هيئة تحرير الشام تُجري مشاورات حول الإدارات العسكرية والمدنية المُزمَعة في إدلب

تعمل هيئة تحرير الشام على حشد الدعم للإدارات المدنية والعسكرية التي تهدف إلى تأسيسها في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، وهي خطط من المتوقع أن تعلنها في المستقبل القريب.

يعقد مسؤولون من هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة للهيئة محادثات مكثفة منذ منتصف كانون الثاني/ يناير مع مسؤولين وقادة من فصائل المعارضة المسلحة والجماعات الجهادية وكذلك شيوخ القبائل لإقناعهم بقبول شكل ونطاق الإدارات المقترحة في إدلب والمناطق المجاورة وحثِّهم على الانضمام لها.

وقد كانت تصريحات زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني خلال ظهوره في برنامج حواري بثَّته قناة أمجاد الإعلامية في منتصف شهر كانون الثاني/يناير بمثابة إشارة إلى أنصاره إلى أن الوقت قد حان لإطلاق الجهود لتعزيز المشروع وبدء مشاوراتهم. وتحدَّث الجولاني بإسهاب عن الحاجة إلى الفصل بين الشؤون المدنية والعسكرية.

وكان اقتراح الجولاني هو السماح لحكومة الخلاص بتولِّي جميع الإدارات المدنية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بما في ذلك المجالس المحلية والمؤسسات والهيئات المدنية الأخرى، بينما يتمّ على الجانب العسكري إنشاء غرفة عمليات موسَّعة تُشرف على المجموعات العلمانية والإسلامية والجهادية المسلحة – وبشكل أساسي وزارة حرب تفرض نفسها بالقوة على الجماعات المسلحة الأخرى.

ترى هيئة تحرير الشام في هذه الخطة مفتاحاً لمرحلة جديدة تتيح لها إعادة إنتاج نفسها وتَجَنب معركة محتملة للقضاء عليها. كما ترى أن خطتها تتماشى مع المصالح العسكرية والأمنية والسياسية لتركيا، بما يضمن أن تفي أنقرة بالتزاماتها بموجب اتفاقها مع موسكو للسيطرة على الوضع في إدلب لمنع هجوم عسكري روسي على المنطقة.

يأتي الاقتراح تزامناً مع سيطرة هيئة تحرير الشام بالكامل تقريباً على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا منذ استيلائها على مناطق جبهة التحرير الوطني التي كانت تقاتلها منذ بداية العام. بالتوازي مع توسعها العسكري، وعلى حساب الفصائل المسلحة الأخرى، جاء توسيع حكومة الإنقاذ التي فرضت سيطرتها على المجالس المحلية والهيئات المدنية الأخرى.

وقد تولَّت قيادة هيئة تحرير الشام، بما في ذلك القائد العسكري الأعلى، مسؤولية إجراء محادثات مع فصائل المعارضة المسلحة والجماعات الجهادية بشأن الإدارة العسكرية. بدت جبهة التحرير الوطني، التي تضم 14 فصيلاً معارضاً بقيادة فيلق الشام، مستجيبةً لخطة هيئة تحرير الشام خلال اجتماعات مكثفة جرت في إدلب. وبحسب التقارير التي سُرِّبت، فإن قيادة الإدارة العسكرية المقرر إنشاؤها ستقع على عاتق فصائل المعارضة، وعلى الأرجح فيلق الشام القريب من تركيا.

تواجه هيئة تحرير الشام معارضةً من الجماعات الجهادية داخل غرفة العمليات، وعلى الأخص حرّاس الدين، وهي تواصل التفاوض معهم. إذ لا تريد الهيئة الاقتتال مع الفصائل الجهادية، بل إنها تحاول جذب تلك الفصائل إلى حظيرة إدارتها العسكرية، مما سيُمَكِّنها من كبح نشاطها. وقد تجلّى ذلك في الشروط التي ستفرضها على تلك الفصائل إذا انضمَّت إلى الإدارة العسكرية، وهي: قبول تجنيس المقاتلين الأجانب، وإجبارهم على حمل بطاقات هوية، وتسجيل سياراتهم ومعداتهم العسكرية وتزويدهها بلوحات التسجيل.

بالتوازي مع عملهم في الإدارة العسكرية، يعقد مسؤولو حكومة الخلاص مشاورات بشأن الإدارة المدنية. يزور رئيس الحكومة، فواز هلال، والعديد من أعضائها المجالسَ المحلية ويلتقون شخصيات بارزة إلى جانب شيوخ القبائل لإقناعهم بدعم الحكومة والمشاركة فيها بعد توسعها لتشمل أجزاء أخرى من المعارضة.

في الوقت نفسه فإن حكومة الخلاص تمهد الطريق لتغييرات أخرى من خلال تنفيذ سياسات أمنية واقتصادية جديدة وتنظيم تشغيل المعابر الحدودية، وفرض الرسوم والضرائب، والسعي للسيطرة على اقتصاد المنطقة للضغط على مختلف السطات المدنية هناك لقبول الإدارة المدنية المقترحة.

كما يزور المسؤولون في حكومة الإنقاذ وأعضاء الهيئة التأسيسية للمؤتمر العام السوري، المقرّبون من هيئة تحرير الشام أيضاً، تركيا للقاء مسؤولين وشخصيات من المعارضة السورية وكذلك مسؤولين أتراك لإجراء مشاورات بشأن الإدارات المدنية والعسكرية المقترحة. سيكون الدعم التركي عاملاً حاسماً في تنفيذ الخطة وإقناع فصائل المعارضة بالانضمام.

تهدف هيئة تحرير الشام إلى التخفّي خلف الإدارتين وتحويل نفسها من جماعة جهادية سلفية محلية إلى منظمة براغماتية يمكنها تحمل الظروف المتغيرة ومواكبتها. وعلى الصعيد الداخلي، اتخذت الهيئة عدداً من التدابير لكبح جماح أعضائها الأجانب وإجبارهم إما على تبني رؤيتها والبقاء، أو الانشقاق والانضمام إلى جماعة جهادية أخرى مثل حراس الدين التي تربطها صِلاتٌ بتنظيم القاعدة.

إذا نجحت هيئة تحرير الشام في إقناع المعارضة والجماعات الجهادية الأخرى بدعم خطتها وتحويلها إلى واقع، فإن ذلك سيضع جميع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا في قبضتها، مما يتيح لها التحكم في تنفيذ الصفقة الروسية التركية بشأن إدلب. إذا نجح ذلك فقد يؤدي ذلك إلى إعادة فتح الطرق السريعة العابرة للحدود.

لكن ليس من الواضح ما إذا كان نجاح الإدارتين سيكون كافياً لكسب موافقة تركيا ومنع روسيا ونظام الأسد من الهجوم. ومع صعوبة تحقيق هذا النجاح، تحتاج هيئة تحرير الشام إلى التخطيط لاحتمال حدوث مواجهة عسكرية تُفضي إلى حلها.