المتحدثون:
- سنان حتاحت، منتدى الشرق
- وائل سواح، المرصد السوري
جهاد يازجي، سيريا ريبورت
في الأول من شهر آذار/ مارس، عقد مشروع “سوريا من الداخل” الذي يستضيفه معهد تشاثام هاوس ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مؤتمراً عاماً بعنوان “إزالة الغموض عن الصراع السوري”. كان الهدف من المؤتمر هو تسليط الضوء على أربعة محاور رئيسية أحياناً ما يُبالغ في تبسيطها أو أنها لا تُفهَمُ بالقدر الكافي في النقاش العام.
الموضوع الثاني في المؤتمر هو ديناميات مناطق النظام واقتصاد الحرب وإعادة الإعمار.
ثمّة نقاش في الأوساط الغربية مفاده أنّ النظام السوري وروسيا “يربحان” الحرب، لكن سنان حتاحت يرى بأن ما يجرى هو في الواقع خسارة للمعارضة العسكرية أكثر مما هو انتصار للنظام. ويوضح حتاحت أن كَسبَ المعركة يتطلب قدرة معينة لإعادة النظام والاستقرار اللذين يفتقر إليهما النظام السوري وليس في مقدوره توفيرهما.
يوجد شك كبير حول قدرة الحكومة السورية في السيطرة على جميع فصائل القوى الموالية والجماعات الخارجية، بما في ذلك قوات الدفاع الوطني، وقوات الدفاع المحلية المدعومة من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، ووحدات خاصة أخرى مثل سهيل الحسن وقوات النمر، بالإضافة إلى الميليشيات المدعومة إيرانياً وعراقياً والمكونة من مقاتلين أجانب، مثل زينبيون من باكستان، وفاطميون من أفغانستان، وحزب الله. وتحارب هذه الفصائل في الوقت الراهن إلى جانب بعضها البعض لأن لديها أعداء مشتركون مثل الجيش السوري الحر وداعش وهيئة تحرير الشام، ولكن بمجرد اختفاء هؤلاء الأعداء، ستظهر ديناميات جديدة مثل الاقتتال على الموارد وهو الأمر الذي لن يتمكن النظام من ضبطه.
وقد أيد جهاد يازجي رأي سنان حتاحت مستعيناً بمثال الحرب اللبنانية، التي توقفت نهايتها على وجود اتفاق سياسي مدعوم من قِبَل الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية وتدخُّل الجيش السوري الذي نزع سلاح الأطراف الفاعلة المتحاربة مقابل منحها النفوذ السياسي. إلاّ أنه ما من أملٍ كهذا في سوريا، كما يقول، لا سيّما وأنه ليس من الواضح كيف سيكبح النظام جماح الفصائل العديدة التي تقاتل إلى جانبه.
وعلى غرار الوضع العسكري، بدأ النظام في تسخير النمو الحاصل مؤخراً في الاقتصاد لتعزيز قدرته على استعادة الاستقرار. ومع ذلك، يوضح جهاد يازجي أنه على الرغم من أن عام 2017 ربما كان العام الأول الذي نما فيها الاقتصاد السوري منذ بداية الانتفاضة، فإن نقطة البداية كانت منخفضة للغاية، ولم يكن تأثير هذا النمو ذا مغزى كبير من حيث الزيادة في الدخل أو إيجاد فرص العمل. لقد تضرر الاقتصاد بشكل كبير وشهدت البلاد نزوحاً كبيراً لرأس المال والموارد البشرية، مما يتطلب استثمارات ضخمة لاستعادة النمو.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أنماط اقتصادية وشبكات وشخصيات تجارية جديدة في سوريا. وكما أوضح يازجي، فقد أنتج الصراع أمراء حربٍ جُدُد ونُخب اقتصادية مرتبطة بالنظام لم تكن معروفةً من قبل. فعلى عكس النخب التجارية السابقة المرتبطة بالنظام، لا يخضع أحد من الأفراد الجدد لأي عقوبة. ويقوم هؤلاء الأفراد الجدد بعدد من الأدوار، وهم ليسوا بالضرورة من العلويين.
وإلى جانب هذه الشخصيات التجارية، ظهرت منظمات غير حكومية جديدة أنشأتها زوجات أو إخوة قادة الميليشيات، وتقدّم هذه المنظمات معظم خدماتها في المناطق التي يسيطر عليها النظام مثل دمشق وحماة واللاذقية والسويداء. وهي مسجلة في وزارة الشؤون الخارجية، وفي بعض الأحيان تحصل على تمويل من الأمم المتحدة.
وكما أوضح وائل سواح، سيكون من الصعب السيطرة على هذه المنظمات. حاول النظام في الآونة الأخيرة الحد من نفوذ هذه الجماعات في حماة وحلب الشرقية، حيث نقلت الصحف الرسمية أنباءً عن تخفيضات في الدعم والرواتب، ولكن على أرض الواقع فإن أوضاع هذه الجماعات تبدو آمنة على الأرض، ويعود سبب ذلك جزئياً إلى أن النظام لا يستطيع أن يملأ مكانها. وتقوم العديد من هذه المجموعات الآن بتوزيع الغاز والخبز وتوفير الخدمات الأساسية بدلاً من الحكومة. وطالما أن النظام لا يزال بحاجة إلى طبقة مُحدَثي النعمة شبه العسكرية من رجال الأعمال، لإتمام دوره في المناطق التي يسيطر عليها، فلا يمكن اعتباره منتصراً في الحرب.
كما أشار جهاد يازجي إلى الدور الهام الذي ستلعبه هذه الشركات الجديدة في إعادة الإعمار، إذ من المحتمل أن يستخدمها النظام كوسيلة لإقناع أوروبا والخليج بالاستثمار في سوريا لأنها لا تخضع لأي عقوبات. ومع ذلك، يرى سواح أن هذه البلدان لن تستثمر أي أموال في المناطق التي يسيطر عليها النظام قبل التوصل إلى تسوية سياسية. وأضاف يازجي أن روسيا وإيران لا تملكان ما يكفي من المال للاستثمار في إعادة الإعمار على نطاق واسع.
سوف تكون هناك شركات روسية وإيرانية وصينية مهتمة ببعض الاستثمارات لأنها لن تواجه منافسةً كبيرة، والحكومة السورية مهتمة بهذه الاستثمارات الأجنبية نظراً لحجم الدمار الواسع في البلاد، وبالتالي فإن هناك نقص في المعروض من الاستثمار المحلي. لكن يازجي أوضح أيضاً أن النظام الحالي لا يمتلك استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار، وأن أولويته هي تسديد الروس والإيرانيين من خلال منحهم أصولاً وموارد على المدى الطويل. سيكون لهذا الأمر تأثير سلبي على الإيرادات المالية للحكومة وقدرتها على الاستثمار، ولا سيّما بالنظر إلى أن النظام يبدو وكأنه يعطي قدراً كبيراً من إجمالي حصص موارد الفوسفات والنفط والغاز للروس في الوقت الذي تتسم فيه هذه الموارد بمحدوديتها.
وأوضح وائل سواح أنه على الرغم من استحالة البدء في إعادة إعمار حقيقية ذات مغزى في سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام قبل التوصل إلى تسوية سياسية، فإن من شأن إعادة الإعمار واستعادة الخدمات الأساسية في مناطق التصعيد أن يشجع اللاجئين على العودة إلى هذه المناطق. وأضاف أنه يجب استخدام إعادة الإعمار كأداة لممارسة ضغوط جادة على روسيا، وعلى إيران في المقام الأول من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.