمن نطاق نفوذها قبل أن استولى عليها تنظيم داعش.

ويبدو حتى الآن أن قسد لم تتمكن من بناء الثقة مع معظم شيوخ العشائر أو الشخصيات المؤثرة، الذين استمروا فى رفض المقترحات الخاصة بالحَوكمة على غرار النماذج التى طبّقتها قسد فى مواقع أخرى.

“سوف يكون تشكيل المجالس المحلية لإدارة ريف دير الزور أولوية لنا أيضاً، لكننا لا نريد أن نكون خاضعين لنفوذ الأكراد. نريد أن نكون العمود الفقري لأي هيئات حاكمة في المستقبل. نحن بحاجة إلى نفس الدعم الذي تتلقاه المجالس في القامشلي، لكن هذا لا ينبغي أن يشتَرِط الدور القيادي لقسد”، وذلك وفقاً لما ذكرته إحدى الشخصيات العشائرية.

وتُقِرُّ قسد بالحاجة للتوصل إلى حل وسط مع العشائر نظراً لصعوبة إدارة المنطقة وسط حالة انعدام الثقة السائدة. وقد نظمت قسد مؤتمراً واسعاً استضافت فيه معظم زعماء العشائر في 8 آب/ أغسطس لبلورة رؤية واضحة حول الأمن والحَوكمة. وأكد النموذج المقترح وفقاً لما ذكرته قيادات قسد ضرورة مشاركة جميع العشائر وإنشاء المنظمات المدنية.

غير أن المؤتمر لم يكن مطمئناً بما فيه الكفاية بالنسبة إلى لعشائر، لأنه افتقر إلى الخطوات العملية واستثنى تفاصيل تقاسم السلطة. كما استثنى شخصيات عشائرية بارزة كانت قد فرت من المنطقة هرباً من داعش. واعترف أحد قادةِ قسد بصعوبة التعامل مع الزعماء الذين يرون وجود قوات سوريا الديمقراطية مؤقتاً، والذين يريدون العودة إلى ترتيبات الحُكم التي كانت سائدةً قبل استيلاء داعش على مناطقهم.

أمَّا العقبة الأخرى التي تواجه قسد فهي أن ولاءات العديد من العائلات البارزة في دير الزور قد انقسمت بين جهات متعددة، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، في محاولة للتحوط ضد المستقبل وتأمين النفوذ بغضِّ النظر عمن يكون الحاكم القادم.

عائلات عشيرة الشعيطات التي حاربت بضراوة ضد داعش، هي مثال على ذلك – فقد انقسمت العشيرة بين جماعات تقاتل في صفِّ النظام وأخرى تقاتل في جانب قسد. وقال العديد من السكان المحليين لكاتِبَي هذا المقال إن مقاتلي الشعيطات المرتبطين بقوات النظام يحاولون إقناع أقاربهم الخاضعين لقسد بأن الهيمنة سوف تكون للأسد في نهاية المطاف، مما يزيد توتُّر العلاقة مع قسد

إن الفشل في كسب ثقة العشائر سيجعل من الأسهل على داعش مواصلة العمل في العمل في دير الزور وسوف يشجِّع قيامها بعمليات أكثر جرأة. لذا فإنَّ مواجهة عصيانٍ كهذا لا يمكن أن تتمّ سوى من خلال وضع ترتيبٍ لإدارة محلية فاعلة. في نهاية المطاف، لا يمكن لقسد أن تحقق النصر العسكري بدون حوكمةٍ مُتقَنة.