اتفاقية جديدة تفاقم الطائفية وتعطي إشارات حول مستقبل التوازن السياسي في إدلب.
أعلنت هيئة تحرير الشام، وهي واحدة من أكبر فصائل المعارضة المسلحة، أنها توسطت في اتفاق مع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني للسماح بإجلاء سكان بلدتَي الفوعة وكفريا ذات الأغلبية الشيعية، التي ظلت فصائل المعارضة تحاصرها لعدة سنوات دون أن تُفلح في الاستيلاء عليها.
وقد أُبرِم الاتفاق بموافقة روسية وتركية، مما يعني أن له أهمية سياسية بالنسبة لإدلب، آخر معاقل المعارضة المسلحة. ويُعدُّ الاتفاق بمثابة ملحق لاتفاق آخر تمخّض عن محادثات أستانا، المعروف سابقاً باسم اتفاق المدن الأربعة (بما في ذلك مدن الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة).
واتفقت كل من روسيا وتركيا وإيران على تسمية مناطق منزوعة السلاح في ريف حلب الشمالي والغوطة وريف حمص وإخراج هذه المناطق من الصراع ضد الأسد. كما قامت الدول الثلاث بصياغة خطة انتقالية لمستقبل سوريا ضمن بنود الاتفاق، إلا أنه لم يتم الكشف عن محتويات هذه البنود حتى الآن.
ويقول المدنيون ممن هم تحت حكم فصائل المعارضة في شمال سوريا إنهم يخشون أن يُمهِّد الاتفاق الجديدُ الطريقَ أمام وضع جديد لإدلب، سواء كانت معركة أكبر بقيادة روسيا وإيران بضوء أخضر من تركيا، أو حلاًّ سياسياً تم التوصل إليه بموافقة تركية وروسية. في كلتا الحالتين، فإن ذلك يعني نهاية المعارضة، ويترك أفرادها عرضة لأعمال انتقامية محتملة.
بالنسبة لـهيئة تحرير الشام، التي تمكنت من تحقيق العديد من الأهداف وصولاً إلى هذا الاتفاق؛ فهذا سعر يستحق الدفع. فقد فرضت الهيئة نفسها على أنها أقوى فصيل على الأرض بما يمكّنها من قول الكلمة الفصل في الحرب والسِّلم. كما أظهرت نفسها قادرة على العمل بالتنسيق مع تركيا، مما يساعدها على تحقيق التوازن ضد النفوذَين الإيراني والروسي. وقد فعلت ذلك بينما استمرت في إرضاء المتشددين من حيث أنها تحقق “انتصارات”. وقد جاء الاتفاق نفسه بدوافع طائفية تناسب أجندة هيئة تحرير الشام.
بالنسبة لإيران، فإن إخلاء البلدتين يزيل خاصرةً رخوةً محتملة في حال شنّ النظام هجوماً على إدلب. وعلى الرغم من أن الانسحاب سيضعف النفوذ الإيراني – حيث ينظر إلى المدينتين على أنهما حاضنتان اجتماعيتان وطائفيّتان بالنسبة لطهران – إلا أنهذا يعني أيضا أن طهران لن تُضطر للقلق بشأن حماية الشيعة في هذه المناطق مع تقدم قوات النظام وحلفائها.
وكجزء من الاتفاق، أبرمت إيران صفقة مع تركيا شملت التخلي عن الأحزاب الكردية التي تهدد أنقرة. ولا تزال تركيا تخشى من أن إيران ستتعامل مع القضية الكردية ضدها في سوريا لصالح الأسد – على الرغم من أنها تعلم أيضاً أن طهران تواجه قضيتها الخاصة بالمخاوف من الأكراد داخل إيران، وسوف ترغب فقط في توسيع النفوذ الكردي في سوريا بشكل محدود.
لقد كشف اتفاق الفوعة وكفريا مدى الانقسام الطائفي في المجتمع السوري. على سبيل المثال، غيرت الفصائل الثورية السنّية أسماء البلدتين إلى “الصادق” و “عمر” وذلك بغرض الإساءة للشيعة. وقد سبق النظام الفصائل في هذا الصدد بفتحه دور العبادة الشيعية (الحسينيات) في المناطق السنية. وقد بدأ النظام بذلك منذ سيطرت قواته على القصير في ريف حمص، وفي نهاية المطاف شق طريقه إلى داريا والزبداني والغوطة ودرعا، حيث قامت العديد من الجماعات الشيعية المسلحة مراراً وتكراراً بالتصريحات الطائفية ضد الجماعات السنية.
يزيد التهجير القسري الطائفي المستمر من تعقيد الصراع ويحوله إلى مشكلة مستقبلية خطيرة. فمع هذا الاتفاق ستصبح إدلب ذات طابع سنيّ أكثر حزماً، تزامناً مع طردالشيعة من هاتين المدينتين. أسوةً هاتين بمجموعات الأقليات الأخرى، حافظت هاتان المدينتان على علاقاتهما بالنظام السوري، ليس فقط بسبب الولاء، بل أيضاً بسبب الخوف من أن تفرض المعارضة طابعها السني عليها. وهذا أمر مخيف على نحوٍ خاص، إذ تعلن العديد من الجماعات الجهادية أن الأقليات غير السنية هي جماعات كافرة. ويصبُّ هذا كلّه في مصلحة المتطرفين السنة مثل هيئة تحرير الشام. فقد ظهر أحد قادة هيئة تحرير الشام من الجنسية المصرية في مقطع فيديو أعلن فيه انتصاراً مدوياً على الشيعة، ودعا جميع أتباعه إلى مواصلة القتال ضد الشيعة الذين يدعمون الأسد.