كيف يُغذّي اقتصاد الحرب في سوريا الصراع الدائر فيها

إنَّ دينامييات اقتصاد الحرب في سوريا تعني أنّه لربما يكون من الصعب تنفيذ أي صفقة على الطاولة الدولية محلياً. فقد أدى الصراع إلى صعود أمراء حرب على جانبي النزاع يستفيدون بشكل شخصي من الوضع الراهن ويوفرون لداعميهم مصادر هامة للتمويل، ومن الصعب رؤيتهم يتخلّون عن الفوائد التي اكتسبوها. وفي الواقع فإنَّ كل شاردة وواردة في الحرب تُعصَرُ من أجل الرّبح.

ينطبق هذا الأمر على النظام بوجهٍ خاص، إذ إنَّ العديد من عناصر الميليشيات الذين كانوا يعرفون باسم “الشبيحة”، والذين أصبحوا لاحقاً يعرَفون “باللجان شعبية” ثمّ بقوات الدفاع الوطني؛ تحولوا إلى أمراء حرب، وبذلك فقد استفادوا من السلطة التي أعطاها إيّاهم النظام ومن حيازتهم للأسلحة في سبيل الحصول على المزايا والامتيازات.

ينحدر معظم أمراء الحرب هؤلاء من طوائف الأقليات الفقيرة، وكانوا ضمن نطاق منخفضي الدخل قبل النزاع. فقد [جعلَتهم مشاركتهم في الحرب يصبحون من فئة مُحدَثي النِّعمة، خصوصاً وأن دخلَ العديد منهم قد ارتفع من 10 آلاف ليرة سورية (أي ما يعادل 220 دولار قبل الحرب) لِيَصِل إلى مليونَي ليرة سورية في الشهر (ما يقرب من 4000 دولار بحسب سعر الصرف اليوم). ويبدو أنَّ هؤلاء لا يجدون حَرَجاً بشأن عرض علائم ثروتهم الجديدة؛ في دمشق مثلاً، يمكن مشاهدة أشخاص يقودون السيارات الفاخرة ويجلسون في مقاهي فارهة، مما يدل على ظهور طبقة اجتماعية اقتصادية جديدة في سوريا.

إلاّ أنَّ الثراء السريع لهذه الطبقة لا يحدث من أعلى إلى أسفل، إنّما يجري بصورةٍ معكوسة، وذلك لأنَّ النظام أعطاهم الضوء الأخضر  لكسب ما يستطيعون الحصول عليه وبأي طريقة كانت بشرط الولاء. وعلى هذا النحو، فإنهم يفرضون أتاوات على الناس في المناطق التي يسيطرون عليها، كما يطالبون بفِديات عالية تتراوح من بضعة آلاف الدولارات إلى مئات الآلاف عن رجال الأعمال الذين يُختطفون فى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. ويقال إنّ هذه الأموال تخضع للمشاركة على امتداد سلسلة القيادة: حيث ترتفع النسبة كلما ارتفعت الرتبة.

كما أن اقتصاد الحرب يُدِرُّ الأموال للنظام من خلال التعامل مع المحتجزين. وفي الوقت الحالي توجد رسومٌ للقضاة والمحامين والوسطاء الذين يزوّدون العائلات بأخبارٍ عن أبنائهم المحتجزين أو يساعدون في إخراجهم من مراكز الاحتجاز أو من سلسلة السجون أو إسقاط تُهمِ الإرهاب عنهم. وقد أصبح من المعروف أنَّ خروج من حَمل السلاح من السجن أسهل من خروج من احتجَّ سلمياً. يقضي بعض الناشطين السلميين شهوراً في الاعتقال، وتدفع أسرهم آلاف الدولارات لإطلاق سراحهم. في حال كان المحتجز  في السجن ميسور الحال فإنه قد يظلّ بمنأى عن التعذيب؛ أمّا إن لكم يكُن كذلك فإنّ مصيره سيكون مجهولاً في كثير من الأحيان.

ولا يزال النظام يتلقى معونات مالية من إيران لمساعدته على البقاء في السلطة، ولكنه يقوم أيضاً بعقد صفقات محلية للموافقة على إرسال المواد الغذائية أو السِّلع إلى المناطق المحاصرة. فعلى سبيل المثال، تحصل دوما على إمداداتها الغذائية مقابل تصدير منتجات الألبان إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام. والوسيط الرئيسي هناك هو المنفوش، المعروف  بِمَلك الألبان، في حين أن الوسيط الرئيسي من طرف النظام هو جورج حسواني، الذي يقال أيضا إنه وسيط النفط بين داعش والنظام.

كذلك يستفيد النظام من التحويلات النقدية وتبادل العملات. فهو يفرض عمولة على التحويلات النقدية بالدولار سواء كانت آتية مباشرة من السوريين المقيمين في الخارج إلى عائلاتهم داخل سوريا، أو من خلال وسطاء يساعدون في إيصالها إلى داخل المناطق المحاصرة. إذ يقتطِعُ الوسطاء الذين يُدخِلون العملات الأجنبية إلى المناطق المحاصرة عمولات من الصفقات.

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، لا تُقبَلُ رسوم أي معاملة مُرسَلة من الخارج بالدولار الأمريكي سِوى بالعملة المحليّة وبسعر الصرف الذي تحدده الحكومة. ولا يُسمح لجميع الموظفين، بمن فيهم العاملون في القطاع الخاص وموظفو الأمم المتحدة المحليون باستلام رواتبهم إلاّ بالليرة السورية. ومن شأنِ جميع هذه التعاملات أن توفّرَ للحكومة المزيد من السيولة بالعملات الأجنبية.

يُعدُّ الحصار طريقة أخرى لكسب المال للنظام. ويُعتبر سعر الصرف في المناطق المحاصرة أكثر إحكاماً مما هو عليه في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. فسعر صرف الدولار في دمشق هو حوالي 500 ليرة سورية لكل دولار وارد، في حين أنه يبلغ 430 ليرة سورية في الغوطة الشرقية المحاصرة. كما أن رسوم إرسال الأموال إلى المناطق المحاصرة تزيد بازدياد فترة الحصار. فقد قفزت نسبة عمولة إرسال أي مبلغ إلى الغوطة المحاصرة والتي كانت تبلُغ 3% عام 2016، لتصل إلى 22% في شهر شباط/فبراير من العام الجاري تزامناً مع اشتداد الحصار. (هي  10% حالياً).

وهناك أيضاً الأنفاق التي حُفرِت لتهريب الناس والبضائع إلى داخل وخارج المناطق المحاصرة التي لكل شيء ثمنه فيها. وفي مرحلةٍ ما، بلغت تكلفة تهريب أسرة من الغوطة مبلغ 000 6 دولار تُدفَعُ بكاملها للميليشيات أو المقاتلين الحكوميين، وتُشارَكُ أحيانا مع الثوار المسؤولين عن طرفهم من النفق.

كما تشهد سورية ارتفاعاً في عدد رجال الأعمال الذين لديهم احتكارات لمختلف مجالات الأعمال سواء كانت الأغذية أو النفط أو الواردات أو المبيعات المحلية. ويتولى أفراد حاجز التفتيش التحكّم بكلّ ما يعبر حاجزهم، كالأمتعة الشخصية أو مواد الإنتاج أو حتى قوافل الإغاثة. ويُعرف أحد الحواجز بالقرب من الغوطة الشرقية باسم “حاجز المليون ليرة”، افهو يُدِرُّ دخلاً قدره مليون ليرة يومياً عن طريق الرسوم وتهريب السّلع أو الأشخاص من وإلى الغوطة.

كما أنّ الأرباح التي ستتحقق من إعادة الإعمار ستوفّر بالطبع مزيداً من الفرص للثراء. وقد قيل بالفعل إنَّ بعض الأسماء المقرّبة من النظام حصلت على وعودٍ بمشاريع معينة، بدأ بعضها بالفعل في مناطق محيطة بدمشق.