أولاً: ماهي الآليات المقترحة لعمل اللجنة وديناميكيات اتخاذ القرارات فيها؟
إقرار اللجنة الدستورية كما وصفه المبعوث الدولي بيدرسون هو أول إنجاز فعلي في العملية السياسية السورية، ولا شك أن إعلان تشكيل اللجنة الدستورية من قبل الأمين العام أنطونيو غوتيريش في 23 سبتمبر /أيلول 2019 يشكل تحولاً ومنعطفاً تاريخياً في الملف السوري.
ويُتوقع أن تتولى الامم المتحدة مهمة التيسير لأعمال اللجنة عبر مبعوثها الخاص السيد بيدرسون انطلاقا من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبالأخص القرار 2254 بهدف وضع مسار دستوري لصياغة دستور جديد.
ويُتوقع، وفق ما رشح من أخبار، أن تُشكَّل هيئتان، مصغَّرة وموسعة. تضم الموسعة 150 عضواً (50 عضواً لكل من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني)، بينما تضمُّ المصغَّرة 45 عضواً، منهم 15 عضواً من مرشحي الحكومة و15 من مرشحي هيئة التفاوض و15 من مرشحي المجتمع المدني، تتولى إعداد وصياغة المقترحات، وتعرضها على الهيئة الموسعة لإقرارها.
ومن المتوقع أيضاً أن تُمنح اللجنة الخيار بين تعديل دستور عام 2012، والدساتير السورية السابقة أو أن صياغة دستور جديد، وأن يتولى رئاسة اللجنة رئيسان مشتركان أحدهما من الحكومة والآخر من هيئة المفاوضات السورية بالتوافق فيما بينهما، مع تولّي كل منهما سلطة اقتراح جدول الاعمال والخطط وتلقّي الأفكار وطرحها والتيسير.
أما بالنسبة لآلية اتخاذ القرار، فمن المتوقع أن يحكم عمل اللجنة التوافق وإلا فيتم التصويت على أساس 75 في المائة على الأقل من أعضاء الهيئة المعنية، أي 113 عضواً في الهيئة الموسعة، و34 عضواً في الهيئة المصغرة.
ومن المتوقع ألَّا يُنَص على إطار زمني محدد لعمل اللجنة، مع ضمان حماية أعضاء اللجنة وعائلاتهم، وضمان حرية تنقلهم وعملهم، إضافة إلى أحكام متنوعة إضافية.
ثانياً: ما هي فعالية التمثيل الكردي في اللجنة؟ وما هو انعكاس ما يحدث في الشمال على عمل وأهداف اللجنة؟
مع تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، انعقد المؤتمر الوطني الكردي في القامشلي في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2011 وطالَب بالاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كمكوّن رئيسي من مكونات الشعب السوري، وثاني أكبر قومية بالبلاد، وضرورة احترام معتقداته وشعائره الدينية وحماية حقوق باقي الأقليات.
وللأسف تم تجاهل الإدارة الذاتية الكردية في مباحثات جنيف وأستانا وتم رفض تمثيلها من قبل المعارضة والحكومة السورية. فتركيا الدولة الداعمة للمعارضة، تعتبر المقاتلين الأكراد "إرهابيين" يجب استبعادهم، بينما تأخذ عليهم الحكومة السورية تعاملهم مع أمريكا على حساب الحكومة السورية، وبأن قرارهم ليس قراراً وطنياً.
وتم استبعادهم من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني في مدينة سوتشي، ولاحقاً تم استبعادهم من اللجنة الدستورية – بضغط من تركيا – على الرغم من سيطرتهم الفعلية على شمال وشرق الفرات، حتى تاريخ إقرار اللجنة من قبل الامم المتحدة.
واعتبرت الإدارة الكردية أن إقصائها عن المشاركة "إجراء غير عادل" وبأنه سيقوّض أي نجاح للعملية الدستورية.
التغيرات السريعة في الخارطة السورية، والإنسحاب الأمريكي من شمال وشرق الفرات، وترك الإدارة الكردية وحيدة وضعيفة في مواجهة محتملة مع الجيش التركي الذي سارع لحشد قواته وإطلاق حملة ما سُمي "نبع السلام"، كلها دفعت الإدارة عبر الوسيط الروسي لإتمام اتفاق مع الحكومة السورية يُمهِّد لدخول الجيش السوري مناطق حكم ما يسمى "الإدارة الكردية".
وبعيداً عن الأحداث المتتالية قُبيل التئام أعمال اللجنة الدستورية، يرى الكثيرون من الحقوقيين السوريين الأكراد أن استبعاد تمثيل الإدارة الكردية سيؤثر على نجاح هذا العقد الاجتماعي المنشود من الناحية البنيوية، ويؤسس لإنتاج عقد اجتماعي غير ديمقراطي.
وبالرغم من استغلال الإدارة الذاتية الحرب ضد داعش وكسب التعاطف الدولي، وخاصة من أمريكا وحلفائها، فإن التعاطف السياسي بقي خجولاً وغير حاضر، فالولايات المتحدة لم تتبنَّ الأكراد سياسياً بل عسكرياً.
وبانتظار ما ستؤول إليه اللجنة المرتقبة، تبقى حقوق المواطنين الأكراد وبقية الأقليات مسؤولية ملقاة على عاتق اللجنة الدستورية والمجتمع الدولي والأمم المتحدة.
من هنا لا بد من الحوار السوري -السوري بهدف صياغة دستور يمثل منتجاً إنسانياً يقبل بالآخر من باب المواطنة المتساوية.
ثالثاً: برأيك ما هي المواد والمواضيع الدستورية التي ستكون محل جدل بين أعضاء اللجنة (نظام، موالاة، معارضة)؟
يرى المدافعون عن الدستور الحالي (2012) أنه يمثل خطوة مهمة نحو الديمقراطية، وإرساء إطار تعددي ديمقراطي يحقق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة في مختلف نواحي الحياة.
لكنه تعرَّض لانتقادات من المعارضة والأكاديميين لأسباب كثيرة، منها توقيت تعديل الدستور، والظروف الاستثنائية للتعديل، وعدم نقاش الدستور من قبل الشعب، وصلاحيات رئيس الجمهورية، ومبدأ فصل السلطات، واستقلالية السلطة القضائية، وقضايا حقوق الانسان.
ونورد بعضاً من المواد التي ستكون محل نقاش حاد من قِبل اللجنة الدستورية:
– دين رئيس الجمهورية، وجنسه، باعتبار أن هذه المعايير تُميّز بين الأقليات وباقي المواطنين.
– اعتبار الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع.
– تمثيل الأقليات وحقوقها.
– شكل ونظام الحكم.
– شكل العلم السوري وشعاره.
– مبدأ فصل السلطات.
– صلاحيات رئيس الجمهورية العادية والاستثنائية وهيمنته على السلطات الثلاث.
– صلاحيات مجلس الشعب وشروط انتخاب مجلس الشعب (م 60 من الدستور الحالي)، وشروط انتخاب رئيس الدولة، ومبدأ "الكوتا" (م 85 من الدستور الحالي).
– استقلالية السلطة القضائية.
– دور المحكمة الدستورية العليا وشروط تعيينها واختصاصاتها.
– الحريات وحقوق الإنسان، وتناغمها مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان والحريات العامة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية.
– المركزية واللامركزية .
– جندرة الدستور كمطلب دستوري، انطلاقاً من مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.
ولا بد من ذكر بعض المواضيع الإشكالية في عمل اللجنة وهي:
– عدم وضوح المدد الزمنية لإنجاز عمل اللجنة.
– عدم نص دستور سوريا الحالي على اعتماد أي لجنة من خارج مجلس الشعب السوري.
– إذا خرجت اللجنة بدستور، هل سيتم التصويت عليه أم لا؟ وفي حال تم الرفض هل هنالك حل بديل؟ أم سيُفرض بالقوة من قبل الأمم المتحدة، وسنكون أمام دستور وليد بوصاية دولية؟
– هل المخرج سيكون بدستور دائم أم مؤقت للبلاد؟
– مراعاة موعد الانتخابات التشريعية المقررة في أوائل العام القادم، هل سيتم إجراء الانتخابات أم أنَّ الأمر منوط بنتائج اللجنة الدستورية؟
– مراعاة موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 2021.
– لم يتم التطرق لمخالفة الدستور الحالي: فقد جاء إقرار اللجنة دون التطرق أيضاً لنص دستور 2012 الذي يوجِب لتعديل الدستور قواعد إجرائية، وفق ما نصت عليه المادة 150 من الدستور الحالي 2012. إذ تنص أن:
- لرئيس الجمهورية، كما لثلث أعضاء مجلس الشعب، حق اقتراح تعديل الدستور.
- يتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك.
- يُشكِّل مجلس الشعب فَورَ ورود اقتراح التعديل إليه لجنة خاصة لبحثه.
- يناقش المجلس اقتراح التعديل، فإذا أقرَّه بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عُدَّ التعديل نهائياً شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية.
رابعاً: عانت سوريا دائماً من الفجوة بين الدستور والممارسة الفعلية، فكيف يمكن ضمان تنفيذ المواد الدستورية التي سيتم الاتفاق عليها (في حال تم ذلك)؟
يقر الجميع بوجود خلافات كبيرة بين أعضاء اللجنة، لكن إذا امتلك اعضاء اللجنة الوعي العميق، وتحلوا بالمسؤولية الوطنية، فيمكنهم حل تلك الخلافات وتذليل الصعاب، طالما أن مطالبهم هي السيادة والوحدة الوطنية والمواطنة والمساواة في الحقوق والحريات واحترام حقوق الأقليات.
ولا بد من توفُّر ضمانات من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لدعم عمل اللجنة، وضمان استقلاليتها واحترام كل ما ينتج عنها. ولكي يتمكن الدستور المرتقب من تلبية تطلعات السوريين، فلا بد من إشراك غالبية الشعب السوري في هذه العملية، وأن يكون مذيَّلاً برضى وقبول المجتمع السوري على اختلاف مشاربه. وهذا سيخلق مناخاً لحوار سوري جدِّي يمهد للحل. وهنا تأتي أهمية المجتمع المدني السوري للمساهمة في نشر أهمية الدستور والتوافق عليه من قبل الجميع بهدف التوافق الوطني.
وبناءً عليه، يرى البعض أن الحل يكون بالاتفاق على مبادئ ما فوق دستورية يمثّل حاجة ملحة يتم التوافق عليها بشكل مسبق وقبل المباشرة بكتابة الدستور، بغرض إلزام السلطات اللاحقة والمتعاقبة بعدم التفرد بالسلطة مهما كانت أغلبيتها النيابية وحجم تمثيلها. وبالتالي تلزم عدم تعديل الدستور وفق رغبتها أو إصدار قوانين تمس وتهدد الحريات والحقوق، باعتبار أن تلك المبادئ مستمدة من الحريات العامة وحقوق الإنسان وفق ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية—كما هو معمول بالمبادئ فوق الدستورية المنصوص عنها في الدستور التركي والتي كرست فكرة علمانية الدولة.
وهي تعد حاجة للمجتمعات التي ترغب في إعادة بناء نظامها القانوني والسياسي الضعيف والهش – كما هو حال سوريا – بعد موجة النزاعات والحروب الأهلية والهجرة، حيث اختلَّت العلاقات المجتمعية وأسس العيش المشترك وانقسم المجتمع فيها على أسس طائفية ومذهبية وإقليمية وعشائرية.
وهنالك دول عديدة تمت صياغة دساتيرها بعد نزاع مسلح، كما في أفغانستان عام 2001 حيث أسست مفوضية دستورية لإعداد مشروع دستور وعرضه للمناقشة، وكذلك دستور تيمور الشرقية 2002.