أهمية الغوطة السياسية والعسكرية أدت إلى مأساتها

نظراً لأهمية موقعها وما تُمثّله، فقد جرى التعامل مع الغوطة بصورةٍ وحشية بصفة خاصة على امتداد فترة الصراع في سوريا.

كانت الهجمات على الغوطة الشرقية بلا رحمة، كما أن أعداد الضحايا آخذة في الارتفاع، وقد أفادت منظمة أطباء بلا حدود في سوريا أنها استقبلت 770 قتيلاً و 4050 جريحاً من منطقة الغوطة الشرقية بين 18 و 27 شباط / فبراير. ووفقاً للأطباء في الغوطة، فقد قُصِف أكثر من 20 مستشفىً مدنياً ونقطة طبية، كما أنَّ نحو 400,000 مدني يلتمسون اللجوء في أقبية تحت الأرض ويواجهون نقصاً كبيراً في الطعام.

هذه ليست هي المرة الأولى التي تكابد فيها الغوطة الشرقية على يد نظام الأسد وحلفائه. في 21 آب /أغسطس 2013، وهو أحد أكثر الأيام شؤماً في التاريخ السوري الحديث، استخدم النظام الأسلحة الكيماوية ضد المنطقة، مما تسبب في وفاة ما يقرب من 1400 مدني في غضون ساعات، وفقاً لإحصاءات النشطاء المحليين.

لقد ظلت الغوطة تحت الحصار المستمر طوال السنوات الخمس الماضية، ومع ذلك، دخل الحصار مرحلة متقدمة وحرجة بعد أن سيطر النظام على أحياء القابون وبرزة في أيار /مايو 2017، فقد احتوت هذه الأحياء على أنفاق لتهريب الطعام والموارد إلى الغوطة، ونتيجة لإغلاق هذه الطرق، أصبحت الموارد تصل إلى المدينة عبر معبر الوافدين الذي يسيطر عليه النظام شمال دوما. ويمنع الحراس في هذا المعبر دخول مساعدات الأمم المتحدة من دخول المدينة باستمرار.

كما يزداد الوضع سوءاً بسبب شبكات التهريب وأثرياء الحرب الذين رفعوا أسعار المنتجات الغذائية الشحيحة إلى مستويات لا يمكن لمعظم المدنيين تحمُّلها. وهكذا أصبحت الضغوط التي يفرضها الحصار أكثر حدة خلال الحملة الأخيرة التي دمرت الضرورات اليومية وهددت التواصل والتنقل بين مختلف الأحياء.

لقد واجهت الغوطة هذه الهجمات المتكررة بسبب أهميتها الإستراتيجية والرمزية، فهي تحمل معانٍ متباينة لمختلف أطراف الصراع، إلاَّ أن السيطرة عليها تُعدّ مسألةً حتميةً  بالنسبة لهم جميعاً.

ما الذي تعنيه الغوطة بالنسبة إلى المعارضة

كانت الغوطة الشرقية من بين المناطق الأولى التي شاركت في المظاهرات السلمية ضد النظام في آذار /مارس 2011 – وهي خطوة واجهها النظام على الفور بالرصاص وقتل المتظاهرين. أدى ذلك إلى توسيع نطاق المشاركة في الانتفاضة، حيث أصبحت الغوطة أحد أقوى مراكز الدعم للثورة ضد النظام.

ورغم العدد الكبير من الضحايا، والتعرض للعديد من المذابح والحصار المستمر، حافظت المجتمعات المحلية في مدن وقرى الغوطة على هذه المعارضة إلى حد كبير على مدار الصراع. وعلى هذا النحو، لم تكن هناك حالات من المصالحة المحلية أو وقف لإطلاق النار على المدى الطويل في المنطقة قبل عام 2016.

تُعتَبَر فصائل الغوطة الشرقية – وأهمها جيش الإسلام وفيلق الرحمن – من بين أكثر قوى المعارضة السورية العسكرية تفوّقاً وخبرة. وتتألف هذه الفصائل من ألوية محلية لكل مدينة وقرية، حيث يسيطر كل واحد منها على منطقته داخل الغوطة. يتمركز جيش الإسلام في قطاع دوما وأحيائها، فيما يسيطر فيلق الرحمن على الجزء الشمالي الغربي من الغوطة الشرقية وحي جوبر بالقرب من وسط دمشق. وتتمركز حركة أحرار الشام في حرستا (بعد أن انضم لها لواء فجر الأمة، الفصيل المحلي الذي يسيطر على حرستا).

أدى الاقتتال الداخلي في السابق إلى خسارة القسم الجنوبي من الغوطة وحدوث انقسامٍ كبير بين الفصائل، ومع ذلك، فقد أبقت الفصائل على التنسيق العسكري في مواجهة النظام والميليشيات الإيرانية من حولها.

كانت الغوطة دائماً مركز القوة العسكرية للمعارضة في العاصمة، ولكن مع منتصف عام 2017، أصبحت آخر الجبهات العسكرية النشطة ضد النظام في منطقة دمشق، ورغم وجود جيب للمعارضة في جنوب دمشق، إلا أنه دخل في وقف إطلاق نار طويل الأمد. وبصرف النظر عن جيب آخر تحتلّه داعش في مخيم اليرموك، فإننا لم نشهد أي اشتباكات أخرى جديرة بالملاحظة.

وهكذا، أصبح الكفاح من أجل الغوطة بمثابة المعركة الأكثر أهمية من الناحية السياسية للمعارضة في مواجهة نخبة جيش النظام والميليشيات المحلية الموالية، فضلاً عن عدد كبير من الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات التي تدعمها إيران والحرس الثوري.

ما الذي تعنيه الغوطة للنظام وحلفائه

لا يستطيع المرء فصل معركة الغوطة عن الأجندة الإيرانية في سوريا، وفي دمشق على وجه الخصوص، حيث أصبح النفوذ الإيراني واضحاً.

لقد وضعت إيران استراتيجية للبقاء في سوريا من خلال عدة أساليب، بما في ذلك التهجير وإعادة التوطين اللذان تهدف من خلالهما إلى تغيير التركيبة السكانية للبلد لصالحها وتشكيل ميليشيات حزبية محلية، بالإضافة إلى اختراق أجهزة أمن النظام ومؤسساته، وبذلك تضمن طهران الوجود الدائم للوكلاء المحليين في سوريا، مهما كانت طبيعة الحلول أو التسويات المستقبلية.

في عام 2013، أنشأت إيران أول قاعدة نفوذ لها في دمشق. فبعد استعادته من الجيش السوري الحر، أصبح حي السيدة زينب والمناطق المحيطة به نقطة تجمُّع وانطلاق للميليشيات الشيعية. ومع مرور الوقت ، تمكنت إيران من بسط سيطرتها على الأحياء والقرى المحيطة بحي السيدة زينب، الممتدة من الغوطة الغربية إلى القلمون الغربي حيث يتولى حزب الله القيادة.

بالإضافة إلى ذلك، أقامت إيران عدة قواعد عسكرية في دمشق وهجَّرَت السكان في مناطقَ سيطرَت عليها المعارضة في السابق واستبدلتهم بسكان جدد. وهكذا، يبدو أن هدف إيران الاستراتيجي هو السيطرة الكاملة على المنطقة المحيطة بدمشق، وتفكيك مراكز دعم المعارضة وتهجيرها، وإبعاد التهديد العسكري عن قواعدها.

بالنسبة لروسيا، يُعد تثبيت نظام الأسد والقضاء على فصائل المعارضة أو دمج أعضائها في المؤسسة العسكرية هدفاً استراتيجياً. وقد قالت موسكو الكثير في معرض تعليقاتها الأخيرة إزاء الحرب في الغوطة والتي لامت فيها بشكلٍ مركّز الفصائل التي تزعم موسكو أنها غير قانونية وترفض التخلي عن أسلحتها، كما عملت المعركة على صرف الانتباه عن الخلافات بين روسيا وإيران في إدلب وعفرين.

يبدو أن فشل مؤتمر سوتشي والدبلوماسية الروسية في التوصل إلى تسوية للوضع في سوريا كان الدافع لحملة الغوطة أيضاً، وذلك بهدف إجبار المعارضة على خفض سقفها التفاوضي أكثر تحت تهديد زيادة التكلفة الإنسانية أو خسارة الغوطة نفسها. لكن من المرجح أن يؤدي هذا السيناريو إلى نهاية العملية السياسية، إذ أنَّ نظام الأسد لن يكون في حاجة للتفاوض بمجرد زوال التهديد لحُكمِه وعاصمته.

لا نهاية تلوح في الأفق

منذ 28 شباط /فبراير، بدأ النظام وحلفاؤه بالتقدم في الغوطة الشرقية بعد عبورهم الخندق في بلدة حوش الضواهرة؛ خط الدفاع الأول لجيش الإسلام في دوما. بعد ذلك سقطت العديد من المزارع والمناطق المفتوحة.

ويحاول النظام وحلفاؤه إقامة خط فاصل بين الجزء الشرقي والشمالي من الغوطة من جهة، والجزء الجنوبي الغربي من جهة أخرى، لحصار كل جزء على حدة. وهذا يعني أنهم يريدون فصل دوما (جيش الإسلام) وحرستا (أحرار الشام) عن (فيلق الرحمن).

على هذا النحو ، يبدو أنهم يقومون بعمليات قصف واسعة كوسيلة ضغط للتعويض عن إخفاقاتهم العسكرية، من أجل دفع المدنيين والفصائل الأخرى إلى حالة من الانهيار الداخلي أو الاستسلام. كانت روسيا، وبالشراكة مع إيران، قد استخدمت نفس الاستراتيجية في حلب.

تُمثِّل الغوطة أكبر تحدٍ عسكري للتحالف بين نظام الأسد وإيران وروسيا في دمشق، إذ إنّها تهدد إمكانيتهم في إعلان السيطرة والسيادة على العاصمة. أمّا بالنسبة للمعارضة، فإنّها تظلّ معقِلاً هامّاً. ومع هذه الحوافز، وفي ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على اتخاذ أي إجراء على ما يبدو، من المتوقع إذاً أن تستمر المذبحة في الغوطة.