لا يكفي شن هجمات جوية ضد أهداف تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) وقطع مصدر تمويلها. المطلوب ھو دلیل على أن نموذجًا بديلًا للحكم يضع صورته ويقدمه السوريون والعراقيون المحليون هو أمر ممكن، إن ترافق مع الدعم الدولي المستمر.
تتجلى الاستجابة الفطرية على هجمات باريس في تكثيف الحملة الجوية ضد مقر “داعش” في الرقة، والتي
بدأتها
فرنسا
بالفعل
بشكل
جدي. مع ذلك، إذا كان الغرب يريد حقًا الحد من التهديد الطویل الأمد الذي تطرحه “داعش” بالنسبة إلى السكان في منطقة الشرق الأوسط وفي أوروبا، لا بد له من توسیع الجهود الى ما هو أبعد من حل عسكري یستند الى الهجمات الجویة، حل یصل إلى صلب هذه القضیة في المنطقتین الحوكمة.
يتعين على الغرب أن يلم بشكل أفضل، ليس فقط بالظروف التي أدت إلى نشأة “داعش” وسابقاتها في العراق وسوريا، بل أیضًا ما یحافظ على التنظیم ويسمح له بالسيطرة على الأراضي وبحكمها وتوليد الدخل وتجنيد المقاتلين من المجتمعات المحلية وجذب الأوروبيين المحرومين وتخطيط وتنفیذ هجمات إرهابیة تزداد تطورًا وتعقيدًا.
على الرغم من أن “داعش” تُعتبر على نطاق واسع عابد ةً للموت، إلا أنها، وفي سياق مماثل لـ”طالبان”، جلبت معها نظامًا وحشيًا وقاسيًا إلى المناطق التي تحكمها. ففي الواقع أنشأت، وفي وقت قياسي، حكومة مع وزارات تخدم السكان وتقدم الخدمات. وقد عملت مع المجتمعات المحلية لضمان استمرار الخدمات الأساسية، واحتواء المحلات على المنتجات الضرورية، وجمع الضرائب وفرض القانون والنظام، ولو بوحشية. من الصعب جدًا تصور منظمة يمكنها تطوير قدرة مماثلة على الحوكمة في فترة قصيرة نسبيًا، وخصوصًا فيما قضى المجتمع الدولي عقودًا في محاولة بناء القدرات المؤسساتية في المنطقة. إلى جانب ذلك، بدأت “داعش” بمشروع بناء دولة، وهو مشروع استعصى على الحكومات الإقليمية والمجتمع الدولي على حد سواء منذ العام 2003، في العراق وليبيا واليمن.
وقد تمكنت من القيام بذلك من خلال الاعتماد على هياكل “حزب البعث” وعوامل أخرى، والاستفادة من المظالم المحلية التي يشعر بها السكان بشدة، ولاسيما الاستبعاد السياسي، خاصة في العراق وسوريا. من خلال ذلك قدمت “داعش” نفسها على أنها البديل الوحيد للنظام القائم، ما يجذب الأشخاص المتواجدين بشكل دائم خارج العملية السياسية. في حين يكره الغرب “داعش” بشدة، يقدم النظام للسنة العراقيين المهمشين بديلًا لبغداد “التي يسيطر عليها الشيعة”، وللسوريين المحرومين بديلًا للرئيس السوري بشار الأسد وبراميله المتفجرة، وللأوروبيين المستائين احتمال العيش في ظل “الخلافة”. بشكل عام، وبشكل غير مستقيم إلى حد ما، يقدم ذلك الأمل واليقين، وهما عاملان تفتقد لهما أماكن أخرى في المنطقة. بالتالي، على الغرب أن يركز اهتمامه على هذا الصعيد.
تكمن الطريقة الوحيدة لتقويض “داعش” في سوريا والعراق في التأكد من أن يرى أولئك الذين يعيشون تحت سيطرة التنظيم بدائل دائمة وذات مصداقية في متناول أيديهم. لا بد من أن نأخذ بعين الاعتبار أن “داعش” غزت هذه الأراضي، وعلى الرغم من أن السكان لم يجدوا من خيار سوى الخضوع، إلا أنهم قد يبدؤوا بالمقاومة في نهاية المطاف. بعبارة أخرى، يجب أن يظهر التحدي الذي يواجه “داعش” من الداخل، ليس من قيادتها وواضعي الاستراتيجية فيها ولا من محددي الأيديولوجيات أو المقاتلين الأجانب، بل من السكان الخاضعين لحكمها. یُسجل لقیادة داعش فهمها لعلاقات المجتمع المحلي وترابطها بنجاح مع الشبكات العشائرية المعقدة، وذلك في كثير من الأحيان من خلال وسائل وحشية، لاكتساب ولاء هؤلاء السكان.
بید أن وحشيتها قد تحمل بذور دمارها وتقدم للغرب وشركائه الإقليميين فرصة للاستفادة من ذلك. فهم بحاجة إلى التحسن في الوصول إلى هذه الشبكات الرئيسية وطمأنة المجتمعات المحلية بأن مصالحها طويلة المدى ستتحقق بشكل أفضل من خلال مقاومة “داعش” والعمل مع الجماعات السياسية البديلة. إضافة إلى ذلك، في حال قاوموا الانضمام إلى “داعش”، يحتاج السوريون والعراقيون الذين يشعرون بأنهم محرومين دائمًا بسبب النظام السياسي أو الفوضى التي يعيشون فيها إلى أن يحظوا ببدائل واقعية. ومما لا شك فيه أن لا بدائل مماثلة تلوح في الأفق في الوقت الراهن.
في أفضل الأحوال، فإن السوريين في مناطق سیطرة الثوار والذين أنشأوا هياكل حوكمة ذاتية تهدف إلى خدمة المجتمعات المحلية، لا سيما في جنوب سوريا وفي جيب روج آفا الكردي في سوريا، يقدمون البدائل لإنشطار داعش – الأسد. بالتالي، يجب على الحكومات الغربية أن تولي الأولوية لدعم مبادرات الحوكمة المحلية، إذ إنها لن تساعد فقط المجتمعات السورية على اجتياز الصراع، بل من شأنها أيضًا أن تطمئن السوريين والعراقيين الذين يعيشون تحت حكم “داعش” بأن البدائل موجودة .
نيل كويليام هو مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاثام هاوس، وهو المعهد الملكي للشؤون الدولية، معهد سياسة مستقل يتخذ من لندن قرًا له.