في عام 2017، سطع نجم قوات الدفاع المدني السوري المعروفة باسم “ذوي الخوذ البيضاء” نظراً لجهودهم المبذولة من أجل إنقاذ المدنيين في المناطق التي يتعذر الوصول إليها أو المحرومة من خدمات الطوارئ الأخرى. وقد حفز دعمهم للمناطق التي يسيطر عليها الثوار حملة تقودها روسيا لتشويه سمعتهم. ولكن في حال تمَّ التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة دوليا للصراع السوري، فإن لدى الدفاع المدني السوري القدرة على لعب دور كبير في إعادة إعمار سوريا.
ولادة الخوذ البيضاء
تعاني المناطق التي ينشط فيها أصحاب الخوذ البيضاء من نقص مستمر في الكوادر الطبية والمعدات والأدوية، ولا سيما في المناطق المحاصرة مثل ريف دمشق وحمص. يقول عبد الله الحسين، عضو مجلس إدارة الدفاع المدني في محافظة إدلب: “قبل وجود الخوذ البيضاء، كانت آمال إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض غير موجودة تقريباً، وحتى أولئك الذين كان يجري إنقاذهم، كان الأمر قد ينتهي بهم في بعض الأحيان بإصابات شديدة نتيجة للأخطاء في عمليات الإنقاذ. أمّا الآن، و بعد أن وُجِدت الخوذات البيضاء، فإن هناك المزيد من الأمل والمزيد من فرص الانقاذ”.
وُلدت الخوذ البيضاء من مجموعات مستقلة تعمل على إنقاذ المدنيين المحاصرين تحت الأنقاض وإنقاذ المصابين في المعارك في أي منطقة يمكن الوصول إليها. وقد غلب عليها الطابع اللامركزي في البداية، وكانت لكل محافظة تعمل فيها مديرية تعمل بالاشتراك مع المجالس المحلية السورية، وهي غير مرتبطة بالمديريات الأخرى.
وفي وقت لاحق، انضم قادة الخوذ البيض من جميع المحافظات معاً لتشكيل هيئة جديدة وتحقيق الاستقلالية الكاملة. وهكذا تحولت من منظمة تُعنى بالاستجابة لحالات الطوارئ وتعمل على إخراج الناس من تحت الأنقاض إلى كيان منظم ومتكامل لتقديم الخدمات للمجتمعات المحلية. وكان لهذه الخدمات أثر إيجابي، مما شجع السكان على البقاء بدلاً من الفرار.
في وقت لاحق، عملت الخوذ البيض على تلبية احتياجات المدنيين الأخرى، وإنشاء مراكز لمساعدة النساء السوريات وتثقيفهن بشأن الأخطار المحيطة. كما بدأوا مشاريع أخرى، مثل إزالة الأنقاض وفتح الطرق، بهدف إعادة تنشيط المناطق التي لا تزال عُرضةً للتفجيرات والأعمال العسكرية. ويتعامل الدفاع المدني مع الذخائر غير المنفجرة التي تهدد حياة الآلاف في المناطق السكنية، كما افتتح مراكز لتفكيك الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب في المحافظات التسع التي يعملون فيها.
تحت النار
تلقَّى أصحاب لخوذ البيضاء قدراً كبيراً من الدعم المحلي والدولي ولكنهم كانوا هدفاً للطائرات السورية والروسية بشكل متكرر. فقد استهدفت الغارات الجوية والصواريخ مراكز وأفراد الدفاع المدني حوالي 112 مرة خلال عام 2017، وتقول المنظمة إنها فقدتا 210 متطوعين منذ أن بدأت عملها في عام 2014. وقد أدى الاستهداف المستمر للمراكز الطبية من قبل النظام السوري وروسيا إلى ترك الجرحى بخيارات محدودة للعلاج.
فالروس والنظام السوري لا يستهدفون أصحاب الخوذ البيضاء عسكرياً فحسب، بل شنوا أيضاً حملة دعائية لتشويه صورتهم بزعم أنهم مرتبطون بمنظمات إرهابية. ووفقاً لتقرير صادر عن الحملة السورية، تم نشر ملخص عنه في صحيفة الغارديان، فإن هناك الآلاف من حسابات وسائل الاعلام الاجتماعية الوهمية تدار من قبل أشخاص على صلة بالحكومة الروسية التي عملت على تشويه سمعة أصحاب الخوذات البيضاء وجعلهم هدفاً من خلال تغريدات تحتوي على أخبار ومعلومات وصور كاذبة. وقد وصلت هذه التغريدات إلى ما يقرب من 56 مليون من مستخدمي تويتر، وفقاً للتقرير.
وكانت هذه الحسابات أكثر نشاطاً خلال الفترات التي كان فيها أصحاب الخوذ البيض في ذروة عملياتهم نتيجة لزيادة العنف على الأرض، مثل التهجير القسري لسكان حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016، والهجوم بالأسلحة الكيميائية في خان شيخون من قِبَل النظام السوري والطائرات الروسية في نيسان/أبريل 2017.
ساهمت جهود الدفاع المدني لتوثيق جرائم الحرب واستخدام الأسلحة المحظورة في جَلبِ معاداة روسيا لهم. وقد اعتمدت الأمم المتحدة على هذه الوثائق في إصدار تقاريرها، كما فعلت لجنة تقصّي الحقائق الإنسانية الدولية–ولجنة حظر الأسلحة الكيميائية، التي حمَّلت النظامين السوري والروسي المسؤولية عن الهجوم بالأسلحة الكيميائية في خان شيخون.
دفع ذلك بالروس إلى زيادة هجماتهم الإلكترونية و العسكرية على أصحاب الخوذ البيضاء واستهداف عدد من مراكزهم في شمال سوريا وفي الغوطة ودمشق، والتي كان لها تداعيات بالغة السوء بالنسبة للسكان المدنيين في هذه المناطق نظراً لافتقارها إلى الكوادر الطبية و موظّفي الطوارئ.
إمكانات المستقبل
على الرغم من الحملة الروسية ضدهم، فإن موقف الخوذ البيض من عدم الانحياز السياسي وعزمهم على تجاوز الخطوط الطائفية يعني أنّ لديهم القدرة على القيام بدور هام أنه في بلد مزقته الانشقاقات وذلك في حال التوصل إلى تسوية مقبولة دولياً للنزاع السوري، وهم يمتلكون القدر الأكبر من المعدات اللازمة لرفع وإزالة الأنقاض، وكذلك سيارات الإسعاف. كما أنّ لديهم خبرة في التعامل مع المناطق التي شهدت قتالاً في السابق، فضلاً عن طاقم مدرَّب يضم أكثر من 3500 متطوع إلى جانب العلاقات الدولية الهامة. وبالنظر إلى أن الدولة السورية تفتقر حالياً إلى جماعات الدفاع المدني النشطة، في حالة تسوية النزاع، فإن لبنيتها التحتية القدرة على أن تصبح أساساً لمنظمة الدفاع المدني المتكاملة في جميع أنحاء البلاد في المستقبل.