عندما استولى النظام السوري على حلب في 22 ديسمبر/كانون الأول 2016 يومَ غادر آخر المقاتلين الثوار الأحياء الشرقية، فإن المدينة سقطت في أيدي ثلاث سلطات هي: الأجهزة الأمنية للدولة، والميليشيات الموالية للنظام، وحزب البعث. وتعمل السلطات الثلاث على ابتزاز سكان حلب، في حين أنها تميّز بين سكان شرق المدينة وغربها من حيث الخدمات والعلاج وذلك على أيدي أفراد الأمن.
عقب الاستيلاء على المدينة، أحكمت أجهزة أمن النظام قبضتها عليها وأعطت مطلق الحرية للميليشيات الموالية للحكومة والتي بدأت بتهديد السكان وابتزازهم. كما منح النظام لفرع حلب لحزب البعث وميليشياته المسلحة الخاصة صلاحيات واسعة النطاق.
أجهزة الأمن
في الوقت الحالي تستغل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام سكان حلب لأسباب عسكرية واقتصادية. وفي المناطق الشرقية على وجه الخصوص، تعرّض المدنيون العائدون إلى ديارهم لحملات أمنية، واعتقل النظام الكثيرين منهم بسبب تخلّفهم عن الخدمة العسكرية الإلزامية. ومنذ مطلع عام 2017، اعتُقل العديد من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، كما أُلحِقوا بالجيش والميليشيات الحليفة كاحتياطيين قبل أن يُزجّ بهم في معارك ضد داعش شرقي وجنوب شرق حلب وصولاً إلى منطقة البادية السورية.
وفي حلب الغربية، أصبح السكان مصدراً للدخل لدى لأجهزة الأمنية. وقد استخدمت فروع الأمن العسكري والمخابرات الجوية والأمن السياسي حملات التجنيد الإجباري لابتزاز الأغنياء الذين يدفعون “الإتاوات” الشهرية لأجهزة المخابرات في سبيل تركِ أبنائهم وشأنهم أو لتسهيل تهريبهم من البلاد.
الميليشيات
أبرز الميليشيات في حلب هي لواء الباقر، الذي يضم أفراد من قبيلة البقَّارة الموالية للنظام، ولواء القدس الفلسطيني الذي يضم مقاتلين فلسطينيين من مخيّمَي النيرب وحندرات للاجئين التي تقع بالقرب من حلب، إلى جانب مقاتلين سوريين من مدينة حلب. وهناك أيضاً ميليشيات شيعية غير سورية مثل حركة النجباء وجماعة أنصار الله وحزب الله اللبناني الذي حافظ على قواعده العسكرية عند طرف المدينة الشرقي وقرب كلية المدفعية وضاحية الأسد وحيّ الحمدانية.
أقدم أفراد هذه الميليشيات على قتل الناس ونشروا الخوف بين سكان حلب التي شهدت عمليات قتل متكررة، فضلاً عن عمليات دهسٍ وهروب. كانت إحدى أكثر الحوادث مأساويةً قتلُ الطفل أحمد جاويش في 11حزيران/يونيو على يد أحد عناصر الميليشيات.
وكانت الميليشيات مسؤولة أيضاً عن موجة متزايدة من عمليات اختطاف المدنيين بغية ابتزازهم للحصول على فديات بمبالغ طائلة لتغطية احتياجاتها المالية. وتعزّز هذه الميليشيات قدراتها المالية من خلال إنشاء عصابات متخصصة في السرقة والقتل المأجور وإدارة بيوت الدعارة، وبيع المخدرات.
وتتناقض مصالح الميليشيات مع مصالح الأجهزة الأمنية، مما يسمح للأولى بالسيطرة على معظم البنى التحتية الإنتاجية والحيوية في المدينة ووسائل توليد الثروة. وهناك مضايقات متزايدة للصناعيين والتجار من قبل كلا الجانبين، كما تُفرض الضرائب على النقل من قبل الميليشيات التي تسيطر على نقاط التفتيش العسكرية على مختلف الطرق في المدينة والمناطق المحيطة بها. وقد عُرقِلت العديد من المحاولات التي قام بها المصنعون لإعادة فتح مصانعهم من قبل القوى الثلاث التي تسيطر على المدينة، أي الميليشيات وقوات الأمن والفرع المحلي لحزب البعث. وقد دفع هذا بالبعض إلى دفع الأتاوات النقدية والرشاوى لإعادة تشغيل أعمالهم مرة أخرى.
حزب البعث
أمّا الذراع الثالث الذي يسيطر على حلب فهو حزب البعث العربي الاشتراكي. كان النظام قد حلّ فرع حلب للحزب بعد وقت قصير من سيطرته على المناطق الشرقية. يظهر الحزب اليوم بحلّةٍ جديدة برئاسة القاضي أمين النجار. وفورَ توليه منصبه، قام النجار بجلب أعضاء جدد إلى “فروع الحزب” في حلب والمناطق الريفية المحيطة بها، وأحدث الجناح المسلح للحزب، وكتيبة البعث، ومقرها الجديد في المدينة وريف حلب الشرقي.
وكان النجار حريصاً على إحياء فروع الحزب وإعادة تشكيل شبكات التجسس والرصد المؤلفة من موظفي حزب البعث، وانتدابهم إلى أجزاء مختلفة من المدينة والمناطق الريفية المحيطة بها. وقد أقام احتفالات ونشاطات منتظمة في المدينة، وأشرف على العديد من المؤتمرات والمناسبات التي تهدف إلى زيادة سيطرة الحزب وتأثير أعضائه في المدينة.
فرّق تسد
منذ مطلع عام 2017، فرضت السلطات الثلاث للنظام سياسة تمييز بين شرق حلب وغربها. ولا تزال المناطق الشرقية، التي كانت تحت مسؤولية النظام طيلة 11 شهراً، بدون خدمات عامة على الرغم من نداءات سكانها الفقراء. وتعاني هذه الأحياء من انقطاع شبه مستمر في الكهرباء والماء، إلى جانب انهيار الكثير من شبكات الصرف الصحي بسبب سنوات من القصف خلال سيطرة قوات الثوار على المنطقة. ويعيش السكان في ظلّ الاتهامات المتواصلة بأنهم احتضنوا قوات الثوار سابقاً وتحت التهديد بأنهم سيدفعون ثمن ذلك. وقد أُلقي القبض على الكثيرين ممن عادوا إلى الأحياء الشرقية وتعرضوا للتعذيب وحُرموا من حقوقهم. لقد تعرّض أكثر من نصف الأحياء الشرقية للدمار؛ وعلى الرغم من وعود النظام في وسائل الإعلام لإعادة بناء وإصلاح الأضرار الناجمة عن قصفه للمناطق الشرقية، إلاّ أنه ليس هناك أي علامة على ذلك. في حين أن النظام، في الوقت نفسه، يوفّر الخدمات العامة لسكان غرب المدينة كتعويض عن ولائهم.