كيف يستخدم كل طرف من أطراف النزاع السوري النفوذ العشائري

في الأشهر الأخيرة، زاد عدد اللقاءات والتشكيلات العشائرية زيادةً كبيرة في سوريا، وقد قدَّمت جميع الأطراف – بما في ذلك النظام السوري والفصائل الثورية وقوات سوريا الديمقراطية – مطالبات قوية لإحياء الانتماءات العشائرية.

يعتقد بعض مؤيدي الثورة السورية أن إحياء الانتماءات العشائرية سيسهم في الإصلاح الاجتماعي لمجتمع يُجِلُّ التقاليد والعادات القبلية، وبالتالي يمكن أن يساعد في إعادة إرساء بعض الأمن المفقود في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. كما يعتقدون أن ذلك قد يؤدي إلى المصالحة بين الفصائل المختلفة ويساعد في استمرار قتالها ضد النظام.

ومع ذلك، يعتقد آخرون أن هذه التجمعات العشائرية ستزيد الانقسامات الاجتماعية وتحفز التحيزات القبلية والمناطقية – وهو تطور لن تمانع فيه بعض الجهات الفاعلة والدول الخارجية. ويجادل هؤلاء بأن العشائرية يمكن أن تقوّض الثورة بسهولة وتضعها في خدمة الأجندات الأجنبية.

في الوقت نفسه، يحاول النظام السوري استخدام الانتماءات العشائرية لتحقيق مآربه الخاصة.

النظام السوري

قام النظام السوري بتنظيم العديد من اللقاءات العشائرية داخل المناطق التي يسيطر عليها في محاولة لاستخدام العشائر لصالحه، لا سيما لجهود المصالحة التي يبذلها. وقد وجد النظام أن العشائر يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في هذه العملية، ومن الجدير بالذكر أن جميع اللقاءات العشائرية داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام ضمَّت ضباطاً روس شاركوا فيها.

دُعِي العديد من زعماء العشائر إلى قاعدة حميميم الجوية للتنسيق معهم. وكان للعشائر في درعا دور رئيسي في التنسيق مع الجانب الروسي في ما يتعلق بتوقيع اتفاقات المصالحة التي جرت هناك.

قام النظام بتقسيم الولاءات العشائرية داخل العائلات، فقد يكون هناك أحد الأعمام أيّد الثورة إلى جانب معظم أفراد العشيرة، بينما كان ابن عم أو شقيق آخر يدعم النظام، وشمَل ذلك شيوخَ وعائلاتِ كبارِ شيوخ العشائر في سوريا.

تمكَّن النظام السوري خلال حكم كل من حافظ وبشار الأسد من تطوير صيغة من السلطة داخل العشائر التي كانت تُمسِكُ بالشؤون العشائرية ورصد سلوك أفرادها وأوجد نسخة مصغَّرة من نظام الأسد داخل كل عشيرة.

كان النظام يختار قادة العشائر ليس لسمعتهم أو حتى فعاليتهم ولكن لإظهار السلطة التي فرضها النظام على الآخرين. وبذلك كان النظام قادراً على إجبار العشائر على فعل ما يريد مُعمِّقاً انقساماً كبيراً في بنى المجتمع العشائري.

انخرط الكثيرون من الطبقة الوسطى والعشائر السنية في الثورة في سبيل إنهاء هذا التدبير على أساس أن إسقاط النظام يمكن أن يطيح بالأسر الحاكمة في التي نصَّبها النظام في العشائر.

بقيت العائلات الكبرى من شيوخ العشائر موالية للنظام انطلاقاً من إدراكها للتهديد القائم لسلطتها. وقاتل أفراد هذه العائلات إلى جانب النظام ضمن ما يسمى ميليشيات الشبيحة، وغالباً ما كانوا يقتلون أفراد عشائرهم إذا انضموا إلى الثورة.

على سبيل المثال، كان هذا ما حدث في حلب عندما شكَّلت عشيرة آل برّي كتائب شبيحة أقدمت على تصفية أُسَر الطبقة الدنيا في العشيرة التي انضمت إلى الثوار، وكذلك أفراد العشائر الأخرى ذات المكانة الاجتماعية المتدنية، وقد لعبوا دوراً رئيسياً في تحطيم الدعم للثورة في حلب.

التنظيمات الجهادية

على الرغم من أن العديد من أفراد العشائر حملوا السلاح ضد النظام، إلا أنهم لم يتمكنوا من تشكيل كتائب كبيرة مثل القرى غير العشائرية التي نجحت في ذلك وخاصة في إدلب وحلب. كانت هذه الكتائب قادرة على قيادة الثورة في شمال سوريا والحصول على الأسلحة والمساعدات الخارجية، وكانت تعمل في الغالب على أساس المناطقية والمغالاة الفصائلية. انضم أعضاء العشائر بصفتهم أفراداً فقط، دونما تأثير كبير في صنع القرار.

وهذا ما يفسر انضمام العديد من العشائر من ريف حلب الجنوبي والشمالي وحماة الشمالي والشرقي، بالإضافة إلى الرقة ودير الزور، إلى جبهة النصرة وداعش. لم تقم هذه التنظيمات على أساس الانتماءات المناطقية أو الانتماءات الحزبية الفصائلية، وبدلاً من ذلك قدمت أيديولوجية واسعة النطاق يمكن أن تشمل جميع أولئك الذين هُمِّشوا في الثورة.

استندت تلك التنظيمات إلى عقيدة دينية حاربت المناطقية والطائفية ومنحت السلطة والمكانة الاجتماعية لأولئك الذين انضموا إليها، بل وحتى قدَّمت خدمات أكثر من الفصائل الثورية التي اعترَتها صور إدارية تعسُّفية وإدارة تنظيمية ساذجة.

كان معظم قادة هيئة تحرير الشام وداعش شخصيات عشائرية تفتقر إلى النفوذ في الفصائل الثورية الكبرى، مثل صدَّام الجمل وصدام الخليفة وعبد اللطيف الفرج.

تركيا

في تلك الأثناء عملت تركيا على كسب العشائر السورية وتمكنت من احتضان العديد من قادتها. وقد ساعدت أيضاً في إنشاء مؤسسات عشائرية من خلال عقد مؤتمرات مثل مؤتمر إسطنبول الذي أفضى إلى إنشاء المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية ومقره إسطنبول.

تُوفّرُ العشائر لتركيا مجال نفوذ واسع داخل المجتمع السوري من خلال الإشادة بالسياسات التركية وتعزيزها وكذلك من خلال إنشاء ميليشيات عشائرية تابعة لتركيا. إحدى هذه الميليشيات هي أحرار الشرقية التي شاركت في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، تماماً مثلما كان للعشائر في منطقة إدلب دور في ترتيب الانخراط التركي من خلال العمل كوسيط بين الأتراك وهيئة تحرير الشام.

تستفيد تركيا أيضاً من كسب ولاء العشائر في مسألة مستقبل سوريا، وكثيراً ما أكدت للروس أنها تتمتع بدعم من قطاع كبير من المجتمع السوري.

ترى العشائر السورية المتحالفة مع تركيا أنها المدافع الوحيد عن الإسلام السني في وقت بدا أن السعودية قد تخلت عنه.

العربية السعودية

يتعيّن على أي شخص يدرس المجتمع القبلي في سوريا أن يلاحظ عدم وجود تأثير سعودي على بنية العشائر السورية، على الرغم من أن معظم العشائر السورية هي امتداد للعشائر السعودية ولديها روابط قوية معها، ولا سيما مع قبيلة عنزة التي تتمي إليها الأسرة المالكة السعودية. بفقدان هذا التأثير، فقدت السعودية أيضاً قدراً كبيراً من قدرتها على التصدّي لإيران في المنطقة.

قوات سوريا الديمقراطية

أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فقد تمكنت من كسب قدر كبير من الدعم من عشائر الجزيرة في مواجهة المخاوف التركية من مشروعها. تحوَّل العديد من أفراد تلك العشائر من دعم النظام إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش، الأمر الذي أضر مباشرة بعشائرهم.

هيئة تحرير الشام تستثمر أيضاً في المجال العشائري، وخلال الأشهر الأخيرة، وفي نفس الوقت الذي عُقدت فيه الاجتماعات العشائرية في المناطق التي يسيطر عليها النظام وفي اجتماعاتهم في تركيا، عُقِدت اجتماعات لتشكيل مجلس عشائري في سوريا مُقرَّب من حكومة الإنقاذ السورية التابعة لـهيئة تحرير الشام.

كانت الهيئة قادرةً على استخدام الروابط المحلية للعشائر في دعم حكومة الخلاص في أمور مثل دفع الضرائب وتحصيل الزكاة، ومساعدة الحكومة في حل النزاعات المحلية. علاوة على ذلك، وفي ما قد يكون أعظم انقلاب، أقنعت هيئة تحرير الشام القبائل بمعارضة المصالحة مع النظام في إدلب.